الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث الذاكرة

حديث الذاكرة
17 يونيو 2009 02:38
أشعر منذ أن تجاوزت الستين أن ذاكرتي ترجع دائماً إلى الوراء، تتذبذب ما بين مراحل حياتي الماضية، كأنها بندول ساعة حائط يرجع القهقري، لكنه يحن دائماً إلى نقطة معينة، هي مركز الجذب الذي مهما بعد عنه عاد إليه. والطفولة هي مصدر الجذب الذي يشدني منذ أن جاوزت الستين، وأكاد أقول منذ أن جاوزت الخامسة والستين بحوالي شهر أو أكثر قليلاً. مؤكد أن الذاكرة تشد الخيال، وليس الخيال سوى عمل من أعمال الذاكرة فيما يقول الشاعر الإنجليزي ستيفن سبندر، ومؤكد أنها تشد الخيال إلى الماضي لسبب بسيط في تقديري، يرجع إلى شعورنا أن ما بقي من عمرنا ليس في مثل الذي مضى، فالباقي أقل بالقطع مما مضى، وحتى لو أطال الله في أعمارنا أكثر مما نتوقع، فكلنا عبيد مشيئته، فالأغلب علينا هو أن ما يراه الوعي هو أن ما بقي من عمرنا أكثر من الذي راح، فكلنا يحن إلى الماضي الذي يذهب ويجد أنواعاً متعددة من المشاعر المصاحبة لتداعيات صوره على الذاكرة، حاملة الأفراح والأحزان، النجاحات والإحباطات، الهزائم والانتصارات، الأصدقاء والأعداء، الكوارث الفاجعة والمفاجآت المفرحة، كل ذلك تحمله الذاكرة التي هي أشبه بصندوق باندورا كما تقول الخرافات اليونانية، إذا فتحته، انطلقت منه أشكال وألوان وكائنات لا نهاية لها أو حد. وكلما كانت حياة الإنسان غنية، ثرية بأحداثها، فإن صندوق ذاكرتها يغدو أوسع وأكبر لا يستوى فى ذلك بالطبع الكائن الذى عاش حياة محدودة، يمكن أن يقيسها بمعالق القهوة، إذا استعرنا تشبيه الشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت، فمن المؤكد أن هناك فارقاً كبيراً بين الذين يلتهمون الحياة التهاماً، ولا يترددون في خوض تجاربها واستكشاف آفاقها التي تظل في حاجة إلى الكشف، ونقيض هؤلاء الذين وصفهم صلاح عبد الصبور، في شعره، بأنهم الأحياء الموتى أو الموتى الأحياء. ولكن ليس كل الماضي هو كل ما تحن إليه الذاكرة، إنها لا تكف عن استعادة اللحظات السعيدة التي نأخذ منها زاداً لنستعين به على ما يأتي من أيام، أو لنقوى به على ما يمكن أن يفجعنا به زمن قادم لا نعرفه، ولكن الطفولة على وجه التحديد لها سحر خاص، ربما لأنها مقترنة بالبراءة والنقاء والخير والحب الخالص الذي لا يعرف المنفعة والبراءة على وجه التحديد قيمة نادرة وعزيزة في هذه الحياة التي تخلو منها الحياة التي نحياها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©