الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبداعات الجابري تسابق الخيال لتطارد الواقع

إبداعات الجابري تسابق الخيال لتطارد الواقع
11 ابريل 2010 21:15
شدّه الخيال بعيداً، عانق السماء وطاول النجوم بحثاً عن خفايا عالم لم يتشكل بعد لكن، الغرائبية سبيله للحقيقة، لامسها من خلال القلم ركب صهوته وسابق الكبار في سبر غور الكتابة، نسج ابتسامة الموتى والحياة الثانية والرحالة ورسم قصصاً مصورة كاريكاتيرية للكبار عبر رحلة خيالية، يحرك الشخوص ويحرض المتلقي ويشدّه لعالم فسيح يحمل الكثير من الغموض، وتظل عصية مراودته، يروم تبليغ رسالة من خلال ما يخطّه كتابةً ورسماً، فتوجه لرسم قصص مصورة غير مباشرة أحياناً، وفي أحيان كثيرة تأتي رسائل مباشرة إصلاحية في قالب تهكمي، إنه المهندس الكاتب خالد الجابري الذي يحمل رؤية مختلفة عن كثير من الآخرين، يحلم بخلق صالون أدبي يشرّح كتاباته وينتقدها ويوجهها التوجيه الصحيح ويرفض المجاملة الصحفية لأعماله، لأنها ستتركه يراوح في مكانه سنوات طوالاً ولن يغير ذلك من واقع كتاباته شيئاً ولن يعمل على تطويره وصقل مهاراته. في السطور التالية تكتشفون عوالم خالد الجابري ودواخله الإنسانية وتكوينه الثقافي وهواجسه المستقبلية حيث يقول: درست في جامعة الإمارات تخصص ميكانيك فتخرجت فيها مهندساً ميكانيكياً، كانت لدي ميول علمية ولم أستطع التخلص من قبضة الميول الأدبية التي كانت تشدني لها دائماً، وأذكر أن والدي هو من أذكى فتيل الكلمات في صدري وأشعل حبها في قلبي، حيث لم أستطع التخلص من قبضتها طوال السنوات بل أزيد عشقاً، وكانت مدرستي الأولى “مجلة ماجد” وكان والدي وهو يحفزني بطريقة ذكية من أجل القراءة فيأتي لي بكتاب ويقول أتحداك لو قرأته وفسرته لي، وكنت أفعل ذلك متحدياً استفزازه، وبذلك نجح بتوجيهي بشكل غير مباشر، وهكذا رماني في حضن الكلمة فعشقتها وتعلقت بها، ونمت وسط كتبي المبعثرة بحيث لا أملك مكتبة إلى اليوم. ويضيف الجابري: لم أكن أبحث عن شيء ما، كالأسلوب أو طريقة الكتابة، فقط كنت أشبع نهمي ورغبتي الكبيرة في معانقة الكتب، ولكن في يوم وجدت نفسي أخط بعض السطور، ولا أدري لماذا يأخذني الخيال بعيداً، بحيث أعشق الكتابة في مجال الخيال وعوالمه الغرائبية، وقد كنت بدأت كتابة بعض القصص الخيالية الصغيرة وأنا بالصف الخامس، وكانت ما يقارب ثماني قصص ولكن توقفت عن إنهائها، ثم رجعت لها بعد عمر طويل أكتبها من جديد وأطورها، وعندما لامستها مرة أخرى قرأتها بدهشة وأعدت اكتشاف نفسي من جديد، ولم يدهشني الفرق فقط في الزمن، بل حتى في التكوين ورؤية الأشياء، بحيث بعد فترة طويلة من القراءة ومن خلال التراكم المعرفي اكتشفت نفسي وميولي وبدأت. ابتسامة الموتى يتحدث خالد الجابري عن أول مواليده الأدبية “ابتسامة الموتى” ويقول: لم يكن عنوان هذه المجموعة القصصية إلا عنواناً ذكياً يجلب القارئ ويستفزه ليقارب المجموعة، ويكتشف ما وراء ابتسامة الموتى، وما العنوان إلا لحظة داخل القصة، وتحمل المجموعة سبع عشرة قصة قصيرة كلها من الخيال العلمي، كما تحمل نوعاً من الفلسفة الداخلية لفهم العالم الممتد حولنا، والتطلع لفهم عوالم الكون المستمد، أحب التنويع، أميل للخيال العلمي، وربما تحمل القصص لمحات تخيلية، وأعتبر أن الأسلوب صانع القصة، والهدف هو وضع القارئ في جو القصة. مستوى القراءة لا يشجع يضيف الجابري: لا أعتبر نفسي ناجحاً إلا إذا استطعت إقناع المتلقي بتعلقه بأخيلتي، وشده إلى ما أحيكه من قصص، وقد أقصر مرات في الجانب الحسي والمشاعري في إحدى القصص، بحيث أخبرني أحدهم مرة أن قصتي غامضة، وهذا ينير لي الطريق ويجعلني أتفاعل مع الناس، وأحب من يقرأ لي ويعطيني بعض التلميحات فيخلق نوعاً من التفاعل وهذا يسعدني، بحيث إذا قرأ مثلا عشر قصص وقدم لي عشر نصائح أو توجيهات أو تساؤلات فأكيد أنني سأتتطور في المرحلة المقبلة، أما مستوى القراءة فإنه محبط جداً، بحيث أطرح بعض القصص ولا أجد قراءً كثراً، وهذا يخلق نوعاً من الإحباط، ولا يشجع على طبع كتبي وقصصي وروايتي على نفقتي الخاصة، إذ لن يكون هناك مردود أو حتى تحصيل مبالغ لسد النفقات، وهكذا فإنني أتلقى دعماً من هيئة أبوظبي للثقافة في إطار دعم الشباب المبدع، ولذلك أبني اليوم شخصيتي الكتابية، وإذا وصلت إلى مستوى آخر من الإبداع وإلى مرحلة معينة فإنني سأطبع إبداعاتي على نفقتي الخاصة، شاركت في معرض الكتاب مرتين، وما زلت أبحث عن منافذ أخرى للترويج لكتبي. سر الحياة الثانية أما المجموعة القصصية الثانية التي ألفها خالد الجابري فهي “الحياة الثانية”، يتحدث عنها ويقول: هذه المجموعة هي حصيلة تنبهي لبعض الجزئيات المتناهية الدقة في الكون، فمن مقاربتي لعالم الخيال من خلال الإنترنت توصلت إلى فكرة موضوع يتحدث عن الحياة الثانية، وهو عالم افتراضي، عاش فيه البطل حياة حب وعشق وأسس حياة خاصة كما يحلو له من خلال هذا العالم الافتراضي، وعاش تجربة كاملة وتقمص الشخصية، والمشكلة أن هذا التخيل ينتهي بكبسة زر، هذا البرنامج ألهمني لكتابة الحياة الثانية، وهي تجربة جديدة، وأول مرة أكتب هذا النوع من القصص. الرحالة تعتبر الرحالة أول رواية في عالم خالد الجابري الإبداعي، وهي أيضاً لم تتنصل من العالم الأخيلة الذي يدخله دائما الكاتب، ويسبح فيه باحثا عن خيالات نفسه بفلسفته الخاصة هذا ما يتحدث عنه الجابري، فيقول: الخيال العلمي في هذه الرواية مختلف تماما، فالرواية عبارة عن مركبة فضائية بداخلها رجل عربي وما يحيطه كله عربي، وهو رجل في الرواية لا يعرف من أين جاء ولا أين يذهب، وكأنه طرد من أيام الخلفاء الراشدين، وهو تائه وليس له هدف من الترحال، وهو رجل يحمل من القيم والمبادئ والأخلاق الشيء الكثير. على الرغم من هذه الحمولة الأخلاقية والقيم العالية التي ميز بها البطل، إلا أن الجابري وضعه في التيه والضياع، وهذا لم يفطن له الكاتب حيث قال عن ذلك: إن أحداث الرواية تدور فيها التناقضات بين أبطالها، الأول كان هدفه مجهولاً ويحمل الكثير من القيم والمبادئ، والثاني متمرد لا مبادئ له، أما بالنسبة للرسالة التي تحملها الرواية فتركتها مفتوحة، وكل قارئ يفسرها من خلال المنظور الذي رآها به، أما بالنسبة لكون تصوير البطل العربي فيها على أنه تائه وضائع ولا يعرف طريقه، فهذا لم يخطر على بالي سابقاً إلا من خلال السؤال. سخرية من الشخصية لم يسلك الكاتب خالد الجابري خط الكلمة ومقاربة الخيال بفلسفته الخاصة، ولكن اعتمد رسم الشخوص ونسج قصصاً مصورة للكبار بغرض الإصلاح وتقويم بعض الاختلالات في المجتمع، وعن هذا يقول: رسمت الكاريكاتير لمدة تفوق سبع سنوات، وتعاملت مع كثير من الجرائد المحلية والجهات الحكومية، في البداية كان رسماً عادياً، وفي المرحلة الجامعية، نقلت المشاكل التي نعاني منها وانتقدتها، بل وكتبتها عن طريق الكاريكاتير وعلقتها في المطعم والسكن الجامعي، وكانت تثير ضحكات الطلاب، وبعد ذلك بدأت أدخل في مسابقات الجامعة ففزت بعدة جوائز في إطار القصة القصيرة، ولم يسبق أن دخلت المسابقة بالكاريكاتير، وفزت بجائزة نظمتها جمعية أم المؤمنين بالمركز الأول كانت تحت عنوان “ولامست كف النجوم”. تجربة القصص المصورة تجربة جديدة بالنسبة لي، وهي ليست قصصاً موجهة للصغار وإنما للكبار فهي تحمل مواقف، والهدف منها الإصلاح، أما بالنسبة للصعوبات التي تعترضني فهي السيناريو وصعوبة إيجاد الفكرة، وعند الإمساك بخيوط الفكرة وإحكام القبضة على السيناريو فحتماً القصة المصورة ستنجح. أما عن الفرق بين القصص المكتوبة والمصورة فيقول الجابري: الفروقات كبيرة وكل واحدة تعبر عن ذاتها، القصص المصورة عالم مختلف، فالقصة القصيرة بها نوع من الفلسفة والرؤية الخاصة والجانب المشاعري، أما المصورة فهدفها واضح ومعين وتهدف الإصلاح المباشر، والهدف منها هو عرض السلبيات، ونروم بذلك تقويم بعض الاعوجاجات المجتمعية، وهي تؤثر بشكل أكبر في نفسية المتلقي، وليس هناك مطلق الوصول للحقيقة، ولكن أحاول ملامسة ما لا أجد فيه كتابة. مجنون الإبداع إذا كانت الحالة النفسية تلعب دوراً كبيراً في إنجاح بعض الكتابات وتختلف من شخص إلى آخر، فإن خالد الجابري يقول عن جنون إبداعه: إن أجمل نوع من الجنون هو جنون الإبداع، ولو لم يكن جنوناً لن يكون إبداعاً، وعن الوقت الذي يزوره فيه مجنون الإبداع يقول الجابري: مجنوني ليس له وقت معين، مرات وأنا أجالس العائلة فيخجلني، بحيث لا أستطيع الإمساك بالقلم وخط ما يوشوش إلي به المجنون، وأخاف أن تنفلت كلماته من بين يدي، ومرات وأنا في سريري، يعتركني في الأوقات الحرجة غالباً، ومرات يقودني لأقف وسط الكون الفسيح، تحتي الأرض وفوقي السماء والنجوم فأدرك صغر هامتي وأقدر أن الإنسان مهما كبر سيظل صغيراً جداً أمام قدرة الخالق في ملكوته، وامتداداته المتسعة إلى ما لا نهاية، وهكذا فمجنوني أسعد بلقائه دائماً، وهو ليست له أوقات محددة يقتحمني في كل حين. أتمنى أن أجد من ينتقدني بالنسبة لأمانيه المرتبطة بالكتابة والإبداع الممتدة في المستقبل، يقول خالد الجابري: أبحث دائماً عن الأفضل، وأتوق لخلق نقاش في إطار الإبداع لخلق نوع من التفاعل والنقاش، لأنه كلما كان هناك نقاش كلما تبين أن هناك قراءً كثراً، وهذا أسمى ما يصبو له أي كاتب أو أي مبدع بشكل عام، ومن أغلى أمنياتي أن أصل لمستوى أرضي به عن نفسي وعما أقدم، وأقصى ما أتمناه أن يكون هناك صالون أدبي تناقش فيه الأعمال الأدبية، بل يشرح كتابات كل كاتب حتى نقف على حقيقة أفكارنا وأسلوبنا، يكون هناك نقد بناء، حتى نصل إلى مرحلة راقية من الكتابة، أما نقد المجاملات فهذا لا أحبذه أبداً لأن الكاتب بذلك سيظل مكانه ولا يبارح موقعه، ونقد المجاملات لا يغير شيئاً أبداً.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©