الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات التمهيدية الأميركية: موسم «التناقضيين»

29 فبراير 2012
نظراً لأن العام الحالي هو عام انتخابي، فإن ميلنا الفطري لوصف كل مرشح وكل مقترح، يتجلى في أوضح صوره. وهكذا فإن من المألوف اليوم أن نسمع أسئلة من قبيل: هل "رومني" محافظ بما فيه الكفاية؟ وهل أوباما تقدمي، أم ليبرالي، أم اشتراكي على الطراز الأوروبي كما يحاول الكثيرون من نقاده تصويره؟ وما معنى كلمة"تحرري"؟ ربما يكون السؤال الأهم من ذلك هو: ماذا أنت... أو إلى أي حزب تنتمي؟ وهو سؤال قد تكون الإجابة عليه محددة وواضحة كما قد تعتقد... ولكن الأمر ليس كذلك. وفقاً لاستطلاعات الرأي يعرف 30 في المئة من الناس أنفسهم على أنهم "جمهوريون"، و32 في المئة على أنهم "ديمقراطيون"، و38 في المئة على أنهم مستقلون، وهناك شريحة أوسع تشمل "محافظين" و"ليبراليين" ومعتدلين ونسبتها 42 في المئة، و20 في المئة، و38 في المئة على التوالي. معنى ذلك أن هناك قطاع كبير من الأميركيين يصنف نفسه على أنه معتدل أو مستقل. ولكن ما الذي يعنيه أن تكون معتدلاً؟ ليس المقصود بالطبع أن تقف في الوسط في أي موضوع يطلب رأيك فيه أو تتبنى موقفاً وسطياً من أي شيء تواجهه في حياتك. الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أنك تميل إلى أن تكون محافظاً متحمساً بشأن بعض الأمور، وليبرالياً متحمساً بشأن أمور أخرى. وقد تتفق في أمور مع "ريك سانتورم" و"أوباما"، و"رون بول". ولكن نظراً لأننا ندفع كل مرشح محتمل إلى صندوق أيديولوجي فقد يصعب علينا رؤية ذلك، وخصوصاً أثناء موسم الانتخابات التمهيدية. خلال سنوات "رونالد ريجان"، كنت اعتبر نفسي ليبرالياً متحمساً، حيث كان "ريجان" يمثل في نظر الكثيرين كل ما هو خطأ لدى "المحافظين". فقد موّل ريجان "البنتاجون" بسخاء، في الوقت الذي خفض ميزانيات الخدمات الإنسانية، وحاول كسر النقابات، وآمن بالنظرية الاقتصادية التي تدعو لمنح الاستقطاعات الضريبية للشركات الكبيرة والأغنياء على أساس أن ذلك يساعد على ازدهارها ونقل ذلك الازدهار بعد ذلك من أعلى لأسفل للفئات الأقل دخلاً وللشركات الصغيرة. باختصار كان "ريجان" تجسيداً لكل ما كنت أرفضه أو أقف ضده. لقد ولدت وترعرعت في عائلة "ليبرالية" ديمقراطية، وشارك والداي في حملتي جون كنيدي، ومن بعده ليندون جونسون، وكانا يصوتان لـ"الديمقراطيين"، ويؤيدان الاتحادات والنقابات، ويؤمنان بنظرية "المجتمع العظيم" لـ"جونسون". لسنوات ظل ذلك اللقب" ليبرالي" يصدني عن النظر إلى أي شيء على أي خطوط غير الخطوط الحزبية. وفي أواخر العشرينيات من عمري، كتبت رواية عن فتاة عمرها 18 عاماً حملت من عشيق لها، وفضلت الاحتفاظ بحملها. وعندما ظهرت القصة تعرضت لهجوم ساحق من "اليسار"، كما لو كنت "شخصاً بلا عقل من أنصار المحافظة على الحياة". في حين أنني كنت في الواقع نصيراً متحمساً لحرية الاختيار (بين الإبقاء على الجنين أو التخلص منه). بل إنني قد عملت في الواقع العملي لبعض الوقت في عيادة للإجهاض، وكنت أقوم من خلال ذلك بتقديم الاستشارة والرأي الطبي للرجال الذين كانوا يأتون للعيادة بصحبة صديقاتهم، وأخواتهم، وبناتهم وزوجاتهم، للحصول منى على مواعيد لإجراء عمليات إجهاض. ولكن شخصية الفتاة التي صورتها في روايتي اتخذت موقفاً مفرطاً في محافظته، حيث عارضت عالمي المكون من اللونين الأبيض والأسود فقط. وسرعان ما غدوت قادراً على الاعتراف والإقرار بالعديد من التناقضات في تفكيري. واعتقد جازماً أننا جميعاً- وليس أنا وحدي فقط- عبارة عن كتلة من التناقضات، وأننا جميعاً خليط من "المحافظين"، والمتعدلين، و"الليبراليين" معاً... خليط من الشجاعة والتعاطف. واعتقد أننا نؤمن بالفصل بين الكنيسة والدولة إلا حينما لا نريد أن نفعل ذلك، وأننا نؤمن بأن الحكومة يجب أن تسعد الفقراء إلا إذا ما رأينا أنها تساعدهم أكثر مما ينبغي! باختصار إن الحياة شديدة التعقيد... ونحن كذلك أيضاً. ومن ضمن الطرق الناجعة لكسر عادة وضع لقب أو مسمى لأي شيء، هو أن نقرأ للمعلقين السياسيين الذين نختلف معهم: فإذا ما كنت تعتقد أنك ليبرالي، فعليك بقراءة "جورج ويل" أو "تشارلز كراوثامر". أما إذا كنت محافظاً فجرب قراءة "مارلين دود" أو" نيكولاس كريستوف" وفي رأيي أن الجميع يجب أن يجربوا قراءة "ديفيد بروكس" لأنه واحد من أكثر الكتاب الذين يكتبون اليوم من ناحية العمق الفكري. وهو أيضاً "جمهوري"، يهودي، يكتب للنيويورك تايمز، وهي جملة لو تأملناها جيداً فسوف نجدها مليئة بالتناقضات. وعندما تقدم به العمر، بدأ والدي الذي وصفته في بداية مقالي هذا بأنه ديمقراطي ليبرالي نمطي لحد كبير يهتم اهتماماً كبيراً بالأسلحة، وهو ما دفعه للانضمام إلى "اتحاد البندقية الوطني"، وظل يحمل البطاقة التي تثبت عضويته في هذا الاتحاد بفخر، ويضعها جنباً إلى جنب مع البطاقة الأخرى التي تثبت أنه عضو في "اتحاد الحريات المدنية الأميركي". لم يكن ذلك يمثل تناقضاً في رأيه لأنه كان يؤمن في قرارة نفسه أن الاتحادين كانا يدعمان حقه في ممارسة "التعديل الثاني" للدستور! وإذا ما كان والدي قادراً على إيجاد قاسم مشترك -على الأقل من الناحية الفلسفية- بين" اتحاد البندقية الوطني"، وبين" اتحاد الحريات المدنية الأميركية"، فإن كل شيء يمكن أن يغـدو ممكناً. ومـن هنـا فـإن البطاقـة بطاقة التعريف الجديدة التي يجب أن نتقلدها هي البطاقة التي تحمل مسمى "التناقضيون". جيم سوليش مدير القسم الإبداعي بمؤسسة «ماركوس توماس» الإعلانية - كليفلاند ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©