الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسرائيل: بلغت الستين

8 مايو 2008 03:00
يحتفل اليهود هذه الأيام بالذكرى الستين لإعلان قيام الدولة العبرية، التي تسابقت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي إلى الاعتراف بها· ولقد جاء تأسيس إسرائيل وفقاً لقرار الأمم المتحدة (وهو قرار فريد في نوعه حتى ذلك التاريخ)، قرار يقضي بتقسيم أرض فلسطين التاريخية بين أصحابها الأصليين وجماعات المهاجرين اليهود من شتى بقاع الأرض، وهؤلاء لا يجمع بينهم ما يجمع بين البشر الذين يشكلون أمة ما، لا يجمعهم إلا حلم تاريخي وخرافي بحق العودة إلى الأرض المقدسة· هذا الحلم الخرافي-التاريخي جدده ومنحه قوة الاستمرار، وحوله إلى مشروع وخطة في مطالع القرن العشرين المؤتمر الصهيوني الأول، الذي اتفق على تأسيس دولة اليهود بقيادة ورعايـــة الحركــة الصهيونية· ستون عاماً مرت منذ ليلة إعلان بن غوريون قيام دولة إسرائيل، فترة حفلت بأحداث جسام، وشهدت تغييرات كبرى ليس بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وقضية الصراع العربي- الإسرائيلي فحسب، بل بالنسبة لخريطة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وشتان ما بين الدولة التي أعلن مولدها في مايو عام 1948 والدولة القائمة اليوم في مايو ·2008 فالدولة التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز ستمائة ألف يهودي، أصبحت بفضل سياستها التوسعية الشرسة والمخالفة لكل عرف وقانون عالمي، تحتوي على ما يربو على سبعة ملايين من البشر بينهم مليون مواطن (إسرائيلي/عربي)· والدولة التي يُنظر إليها في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة باعتبارها ''واحة الديمقراطية والحرية'' في صحراء العالم المجدب المحيط بها والموصوف بكل شرور الديكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان، لم تستطع خلال الستين عاماً الماضية، وعلى رغم الحروب الخمس التي خاضتها والتفوق العسكري الذي حققته أحياناً بسهولة على الدول العربية، لم تحقق لنفسها الأمن والاستقرار ولم تضمن لنفسها القبول بين جيرانها الأقربين ''الفلسطينيين''، ولا جيرانها الأبعدين من العرب· وعلى الرغم من كل التقدم التقني والتفوق العسكري، ومع كل الدعم والتأييد السخي الذي تقدمه لها الولايات المتحدة الأميركية للدولة العبرية، فإن هذه الأخيرة ما تزال منقسمة على نفسها حول تساؤلات محيرة منها: ماذا تريد؟ وإلى متى ستنتهي حدودها؟ وبالأمس عبر عن ذلك ''ديفيد هورفيتس''، رئيس تحرير ''جيروزاليم بوست'' إذ كتب ''إن إسرائيل، وقد بلغت الستين من العمر، محتاجة إلى أن تحدد لنفسها ماذا تريد''· الإجابة على هذا السؤال المحير، كانت وستظل هي العقبة التي حالت بين كل المساعي لتحقيق صلح عربي-إسرائيلي شامل، قبله على مضض بعض العرب، لكن إسرائيل ما تزال تلتف على كل محاولات الصلح الشامل، وتتملص من كل المساعي الدولية، وفي الوقت نفسه تُشيّد المستوطنات الجديدة وتُدمر المنازل على رؤوس الأطفال والنساء في غزة والضفة الغربية· وإذا كانت مناسبة الذكرى الستين لتأسيس الدولة العبرية مصدر سعادة للإسرائيليين ولليهود خارج إسرائيل، فإن هنالك من دفع ثمن هذه السعادة بأحزانه وبؤسه وشقائه؛ فالفلسطينيون هم الطرف الآخر في المعادلة التي بموجبها توافق ''المجتمع الدولي'' على تقسيم فلسطين إلى دولتين -ربما لأن ضمير المسيحيين مثقل بما فعلوه باليهود عبر التاريخ، وآخرها ما فعله النازي بهم- فالفلسطينيون هم الذين دفعوا ثمن سعادة اليهود على مر الستين عاماً تشريداً ولجوءاً، وقد فعل اليهود كل ما هو ممكن لاجتثاث الجذور الفلسطينية من أرضها ولم يحققوا ما أرادوا··· وعندما ينظر المرء في رواية الستين عاماً بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، فإن هنالك بقعة ضوء ستظل دائماً تشد العين وتعمر العقل والقلب إيماناً بأن قضية فلسطين العربية، مهما جار عليها الزمن، ومهما جار عليها العدو والصديق، فإنها ستبقى حية، وسيبقى الشعب الفلسطيني موجوداً وحياً· ولقد كان السطر الأول في خطة الصهيونية الرامية إلى تأسيس الدولة العبرية في فلسطين، هو اقتلاع الشعب صاحب الأرض والحق التاريخي، وفي سبيل ذلك انتهكوا حرمة كل شيء، وارتكبت العصابات اليهودية من الجرائم ما يندى له خجلاً كل ضمير حي· وإذا كان الإسرائيليون يبحثون، بعد مرور ستين عاماً، على تأسيس دولتهم عن إجابة على سؤال المستقبل، فالأجدر بالفلسطينيين ضحايا الستين عاماً الأوائل، أن يجدوا من جانبهم السؤال المقابل· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©