الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرقم خطأ

الرقم خطأ
6 مارس 2014 22:46
جهاز التلفاز ممنوع من دخول البيت، كان رجساً من عمل الشيطان، وبعد السماح بشراء تلفاز كانت البرامج محددة والقنوات إما دينية أو ثقافية ولا يجوز التغيير، المسلسلات والأفلام من المحرمات، الخروج بإذن مسبق ومسبب ومع أحد أفراد الأسرة، زيارات الأغراب محظورة، وزيارات الأقارب، للنساء مكان وللرجال مكان، التحركات مقصورة بين المنزل والمدرسة والعكس، الأم أكثر تشدداً من الأب في التربية. ثوابت في التربية هكذا كانت نشأتي أنا وأخواتي وأنا أكبرهن، لم أكن أذكر ذلك من قبيل الشكوى ولا التذمر، ولم أكن يوماً رافضة لهذا الأسلوب، لأنني أدرك تماماً أن ذلك من قبيل الخوف على سمعتنا والحرص على مستقبلنا، وقد كنا نرى ذلك في عيون الناس من حولنا يحترموننا ويثنون على تصرفاتنا وعلى التربية والأخلاق التي نتمتع بها، وهذا كان يسعدنا فنزداد تمسكاً بما اعتدنا وقد أصبح من الثوابت لدينا، عرفنا كيف نتصرف عند كل موقف وكل حالة، ولا ينقصنا رضا أبينا وأمنا عن حسن سلوكنا. أنهيت الدراسة وحصلت على مؤهل عال وقبعت في البيت، أساعد أمي في التنظيف والطهو وغسل الملابس، وعندما مللت تلك الرتابة اقترحت على أبي أن أكمل دراستي العليا، فمن ناحية أستفيد من وقت الفراغ ومن ناحية ثانية أتخلص من الملل، خاصة أن الدراسات العليا لا تحتاج إلى وقت مثل الدراسة الجامعية، وكنت أتوقع أن يرفض أبي وقدمت طلبي وأنا أعرف مسبقاً أنه قد يسبب لي مشكلة قد تصل إلى حد أن يغضب، ولكن على العكس وجدت قبولاً وترحيباً، فقد وافق أبي وأمي على ذلك ومن جانبي سعدت بذلك لأنني وجدت فيه متنفسا وتجديدا. عدت يوما لأجد امرأة غريبة في بيتنا، ألقيت عليها وعلى أمي السلام فكان ردها مشفوعا بقولها: «أهلا بالعروس الجميلة»، أخذت الجملة على محمل الكلام العادي، ولكنها طلبت أن أجلس بجوارها ففعلت حتى أنقذتني أمي وهي تطلب مني أن أعد مشروبا للضيفة، وفعلت وتركتهما ثم فهمت بعد أن غادرت أنها جاءت لتخطبني لابنها المسافر في الخارج، وقد وافق أبي وأمي وفي انتظار رأيي، لم تكن لي أي تجربة ولا أي علاقة مع أي شاب من أي نوع طوال حياتي، لأنني تأثرت بأسلوب التربية الذي اعتدته، وأرى أن من الطبيعي أن تكون حياتي الزوجية بشكل روتيني قديم ومع ذلك وللحقيقة كانت مفاجأة لي أن تتم خطبتي، وكذلك استغربت أن أتزوج بهذه الطريقة، وتساءلت: وكيف يمكن أن أتزوج بطريقة غير ذلك. زواج تقليدي بعد أيام جاؤوني بصورة العريس، لم تكن لي عليها ملاحظات، وقد تكون مخالفة للواقع لكن ليس كثيرا، المهم أن الشكل العام ليس مرفوضا، فأبديت موافقة مبدئية مشروطة باللقاء المباشر ووافق الجميع على ذلك باعتبار أن ذلك حق لكل منا، وانتظرنا نحو ثلاثة أشهر حتى جاء في إجازة خاصة لهذا الغرض لم تستغرق سوى عدة أيام التقينا خلالها مرتين أو ثلاثا داخل البيت، كان الحوار بيننا عاديا وعاما، ظهر خلاله هادئا قليل الكلام، فلم يكن بيننا نقاش موسع ولا معرفة بشخصيتينا، وتحدثنا في ظروفه العامة وعمله ليس أكثر، وفي النهاية تمت الموافقة من الطرفين وتم إعلان الخطبة رسمياً وقراءة الفاتحة على أن يكون أبوه وكيلاً عنه فيما هو آت من اتفاقات وترتيبات. على مدار ستة أشهر تم إنجاز وإنهاء الأوراق الخاصة بي وعقد القران في غياب الزوج، ووجودي نفسه كان هامشيا اقتصر على التوقيع على وثيقة الزواج، ولم تتم إقامة حفل للزفاف وكان هذا هو الحد الأدنى لأمنياتي، وودعوني إليه وحيدة في رحلة إلى المجهول في بلاد غريبة لا أعرف فيها أحدا، وحتى زوجي مازال غريباً عني ولم يحدث أي تقارب مسبق، كنت خائفة بشدة، أحاول أن أطمئن نفسي بأنه ليس حفل العرس هو المهم في الزفاف وليست المعرفة المسبقة شرطاً لنجاح العلاقة الزوجية، والمهم هو التفاهم والسعادة وهذا ليس صعباً، كان هذا هو المسيطر على تفكيري في المطار وفي الطائرة، تلعب الهواجس برأسي ويسيطر عليّ الخوف، حتى وصلت إلى البلد الذي يقيم فيه وكان في استقبالي ولم أشعر بتغير في أحوالي بل ربما ازدادت مخاوفي، فقد كان جامدا في تصرفاته بلا مشاعر أو حرارة، كما لو كنا متزوجين من سنين وأنني عائدة إليه بعد إجازة قصيرة، وهذا ما جعلني أشعر بالقلق أكثر. الصدمة الأولى طوال الطريق لم تتغير ملامح وجهه ولاذ بالصمت، كان من الطبيعي أن يرحب بي مثلا وأن يسألني عن أحوالي السابقة وعن رحلتي في السفر أو أي موضوعات أخرى، لكنه لم يفعل، وكان مشغولا بالحديث مع السائق عن أحوال الجو وعن حوادث الطرق وموضوعات أخرى، وهو جالس بجواره، بينما أجلس وحدي في المقعد الخلفي كأنني غريبة عنه تماما، وقد اختلقت له عذرا بأنه ربما لا يريد أن يتحدث معي أمام شخص غريب، ولا يضيرني أن أنتظر دقائق قليلة، وسنصل إلى بيتنا ونمل من الكلام معا ووحدنا. كانت الصدمة الأولى في منزل الزوجية، الأثاث والمفروشات قديمة والشقة صغيرة ومتسخة، لم يكلف خاطره بتنظيفها ولا بتغيير بعض الأثاث الذي لا يصلح لحياة الآدميين، كان الاستقبال سيئا وبدأت حياتي الزوجية بتنظيف كل شيء في الشقة، بينما جلس هو يقرأ صحيفة قديمة ويشاهد التلفاز، أكثر من ثلاث ساعات وأنا أعمل بشكل متواصل ولم يكلف خاطره بأن يساعدني أو يلقي عليّ نظرة، كنت مثل خادمة جاء بها لأعمال النظافة، شعرت بالتعب الشديد والإعياء والجوع ولم يكن في الثلاجة غير قطعة جبن صغيرة وبعض الخبز الجاف، اعتقدت طبعا أنه سيدعوني على غداء في أحد المطاعم ونقوم بجولة في المدينة، أو على الأقل يتصل هاتفيا ليطلب لنا وجبتين، لكنه لم يفعل شيئا من ذلك. اتصال من غريب قبيل أن أنتهي من المهمة الشاقة، جاءني اتصال على هاتفي، تطوع زوجي بأن يرد من تلقاء نفسه وخرج عن كل قواعد الذوق واللياقة، كان على الجانب الآخر متحدث غريب لا أعرفه، لكن زوجي المحترم أعطاني الهاتف فكان الرجل يسألني عن اسم شخص ما فقلت له «الرقم خطأ»، وأغلقت الخط ولم أزد على هاتين الكلمتين، وألقيت بالهاتف جانبا، فإذا به يفتح تحقيقا معي عن هذا المتصل ومن يكون وكيف عرفته ولماذا يهاتفني، سيل من الأسئلة المتلاحقة واحدا تلو الآخر لم يمنحني الفرصة للإجابة عن أي منها وهو يصرخ في وجهي، سالت دموعي قبل أن أرد عليه بهدوء وأنا في حالة يرثى لها، قلت: عليك أن تحسبها بالعقل، أنا هنا منذ سويعات ولا أعرف أحدا في هذا البلد إلا أنت فكيف يكون ذاك المتصل يقصدني أنا؟ فلم يقتنع، فسألته، ألم يأتك عشرات الاتصالات المماثلة، من قبل؟ لم يجب وكما لو كان يريد الهروب من الموقف توجه إلى النوم وتركني وحدي، تناولت لقيمات من الجبن ونمت في الصالة، وكان هذا هو يوم عرسي. لم يكف زوجي «المحترم» عن الحديث عن الاتصال الخاطئ الذي لم يتكرر بعد ذلك، يجدد أسئلته ولا يجد اختلافا في الأجوبة، صبرت لعله يتحسن، ويغير قناعاته ويصلح أفكاره، وأخيرا علمت بالحقائق المرة التي كان يجب أن أعرفها من قبل، إنه يكبرني بأكثر من عشر سنوات، ولم أكن أول تجربة خطبة له، وأنه كان قد عقد قرانه على فتاة وقبيل الزواج اكتشف أنها على علاقة بشاب آخر، فتم الانفصال بينهما قبل الزفاف، فأصيب بصدمة كبيرة، ثم مر بثلاث تجارب خطبة لم يكتمل أي منها بسبب شكوكه التي وصلت إلى أن تكون حالة مرضية، وأنه خطبني وتزوجني بعد إلحاح من أسرته وبعدما علموا كل شيء عن أخلاقياتي. طلب العودة كانت حياتي معه جافة خالية من أي مودة أو رحمة، لم أشعر لحظة بأنني متزوجة، وكلما تحدثت مع أبي وأمي هاتفيا أتظاهر بالسعادة والاستقرار وأثني- كذبا- على زوجي، بينما أظل بعدها أبكي طويلا بالساعات، ثلاثة أشهر كاملة بلا تغير في موقفه وفاض بي الكيل، ولست مضطرة لتحمل هذا العذاب مع شخص مريض نفسيا فاقد الثقة بنفسه وغير قادر على تفادي الأزمة التي تعرض لها، ويعتقد أن كل النساء خائنات، وعندما فاتحته بأنني أريد أن أسافر إلى بلدنا لرؤية أسرتي، لم يمانع وسارع في حجز التذكرة، وعدت من حيث أتيت ولم أر في المدينة التي كنت أقيم معه فيها إلا الطريق من المطار والعكس. لاحظت أمي أنني صرت نحيفة بشكل لافت للنظر، وأنني جئت بلا مناسبة فاستغربت وانتحت بي جانبا لتسألني عما حدث، فانهرت وبكيت وأخبرتها بمأساتي وبالتالي من جانبها أخبرت أبي، ولم يتخذا أي موقف متعجل، وقررا الانتظار حتى يأتي وتتم مناقشة الأمر معه، ومر شهر واثنان وثلاثة وأربعة ولم يحرك ساكنا ولم يجر حتى اتصالا هاتفيا إلى أن عاد بعد ستة أشهر في موعد إجازته السنوية، لم نناقش ما حدث ودخل الجميع مباشرة إلى الطلاق فلم يمانع ولم يرفض ولم يبد ندما على تصرفاته، لكنه رحب كما لو كان ينتظر ذلك، وانتهى كل ما كان بيننا، لم أكن آسفة عليه، ولم أكن حزينة على التخلص منه، بل على العكس يكفى أنني تخلصت منه ومن عقده، لكنني في غاية الحزن على هذه التجربة المريرة ولا أستحق هذه المعاناة، ولماذا أتحمل مشاكله وأكون مطلقة وأنا في الرابعة والعشرين من عمري؟ الجرح في قلبي غائر والخلاص منه ليس سهلا. مر عام انشغلت فيه بالعمل، ولم أهتم به ولا بما يحدث له، ثم علمت أنه تزوج من امرأة مطلقة ولم تبق معه إلا عدة أسابيع، ولكن هذه المرة هي التي طلبت الطلاق وجاء قرار الانفصال من جانبها وليس من جانبه لأنها لم تحتمل تصرفاته، وأخيرا يرسل إلينا طالبا العودة وهو يبدي الندم، وما أن سمعت ذلك حتى أصابني الهلع والرعب، البعض ينصحني بمنحه فرصة ثانية، وأنا لا أستطيع.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©