السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة المُهجرين إلى ديارهم··· تطبيب لجراح الكينيين

إعادة المُهجرين إلى ديارهم··· تطبيب لجراح الكينيين
8 مايو 2008 03:00
غصت الحافلة بالوجوه المترقبة التي تضغط على زجاج النوافذ علها ترى شيئاً يطمئنها، في حين اصطف الجنود بأسلحتهم لحراسة الكينيين العائدين إلى ديارهم· ''إني مستعد للعودة'' يقول ''دومينيك نجيجي''، أحد المزارعين البالغ من العمر 80 عاماً وهو يحمل في يده كيساً بلاستيكيا يضم أغراضه البسيطة· ويذكر أن هذه الجهود تندرج في إطار المساعي التي تقوم بها الحكومة الكينية لأول مرة منذ اندلاع العنف الذي أعقب الانتخابات في شهر ديسمبر الماضي لإعادة الآلاف من الأشخاص إلى ديارهم· وقد عانى هؤلاء من ظروف معيشية قاسية في مخيمات بائسة تفتقر إلى أدنى الخدمات، لتتحول إلى مكان لتفريخ المرض والجريمة واليأس· ولأكثر من أربعة أشهر على اندلاع موجة العنف التي اجتاحت كينيا وانتشار المواجهات السياسية والعرقية بين مكونات الشعب الكيني، غادر أكثر من 600 ألف كيني منازلهم هرباً من المواجهات الدامية· وخلال العنف الأهوج الذي سيطر على البلاد سقط ما لا يقل عن ألف شخص وانقلبت كينيا التي كانت نموذجاً للاستقرار والتماسك الاجتماعي إلى بؤرة توتر ملتهبة يمزقها الصراع الإثني· لذا تأتي المبادرة الحكومية بإعادة المُهجرين إلى بيوتهم كمحاولة لطي صفحة الماضي ومعالجة المشاكل المترتبة عن فترة العنف السابقة· لكن الحافلات المليئة باللاجئين العائدين إلى ديارهم أيقظت في نفوسهم العديد من الذكريات الأليمة وهي تمر وسط مشاهد تؤثثها المنازل المحروقة، والأشجار التي اقتلعت واستخدمت كحواجز لمنع المرور، فضلاً عن مرورهم من الأماكن التي شهدت أسوأ أعمال القتل وطالت النساء والأطفال والمزارعين العزل· غير أن الأجواء الكئيبة التي تحيط بالمكان لم تمنع العائدين أثناء ترجلهم من الحافلات من إبداء بعض التفاؤل، وهم يعانقون ديارهم بعد غيبة طويلة· ''ميشاك نجاتـــا'' -أحد المزارعين الذين عادوا- عبّر عن فرحته بالرجوع إلى موطنه وهو يتفقد حديقة منزله، قائلاً ''أشعر بأني محظوظ لأني عدت أخيراً إلى الديار''· لكن مع ذلك هناك من العائدين من أبدى شكوكه حيال الوضع الأمني، بحيث نظم سكان مخيم ''مولو'' في أطراف إحدى المدن التي شهدت العديد من أعمال العنف احتجاجاً عبروا من خلاله عن رفضهم العودة إلى منازلهم· وخلال الاحتجاج أصر ''بيتر نجوجي''، وهو يحمل في يده دفتراً يحوي مطالب المحتجين على عدم العودة· وقد كان ''نجوجي'' واضحاً في إصراره على البقاء في المخيم وعدم العودة إلى قريته الأصلية حتى تضمن الحكومة الأمن للعائدين وتدفع التعويضات للنازحين· ''لا يوجد سلام في تلك المناطق'' هذا ما قاله ''نجوجي'' وهو يعبر عن استيائه، مضيفاً ''ماذا تظن أنهم سيفعلون بنا هناك، لا شك أنهم سيقتلوننا''· والحقيقة أن مخيم ''مولو'' ليس سوى نموذج للانقسامات التي مازالت تنخر المجتمع الكيني على أساس إثني وتهدد بزعزعة استقرار البلاد· فالبلدة التي تستضيف المخيم تحيط بها التلال من كل جانب وتحفها الأراضي الزراعية المترامية، لكن الأخطر مـــن ذلــــك أنها تقـــع وســـط ''الكالينجين'' و''كيكويو''، المجموعتين العرقيتين اللتين دخلتا في مواجهات دموية بعد الانتخابات· فبينما ساند ''الكالينجين'' فريق المعارضة الذي رفض نتائج الانتخابات، وقفت قبائل ''كيكويو'' إلى جانب الحكومة وناصروا مرشحها الانتخابي ''مواي كيباكي''· ويذكر أن أغلب الذين هُجروا من ديارهم بسبب أعمال العنف والانتقام ينتمون إلى ''كيكويو''· ويبدو أن الأزمة الغذائية التي تهدد كينيا قد دفعت المسؤولين إلى وضع خلافاتهم الإثنيـــة جانبــــاً وحــــل مشكلـــة الأراضي الزراعية التي ظلت دون استغلال· وفي هذا الإطار تعهدت الحكومة الكينية ضمن برنامجها لإعادة اللاجئين إلى ديارهم بتوزيع الغذاء والبيوت الجديدة، بل حتى قدر من المال على من يوافق على العودة إلى مزرعته· ولضمان نجاح البرنامج وتحفيز المزارعين على العودة إلى أراضيهم واستئناف استغلالها ركزت الحكومة على المصالحة الإثنية عبر عقد ندوات ولقاءات بين الجماعات المختلفة، فضلاً عن تنظيم مباريات في كرة القدم تجمع بين ''كيكويو'' و''الكالينجين''· ويبدو أن الخطة الحكومية لإقرار المصالحة بدأت تؤتي أكلها، حيث غير عدد من أعيان قبيلة ''الكالينجين''، الذين قبل شهور قليلة فقط كانوا يصرون على رحيل ''كيكويو''، مواقفهم السابقة بعدما قدموا يوم الإثنين الماضي إلى مركز الشرطة في ''مولو'' لاستقبال العائدين والترحيب بهم· وقد عبر عن هذا التغير ''صامويل كيروي''، أحد أعيان ''الكالينجين'' قائلا ''إن الحرب قد انتهت اليوم''، مفسراً هذا الانقلاب في المواقف إزاء ''كيكويو'' باتفاق القادة السياسيين على العمل سوياً وإخراج البلاد من أزمتها الخانقة· لكن هل فعلا يعمل الساسة مع بعضهم البعض؟ فقد قرر ''كيباكي''، الذي أُعلن فائزاً في الانتخابات رغم الأدلة عن عمليات تزوير واسعة شابت الانتخابات، تشكيل حكومة وحدة وطنية في أبريل الماضي وتعيين على رأسها منافسه الأول ''رايلا أودينجا''· لكن في أول اختبار للحكومة أثناء جولتها في المناطق المتضررة طفت الخلافات مجدداً على السطح بسبب أمور بروتوكولية تركزت حول من هو أعلى مرتبة رئيس الحكومة ''أودينجا''، أم ''كالونزو موسيوكا''، نائب الرئيس ''كيباكي'' وحليفه القديم· جيفري جيتليمان-كينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©