الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معايير البحث عن شقة

معايير البحث عن شقة
11 ابريل 2010 21:26
إذا وضعت نسبة مئوية للهموم التي مرّت في حياتي، فإنني سأمنح همّ البحث عن شقة 99 بالمئة. كنت على أعتاب الزواج ولا بد من تأجير شقة أو بالأحرى إيجادها ثم تأجيرها. وكانت المشكلة في المعايير التي عليّ اعتمادها في عملية البحث. لحسن الحظ في الأيام نفسها كنت أحضر دورة تدريبية تحدث فيها المحاضر عن معايير شراء سلعة ما، وضرب لنا مثلاً في الهواتف المتحركة. رسم المحاضر على اللوحة أعمدة بالطول والعرض ثم وضع في الخانات الطولية أنواع الهواتف المتحركة، ورصّ المعايير في الخانات العرضية. كان المحاضر يرسم ويدوّن وأنا أعدّ جدولاً طويلاً عريضاً محدداً معايير الشقة. أخذت الجدول وانطلقت إلى البنايات الجديدة في دبي والشارقة. أدخل البناية وأبدأ في منح الدرجات من عشرة بالاعتماد على المعايير التي تضمنت الآتي: أمنح 5 درجات إذا كانت الشقة في الشارقة، حيث يسكن أهلي، و5 إذا كانت في بر دبي، حيث أعمل ويسكن أهل زوجتي، و10 درجات كاملة إذا كانت الشقة في ديرة، فهي منطقة وسط بين أهلي وأهل زوجتي ومقر عملي. و10 درجات كاملة إذا كان الطريق من مقر عملي إلى البناية سالكاً، و5 إذا كان مزدحماً، وصفر إذا كان الازدحام شديداً. وأعطي 10 درجات إذا كان الطريق إلى البناية معبداً، و8 درجات إذا كان صخرياً، و6 درجات للطريق الترابي، و4 درجات للطريق الذي يثير الغبار، ودرجتين للطريق الموحل، وصفر إذا لم يكن هناك طريق، ولا أعرف الآن كيف خطرت ببالي فكرة أن هناك بناية ليس لها طريق يؤدي إليها، فحتى المريخ له طريق يؤدي إليه. وهكذا للمسافة بين العمل والبناية، والمسافة إلى منزل الأهل، والجو العام، وشكل البناية وعمرها، والإزعاج، وتوافر المواقف، ووجود الاستقبال من عدمه، وتوفر التكييف في الممرات والمصاعد، كأنني سأعيش في الممر، وعدد المصاعد ووجود محلات قريبة من عدمه. و10 درجات للشقة التي بها شرفة، وصفر للشقة التي لا يتوفر بها، بل هناك معيار الشعور في أثناء التواجد في الشرفة، فإذا كانت المتعة رائعة حصلت الشقة على 10، وإذا كانت متعة عادية حصلت على 7، وإذا كانت بلا شعور محدد حصلت على 3، وإذا كان الشعور محبطاً لا تستحق سوى صفر. ثم هناك سعة الصالة، وعدد الغرف والحمامات وأرضية الشقة ولونها وجودتها ومصابيحها وحجم نوافذها وطريقة فتحها، فالتي تفتح من الجوانب لها 10 درجات، والتي تفتح من الأسفل لها صفر. وهناك درجات لهوية سكّان البناية والروائح المتوقعة من شققهم ووجود اللاقط الهوائي من عدمه وعدد القنوات ونوعية التكييف في الشقة. وبعد كل هذه التفاصيل الهامشية تأتي قيمة الإيجار ومقدار القسط الواحد، وأخيراً خانة للملاحظات الأخرى. ولأن السعر هو جوهر القضية، فقد كان عليّ أن أضع لهذا المعيار الرئيسي 100 درجة، فيكون مجموع المعايير الـ30 هو 300 درجة، والسعر بمفرده 200 درجة، بمجموع كلي هو 500 درجة. عاينتُ 30 شقة تقريباً وأنا أمنح الدرجات وأتصبب عرقاً وزوجتي تنظر إليّ وتقول في نفسها: يبدو أنه مجنون، خصوصاً أنها كانت طالبة جامعية ولا تسمع شيئاً عن الحديث الذي لم يكن يتوقف في تلك الأيام بشأن معايير الجودة والتميّز. وكانت الشقق في الشارقة تحصل على أعلى الدرجات، لأنها تحصل على 100 درجة كاملة في معيار الإيجار، بينما شقق دبي تحصل في هذا المعيار صفر أو 10 في أحسن الأحوال. ولأنني كنت لا أرغب السكن في الشارقة مهما كان الثمن بعد سنوات من المعاناة على شارع الشارقة- دبي، فقد كنت أغش نفسي وأحاول بشتى الطرق منح شقق دبي درجات إضافية، لكن الـ100 درجة الإيجارية كانت تقضي على أحلامي. في غمرة البحث والجمع والطرح اتصل بي عديلي وكان على وشك الزواج مثلي، واقترح علي استئجار شقة بجانب الشقة التي استأجرها في منطقة القصيص بديرة. في اليوم التالي كان مفتاح الشقة في يدي وقائمة المعايير أمامي على الطاولة أضحك عليها. هلاوس بعض الدقة هناك حالة عامة من عدم الدقة تغمر المجتمع، وهي بالتأكيد، جزء من ثقافتنا، إلى درجة أن أية دعوة للدقة أو ضبط المصطلحات تُلاقى بسخرية أو ازدراء أو شك.. لابد أن من يطالب بهذا متحذلق أو مصاب بوسواس قهري أو مجنون. أعترف هنا أنني أتوتر جدًا بصدد عدم الدقة إلى درجة ترشحني بجدارة لأن أكون مريضاً بالعصاب. هناك مثلاً الطامة الكبرى: الإجابات غير ذات المعنى. أسأل صديقي في العمل إن كان سيتغيب يوم الثلاثاء أم الأربعاء فيجيب: نعم! أسأل زميلة العمل إن كانت تفضل اللون الأحمر أم الأزرق فتقول في ثقة: بالتأكيد! هنا يجن جنوني وأقول في صبر إنني أخيرها بين (أ) و(ب) فلا يمكن أن تكون الإجابة (نعم). قالت لي زميلة العمل إن الإجابة تندفع إلى لسانها قبل أن أكمل سؤالي، لهذا فإن (نعم) هذه معناها (الأحمر).. الخيار الأول .. هذا أمر واضح لكل طفل ومن الغريب أنك لم تفهم هذا! ليكن.. أنا عجول ضيق الخلق لهذا لم أفهم هذه القاعدة البسيطة. نأتي للخطأ الثاني: صديقي يقول لي في ثقة إنه سيقابلني يوم الأربعاء بعد صلاة العشاء! أقول له في صبر إن هذا يجعل وقت لقائنا أي وقت بين صلاة العشاء وصلاة الفجر! ينظر لي في عدم فهم ويقول: ـ»يا أخي بعد صلاة العشاء.. معنى هذا أنه بعدها مباشرة». ـ»وما معنى مباشرة بالنسبة لك؟ هل هو ساعة؟.. ساعتان»؟ ينظر لي كأنني مجنون ويغير الموضوع. بينما لو قال لي (بعد صلاة العشاء بنصف ساعة) أو (الثامنة مساء) لأراح واستراح. كل هذا محتمل لكن دع زوجتي تشرح لي طريقة إعداد الأرز، لأنها لن تجد وقتاً كافيًا لإعداد الغداء اليوم. هنا يبرز سؤال كوني جدير بفلاسفة الإغريق: ما مقدار الماء الذي نضعه على الأرز؟ تقول زوجتي: «غط الأرز بالماء»..! هنا أشرح لها في صبر أن تغطية الأرز بقطرات ماء أو تغطيته بكوبين من الماء أو وضعه في قاع المحيط، كل هذا يندرج تحت قائمة (تغطية الأرز بالماء). أريد الدقة.. هل يكون مستوى الماء على ارتفاع نصف سنتيمتر عن سطح الأرز، أم سنتيمتر كامل؟ تنظر لي كأنني مجنون ثم تقول في صبر: ـ»غط الأرز بالماء»! وأنت تعرف كما أعرف أن الأرز كائن شيطاني مراوغ يحب أن يتحول إلى عجين، وينتهز أية فرصة ممكنة لذلك. النتيجة أنك تحصل على أرز نيئ يهشم أسنانك أو تظفر به قطعة واحدة صمغية مقززة.. لكن أعقد من هذا هو السؤال المصيري: ما مقدار الملح الذي نضعه على الأرز؟ تقول زوجتي في ثقة: ـ»ضع قليلاً من الملح»! هنا أسألها في حذر: كم يبلغ القليل من الملح؟.. ذرتين؟.. ملعقة صغيرة؟.. ملعقة كبيرة؟.. قبضة؟.. هل أسكب عليه ست عبوات من البقال؟.. هنا تقول زوجتي وهي تتأهب للانصراف: ـ«القليل من الملح.. تذكر»!... ليكن.. كل هذا محتمل ومفهوم. لكن خذ عندك اجتماع مجلس الإدارة عندما أطرح اقتراحاً وأدعو للتصويت عليه.. زميلي جالس جواري وأعرف أنه سيؤيد اقتراحي بالتأكيد. يرفع المعترضون أيديهم فيكون عددهم نصف الجالسين. يرفع المؤيدون أيديهم هنا أفاجأ بأن زميلي لم يرفع يده.. وهكذا يُرفض اقتراحي . أسأله في غيظ لماذا لم يرفع يده؟.. فيقول في هدوء: ـ«أنا مع الأغلبية»! وما هي الأغلبية؟.. وكيف تتشكل إن لم تصنعها أنت؟ وما هي فكرتك عن الأغلبية إذن؟.. صديقي هذا ممن يرون أن (نعم) إجابة مناسبة للسؤال (ا) أم (ب).. ولابد أنه ممن يقابلون أصدقاءهم بعد صلاة العشاء، ولابد أنه يغطي الأرز بالماء، ويضع عليه القليل من الملح. هل أنا مجنون والحياة أسهل من هذا، أم أننا شعب يفتقر إلى الدقة بدرجة لا توصف؟.. أتوقع أن تساعدني في الإجابة، لكن أرجو ألا تجيب عن هذا السؤال بـ (نعم)! د. أحمد خالد توفيق من دفاتر النسيان (1) من عائلة مظلومة بالفقر ولدت انا، كانت مدينة الملاهي الوحيدة، لي ولأولاد الحارة، مزبلة طنوس، التي تتوسط حارتنا مثل راية مهزومة في أعلى التل. كنت هامشياً كوزير في حكم ديكتاتوري... كنت لا شيء. اليوم، اتصفح ما تبقى من ظلال على صفحة الذاكرة، حيث ينتابني بعض الغرور والزهو المزيف... انا الولد «المشرتح» الذي كان يشار اليه بالشقلوب. الآن يشار اليه بالبنان أحيانا، وبأصابع أخرى طورا، طبعا لست شهيرا مثل الكوكاكولا، لكني معروف قليلا دون أن أكون نتنياهو، ولا مطربا رداحا، ولا مجنون القرية، أو لاعب كرة قدم. على شاشة الذاكرة...تمر مريم أم خنانة تلك الطفلة التي لم تكن تتورع عن أكل الصراصير، وها هي اليوم تجعص في أحسن موديلات الملابس، وتعتلي سيارة حديثة ربما تغيرها كل سنة ع الموديل. أرى نفسي وانا أحاول أن أصنع من الحجارة الأثرية المكعبة التي وجدتها في ساحة البيت.. أن أصنع فسيفساء وادفنها في الساحة، لأتركها إرثاً للأجيال القادمة. ?هذا التطور الذي وصلنا اليه، انا ومريم والحارة، لا أعرف كيف حصلنا عليه دون أن تتطور زراعتنا ولا صناعتنا ولا سياحتنا، وما زلنا على الحديدة بمقاييس الانتاج القومي. لم يتطور شيء منذ كنا نلعب على المزابل ونعيش على قثاء الأرض وأرجل الدجاج، ليس الافخاذ، وعلى العدس المجروش والحب والمجدرة السمراء والمجدرة الحمراء والمجدرة بالرز. ?كل ما في الأمر اننا بعنا انفسنا لغول الاستهلاك مقابل تلفزيون وفيديــــــو وستالايت وهمبـــرغر وزجاجة مشروب غازي بالحجم العائلي. يا للخسارة لم يعد الأولاد يلعبون على المزابل. (2) مبروك...لقد تم حل معضلة البيضة والدجاجة ومن منهما أسبق على الوجود، حيث أكد البروفيسور جون بروكفيلد من جامعة نوتنجهام أن المكونات الوراثية لا تتطور خلال حياة الكائن، وبالتالي أن أول طير أصبح دجاجة وجد في البدء كجنين داخل البيضة. على رقبتي ما فهمت «أشي مثلكم»، إذ انطلق من فرضية ليثبت ما يعتبره مسلمة، وهذا خلل منطقي واضح، لكني سأفترض أن البروفيسور المذكور قد حل إشكالا تاريخياً عميقاً ترك ندوباً ونتوءات متعددة الأحجام والأشكال والأنواع في التاريخ البشري . مثلا ... هل كان يمكن للقسطنطينية أن تصمد أكثر أمام العثمانيين بقيادة محمد الفاتح، لو أن قادة الرأي آنذاك تركوا الجدل البيزنطي المعروف في الخلاف حول جنس الملائكة وموضوع البيضة والدجاجة، وتفرغوا لوضع الخطط الكفيلة بالدفاع عن المدينة؟ قبل ذلك ... ترى لو لم يختلف المسلمون في معركة صفين وانحازوا لجوهر مصلحة الدولة الناشئة بدل أن ينقسموا على موضوع أحقية الدجاجة على البيضة أم البيضة على الدجاجة.... هل كانت الأمبرطورية العربية تبنى على أسس أكثر متانة وتستمر حتى الآن؟ بالمحصلة، العالم يحاول حل المشاكل والمسائل العالقة، ونحن نختلق من كل مسألة محلولة ملايين المسائل العالقة التي تحتاج إلى مليار بروفيسور متفرع للنظر في معاضلنا المخترعة. يحكى أن دجاجة (تناقرت) مع زميلتها، فقالت لها: - أصلا أنا أحسن منك لأنه بيضتي أكبر وبتنباع بست قروش وبيضتك بشلن!! فقالت الدجاجة الأخرى: -ليش أنا هبلا مثلك .... حتى أشق حالي عشان قرش زيادة.. لاحظوا حتى الدجاجة اذكى منا، ولا تدخل نفسها في هيك نقاشات لا معنى لها، ما دام الفارق المادي أو المعنوي ليس لها أصل ولا تستفيد منه، لا بل يمكن استخدامه لشراء سكين جديدة لذبحها حلالا زلالا على السنة. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©