الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متعة الجريمة

متعة الجريمة
8 مايو 2008 03:38
مما حملته أخبار هذا الصباح، غير تلك التي تدور في أقانيم السياسة ومراكزها وأبوابها التي أصبحت راسخة وثابتة حتى الإيذان بتحولات ومراكز جديدة· ما حملته متفرقات الأخبار، أن روسياً من أواسط روسيا، وهو كيميائي، اخترع نوعاً من السموم وأراد اختبار فاعليته وجدواه، فبدأ بأفراد عائلته، زوجته ثم ابنته·· كان يراقب آثاره وفاعليته التدميرية حتى النَفَس الأخير·· ثم على زملائه في العمل فأصدقائه، والقائمة تطول·· ما يلفت أكثر في الحدث غير الاستثنائي، في الزمن الذي نعيش، أن القاتل الاختصاصي حين يدس السُم لضحاياه يقضي فترة من المتعة، فيما يشبه النزهة السياحية، في مراقبة ضحاياه، مراقبة العلامات والأعراض جرّاء انتشار السم في جسد الضحية، حتى لحظة الحتف الأخيرة· رحلة من اللذة يقطعها القاتل، تستغرق فترة ليست قصيرة، وهو يراقب ضحيته الحميمة تتألم وتتشوه وتنحدر· رحلة بالنسبة له أجمل من قضاء الصيف في منتجع ''القرم'' الروسي الشهير· هذه الحوادث وعلى شاكلتها وأفظع وأكثر غرائبية منها الكثير الكثير، في المدن والأرياف المتحضرة، وتلك التي يسحقها التخلف والظلام· يتبارى القتلة، صغاراً وكباراً، في ابتكار مناخات الجرائم وأدواتها وطرق تنفيذها التي يعجز ويتقهقر أمامها أي خيال سينمائي أو روائي، حتى تلك التي ترتفع الى مصاف الخرافات والمجازات·· لم تعد روايات وقصص عرفها التاريخ في هذا المجال مثل ''الكونت دراكولا'' أو بوليسيات ''آجاتا كريستي'' و''جورج سمينون''· وحتى دسائس أجهزة الأنظمة القمعية وغير القمعية، لمعارضيها وأعدائها، لم تعد إلا طرائف وفكاهات، أمام تطور الخيال البشري وتفننه في ارتكاب الجرائم والتنكيل· خيال الفرد الأعزل من السلطة، تجاه أقرب الأقربين الى قلبه وعواطفه أو هكذا يفترض حتى الآن· الدول والأجهزة بإمكانياتها الكبيرة، ما ترتكبه وتخترعه في هذا السياق الأصيل في النفس البشرية، ليس بخارق ولا بالغ الذكاء والفطنة أمام خيال الأفراد وابتكاراتهم، في السياق نفسه وإن اختلفت الدوافع والالتباسات·· üüü الرجل الروسي والملايين على شاكلته، وعلى رأس القائمة أمريكا غريمة روسيا التقليدية في المجال الامبراطوري/ يرتكب جرائمه ليس بدم بارد فحسب وإنما بالمتعة التي لا تضاهيها لحظات الحب الجسدية··· شبقٌ غامضٌ، عارمٌ وعصيٌ على النفاذ والتحليل المنطقي·· كان بطل رواية ''الجريمة والعقاب'' للروسي الكبير (ديستوفسكي راسكلنكوف)، حين ارتكب أشهر جريمة في تاريخ الأدب، ضد المرابية العجوز، دخل في هذيان الندم والحقيقة والعدالة، سقط في بؤرة الأسئلة والهواجس·· واقعُ حال العالم أن الابن يقتل أمه وأباه·· ويجري انتهاك وقتل كافة المحرمات والقيم القرابية والأخلاقية بنفس الدم البارد الذي تُقدِمْ فيه الدول القوية على إزالة شعوب وبلدان من خارطة الحياة والتاريخ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©