الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة دارفور··· والشراكة الصينية

أزمة دارفور··· والشراكة الصينية
7 مايو 2008 02:24
لن نستطيع دفع الصين إلى الشعور بالعار والخزي وإقناعها بالتعاون مع الغرب في دارفور، ذلك أن ما نقوم به في هذا السياق مثل نعت الألعاب الأولمبية بـ''أولمبياد الإبادة الجماعية'' وما شابه، هو مجرد مضيعة للوقت يدفع ثمنها الأبرياء، ومع ذلك تفضل وسائل الإعلام أسلوب التهريج المسرحي والتركيز على المظاهرات التي تنظم في الشوارع، وكأن الحفلات والاستعراضات التلفزيونية قادرة على التأثير وتغيير المصالح الجيوسياسية للدول، والحقيقة أن دعم بكين لحكومة الخرطوم لن يتراجع من خلال الضغوط الغربية، بل من دون إشراك الصين على نحو بناء فإن أي تقدم للتخفيف من معاناة سكان ''دارفور'' سيبقى بعيد المنال، فقد بات معروفاً أن النظام في الخرطوم يحرض ميليشيات ''الجنجويد'' على التدخل العنيف في دارفور بشكل يقترب أحياناً من الإبادة الجماعية، لكن من المهم أيضا أن نفهم من أين يأتي الدعم للنظام وكيف تصله الأموال· لن يطول بنا البحث عن الممول، إذ تكفي نظرة سريعة لنكتشف أن الصين باحتياجاتها المتنامية للطاقة، وما تمثله دارفور في هذا الإطار من قيمة استراتيجية مهمة لما تختزنه أراضيها من ثروات نفطية ضرورية للاقتصاد الصيني، هي من تقف وراء الخرطوم وتستميت في الدفاع عنها ضد الضغوط الغربية، ولنفترض أن الصين تملك حق استغلال أكبر حقل للنفط في دارفور، فلا شك أن العائدات تصب مباشرة في جيب النظام الذي يحولها بدوره إلى سلاح، وتمويل لقتل المزيد من سكان الإقليم وتشريدهم، ولعل ذلك هو سبب الابتسامة التي ارتسمت على وجه وزير الطاقة السوداني ''عواد الجاز''، وفي ظل هذا الوضع، حيث تستثمر الصين المليارات من الدولارات في عمليات التنقيب والإنتاج ومد خطوط الأنابيب وإقامة مصانع الأسلحة والذخيرة، يبدو من غير المجدي بالنسبة للغرب أن يستمر في ضغوطه الحالية· يضاف إلى ذلك أن حق الفيتو الذي تتمتع به الصين في مجلس الأمن الدولي يعيق أي عقوبات اقتصادية، أو حصار على الأسلحة يفرضها المجلس على الخرطوم، ناهيك عن استحالة الترخيص بتدخل عسكري في هذا الإطار، وبالطبع سيكون فرض منطقــة حظر الطيران فوق الإقليم بمثابة احتـــلال ما دام تأمين ممر للاجئين سيتطلب النزول إلى الأرض ونشر قوات مسلحة، والأكثر من ذلـــك أن أي صراع جديد في المنطقـــة مع الخرطوم سيخلق استقطابـاً غير مرغوب بين المسلمين والصين من جهة، والقوى الغربية من جهة أخرى، ما سيصعد الأزمة من دون معالجة الدوافع الحقيقية التي تحرك الصين· الواقع أن انزلاق دارفور إلى أزمتها الحالية في سياق التوتر الأمني واستمرار أعمال العنف والتجاوزات التي يعاني منها سكان الإقليم، ما كان لها أن تتفاقم أصلا وتصل إلى هذا الحد من الخطورة لو لم يفشل الغرب في التعاون مع الصين وتفهم مصالحها في المنطقة ودفعها إلى إقناع الخرطوم والمتمردين للجلوس إلى طاولة الحوار، أما المحاولات الجارية حاليا للتوصل إلى حل سياسي مع النظام السوداني، فقد أصبحت غير مجدية ليبقى الحل الوحيد لتجنب أزمة إنسانية في دارفور هو التعامل مباشرة مع الصين وتفهم مصالحها الاستراتيجية والسياسية في الإقليم· وفي هذا الإطار يتعين على الغرب خلق سياق يمكن فيه للصين أن تحافظ على مصالحها وتخدمها بشكل أفضل إن هي دعمت سيادة القانون في دارفور، ففي الوقت الراهن تتولى الصين المهام الأمنية في دارفور بنفسها، حيث إن الآلاف من العمال الصينيين في حقول النفط هم جنود في الجيش الصيني يتولون الدفاع عن المنشآت النفطية في حال هجوم المتمردين، أو سقوط النظام في الخرطوم، ولإشراك الصين في تطويق الأزمة الإنسانية في دارفور، لا بد أولا من أن ترى مصلحتها في استتباب الأمن في عموم السودان وعدم تعرض مصالحها النفطية للخطر، وبدلا من أسلوب التشهير والإحراج وفرض العقوبات والتلويح بالتهديدات، أو التدخل العسكري المباشر -الذي يمكن للصين أن تفسره على أنه تحدٍ لمصالحها- يتعين أن نركز أكثر على الجهود الدبلوماسية والاقتصادية، والعمل جنباً إلى جنب مع الصين بطريقة بناءة تبعد مشاعر الشك والارتياب· إن الحديث عن إشراك الصين في حل أزمة دارفور ينطلق من تجارب سابقة أثبتت نجاعة هذا الأسلوب في التعامل مع التطلعات النووية لكوريا الشمالية، ففي العام 2006 دفعت الولايات المتحدة في اتجاه توسيع حق التصويت في صندوق النقد الدولي ليشمل الصين نظراً لوزنها الاقتصادي المهم على الساحة العالمية، هذه الخطوة الأميركية وضعها وزير المالية الأميركي بكل أدب مقابل ما عبر عنه ''بالأمل'' في أن تقوم الصين بتعويم عملتها المنخفضة على نحو مضر بالاقتصاديات العالمية، فما كان من الصين إلا أن استجابت فعلا للمطالب الأميركية وقامت فعلا بتعويم عملتها، والأكثر من ذلك أن إدماج الصين في صندوق النقد الدولي من خلال منحها حق التصويت على القرارات المهمة دفعهـــا أيضا إلى الضغط على كوريا الشمالية وخفض المساعــدات المالية التي كانــت تقدمهـــا للنظـــام، وهو مــا عجــل بالتوصــل إلى اتفـــاق· وإذا كانت إدارة الرئيس ''بوش'' تبحث فعلا عن حل لقضية دارفور والتخفيف من معاناة الأهالي، فلا بد من إشراك الصين ومنحها الحوافز الضرورية التي تطمئنها على مصالحها النفطية، لكن في نفس الوقت تدفعها للضغط على الخرطوم· مارك لانج صحافي أميركي وكاتب سابق للخطب الرئاسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©