تشعر بالدهشة والسرور في آن واحد وأنت تقف أمام مجسم لمجموعة من فصوص العقيق اليماني من النوع المعروف بالعقيق ''المصور''، في لوحة مكوناتها أبدعها الخالق وتجلت فيها قدراته سبحانه مهندس هذا الكون وما فيه، وهي ترمز لحكايات مثيرة قادمة من بطون الصخور في قصص لاتنتهي رواياتها وتظهر في العقيق لتذكرنا بقدرة الله في الخلق والتكوين إذا أراد للشيء أن يقول له كن فيكون فهي صور ناطقة تقول: لله في خلقه شؤون·
بداية سألنا أحد الحرفيين المتخصصين في صناعة العقيق عبد العليم الكحلاني فقال نحب أن نشير أولا إلى أن العقيق اليماني يستخرج من قمم الجبال وبطون الأودية فمنه ما يكون قريبا من السطح ومنه ما يتم استخراجه من عشرات الأمتار من باطن الأرض، ويأتي من أنواع مختلفة من الصخور فمنه ما يتواجد في صخور ذات صلابة عالية جداً ومنه يستخرج من صخور رملية قليلة الصلابة·
ويفيد بأن العقيق اليماني يتواجد في مناطق متعددة من اليمن فمنها منطقة آنس وعنس من محافظة ذمار، ومنطقة خولان من محافظة صنعاء· ويضيف الكحلاني: في بلدة طيبة ورب غفور ''اليمن'' على الزائر أن يأتي أولاً إلى صنعاء القديمة لزيارة سمسرة الحرف الشعبية وسوق الملح حيث تلتقي أيادي الحرفيين حتى يشاهد فصوص العقيق التي صورها وأبدعها الخالق قبل أن يقرر اقتناء مايرغب من تلك الفصوص مباشرة، والتي لها قيمتها الثمين، فكل فص عقيق من تلك الرموز قيمته في ذاته وبما يحتويه من التشكيل الجمالي الذي أبدعه البديع الله في الطبيعة عبر الظروف التي تكوّن كل حجر عقيقاً فيها·
أسرار ودلالات
ومن الأسرار التي تحملها رموز العقيق اليماني المصور كما يقول عبدالهادي الوادعي صاحب محل للعقيق تبقى واضحة ومعبرة عن معاني ودلالات لعظمة الخالق، فهناك رموز دينية مثل صورة الكعبة المكرمة والقدس الشريف وبألوان مختلفة وأخرى تحمل لفظ الجلاله ''الله'' وثالثة باسم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام وهي طبيعية توجد دون تدخل الحرفي·
كما أن هناك فصوصاً من العقيق اليماني ترتسم عليها أسماء الله الحسنى وبعضها للصحابة والشخصيات المؤثرة في المجتمعات الإسلامية والانسانية، ومنها أيضا والكلام للوادعي نماذج تعكس أفضل أنواع الحيوانات والطيور·
طلال الأنسي أحد العاملين في مجال تجهيز العقيق اليماني، يقول: من أكثر الطيور التي تتكرر في العقيق اليماني الهدهد والصقر والحمام، ومن الحيوانات الخيول والنمور إضافة الى رموز للرجل والمرأة·
ويؤكد طلال أن مثل هذه الرموز قد جعلت للعقيق اليماني قيمة روحية ومادية كبيرة، حتى أن بعض الأسر تعتقد أن لهذه الفصوص منافع تقيهم من الشر وطرد الشياطين وما يسمى الإصابة بالعين الحمراء·
ويوضح طلال قائلا: هناك فصوص عقيق قيمتها قد تزيد عن ،20 ألف درهم وهناك فصوص لاتتجاوز قيمتها 20 درهماً لكن تبقى النفائس من العقيق اليماني كلوحات فنية تحاكي الطبيعة·
تقاليد يمنية خليجية
ومن هذه النفائس النادرة المحببة كتقاليد عند اليمنيين وبعض البلدان الخليجية، يقول عبد الحكيم مطهر صاحب محل لبيع العقيق اليماني في صنعاء القديمة، مازال بعض مواطني اليمن وحتى في بعض دول الخليج يتمسكون بعدد من التقاليد بخصوص التزين بالعقيق ومثله الألماس والفضة وكذلك الذهب، والتي توارثتها الأجيال عبر العصور ومنها تزيين اليد بالخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة المنتشرة في الجمهورية اليمنية ودول الخليج العربي على وجه الخصوص· ويرى مطهر: أن الأسباب التي أدت إلى المحافظة على شعبية وانتشار التختم بالأحجار الكريمة بين كثير من أوساط الناس: الاقتداء بسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى الخصائص الجمالية التي تتمتع بها تلك الأحجار من ألوان وأحجام مختلفة، وأيضاً الاعتقادات والأساطير التي مازالت تنسج في مخيلة كثير من الناس حول منافع الأحجار الكريمة، فيحرص البعض على اقتنائها، خصوصاً العقيق اليماني الذي يقال إنه يجلب الرزق والحظ والسعادة ويدفع الأمراض ويطرد الجان·
أنواع العقيق
يقول سامي احمد هناك عدة أنواع أشهرها العقيق الأحمر وينقسم إلى قسمين رئيسيين هما: الرماني وهو ما كان أحمر صافيا فاتحا يشبه لون الرمان، والكبدي وهو أحمر غامق يميل لونه إلى لون الكبد، كما يوجد أنواع أخرى منها العقيق المصور الذي ''تحدثنا عنه هنا''، وهو العقيق الذي يكون فيه تمازج لوني طبيعي من أصل الحجر ويمثل هذا اللون صور طبيعية كأن تكون صور إنسان أو حيوان وطيور ونبات وأشكال أخرى كصورة الكعبة أو أسماء الله الحسنى وأسماء أشخاص وكتابات أخرى متنوعة، والعقيق المشجر وهو ما كان فيه شكل أشجار وقد يندرج تحت العقيق المصور، إضافة الى العقيق المزهر وهو الذي يحوي ألواناً مختلفة ولكنها لا تمثل أي شكل معين وواضح ومنه العقيق السليماني
عدد اليوم
