السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللِّوَى··· العربية والعلوم

سِقْط اللِّوَى··· العربية والعلوم
8 مايو 2008 03:40
من الأوهام التي تدور في التصوّر الذهنيّ العربيّ المعاصر أنّ اللّغة العربيّة عاجزة عجزاً مُرِيعاً عن أن تسَعَ العلومَ العصريّة، وإن هي إلاّ لغة الشعر··· وليس أخطل من هذا التمثّل رأياً، ولا أسوأ منه مذهَباً··· ذلك بأنّ الواحد منّا قد يتسرّع فيطلق حكماً عن مسألة من مسائل العلم والفكر، فيسري حكمه سرَيان النار في الحطب الجزْل، فيتداول الناس الأخطاء، من حيث لا يشعرون· ولنمثّلْ لذلك بالطّبّ ومصطلحاته، فإنّ معظم العرب المعاصرين يرَون أنّ العربيّة ليست بقادرة على أن تسَعَ مصطلحاته، ولا أن تأتيَ على أدوائه وأدويته· ونحن قد عدنا إلى أكبر المعاجم العربيّة وأوثقها نمسَحُها بالقراءة فاقتنعنا، أنّ اللّغة العربيّة قادرة كلّ القُدرة، على أن تكون لغة الطّبّ كما كانَتْها في القديم· بل لاحظْنا أنّ فيها فائضاً استعماليّاً في هذا المجال··· وقد لاحظنا من خلال متابعتنا المعجمَ الطّبيَّ، أنّ للعرب تقاليدَ وقواعدَ في تسمية الأدواء، وأنّ الطّبّ، نتيجة لذلك، اختصاص عربيّ! فمن المصطلحات الطبية ما هو ثابتٌ على مثال واحدٍ، ومنها ما تتنوّع صِيَغُه، وكُلٌّ يندرج ضمن اللّغة الطّبيّة كمِثْلِ ''فُعَال'' الذي وضعوه للدلالة على الأدواء (وجعلوا مثال ''فُعَال'' دالاّ أيضاً على بعض الأصوات، فكأنّهم توهّموا في بعض هذه الأصوات عِلّةً فجاءوا بها على مثالها كالنُّواح، والصُّراخ، والنُّباح، والعُواء، أو أنّهم راعَوْا مبدأَ السببيّة في الوضع، حيث إنّ الذي يصرخ قد لا يصرخ إلاّ من ألمٍ أو وجَع···)· ونمثّل هنا على بعض هذه الأدواء فنذكر أنّهم أطلقوا القُلاَبَ على مرَض القلب؛ والسُّعالَ على مرَض الصّدر؛ والشُّقَاق على مرَض الجِلْد؛ والأُبَاءَ على من ذهبتْ شهيّتُه إلى الطّعام؛ والقُيَاءَ على العَرَض الذي يصيب الشخص فيحمله على التقيُّؤِ، والكُتَاف: على الداء الذي يصيب الكَتِف؛ والغُضاب: على مرَض يصيب العينَ فتنتفخ وتتورّم من ذلك الداء؛ والْبُحَاحَ: على داء يأخذ في أوتار الحنجرة فتتورّم فتغيّر حالة الصوتِ من طبيعته إمّا إلى خشونة، وإمّا إلى ضعفٍ يُذْهِبُ جَهارتَه: كلَّها أو بعضَها؛ والرُّعَاش: على الرِّعْشة التي تعتري الإنسانَ من داء يصيبه لا يسكُن عنه؛ والسُّدَاد: على داء يصيب الأنف، فيأخذ بالكَظْم، ويمنع نسيمَ الريح؛ والعُطَاش: على داء يصيب الصغير والكبير بحيث مهما يشرَبْ من ماءٍ فلا يَرْوَى؛ والْحُلاَق: على وجَعٍ في الحلق والحلقوم؛ والْخُبَاط: على داء كالجنون، وليس به، فكأنّه الخبَل الذي يصيب عقل الإنسان؛ والقُفَاع: على داء تتشنّج منه الأصابعُ، ويقال عن تلك العلّة: تقفّعت أصابعُه؛ والقُلاَحَ: على الصّفرة التي تعلو الأسنانَ في الناس، وهو أن تكثُر الصفرة على الأسنان حتّى تغلُظَ، ثمّ تسودّ، أو تخضرّ، وهلمّ جرّاً من عشرات الإطلاقات الدّالّة على الأدواء وردتْ في الطّبّ العربيّ كلّها على هذا المثال، بالإضافة إلى أمثلة أخرى، لعلل أخرى··· والمجال لا يتّسع للتفصيل···
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©