الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التربية لحياة طيبة

التربية لحياة طيبة
17 يونيو 2009 01:08
إنَّ من النعم العظيمة التي حُرمها كثير من المسلمين.. نعمة السكينة والطمأنينة.. أعني سكونَ النفس عند من تحب.. وأُنسها بمحبوبها وتودُدها إليه.. وهذه – والله – من أعظم لذات الدنيا.. بل تكاد لا تعدِلـُها لذة.. أن يجد الإنسان من تأنس إليه روحه إذا جلس إليه.. ويشتاق له إذا كان بعيداً عنه.. وأعظم ما يعانيه المسلمون في بيوتهم – مما يُفقدهم هذه السكينة – التفكك الذي يحياه كثيرٌ منهم.. سواء على مستوى الأسر.. أو على مستوى المجتمعات.. لضياع التربية بشكل كبير.. فلا والدٌ يحنو على ولده.. ويوجهه ويرشده.. ولا ولد يعترف لأبويه بالفضل – بعد الله – في تنشئته وتعليمه وتربيته.. ولو في حدود قدراتهم المتواضعة.. وهذا التفكك المخيف جعل كثيراً من بيوتات المسلمين أشبه ما تكون بخرابات تحوم حولها غربان الأحقاد والنفرة والكراهية.. حتى لا تكاد ترى أحداً يرضى عن أحد.. فضلاً عن أن يشعر بأمان أو طمأنينة في هذه البيوت.. وهو ما يحرم أكثر الناس من الحياة الطيبة.. وقد تعيا بالتأمل في هذا الوضع المحزن.. لأنَّك لا تدري على من تقع تـَبـِعات هذه الأوضاع.. فإن ألقيتَ اللوم على الآباء وجدت ما يحول بينك وبين ذلك.. من كونهم لم يقصروا في التربية والتوجيه.. في حدود ما تعلموه من آبائهم.. وما لاقوه في فترات طفولتهم من أساليب تربوية غير صحيحة.. أدت في معظم الأحيان إلى وقوعهم في تشوهات نفسية وخُلـُقية تصل إلى حد العاهة أو الإعاقة.. التي يصعُبُ معها علاج أو حل.. وبالتالي فإنَّ كثيراً من الآباء قد يَحْسُنُ بنا أن نتلمس لهم المعاذير من هذا الوجه.. لكنهم – في نفس الوقت – مسؤولون مُحاسبون أمام ربهم.. فإن الله سائِلٌ كل راع عما استرعاه حَفِظَ أم ضيع.. والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.. فمادام أنَّه أخبر على لسان نبيه – صلى الله عليه وسلم – بهذه المسؤولية عموما.. بل ونص عليها خصوصا فقال: «والرجل في أهل بيته راع وهو مسؤول عن رعيته».. أقول: مادام أن الله قد حمّل الآباء هذه المسؤولية.. فإنها – بلا شك – في حدود قدراتهم واستطاعتهم.. فإنَّ الله قال: «لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها».. وإذا كان الآباء حريصين على أن يَكِدُّوا ويتعبوا في سبيل تحصيل الطعام والشراب لأبنائهم .. حتى يحافظوا بذلك على نموهم الجسدي.. فإنه ينبغي أن يكون عندهم نفس الحرص – إن لم يكن أشد – على النمو النفسي والروحي لأبنائهم.. ووقايتهم من التشوهات النفسية التي قد يكون بعضهم تعرض لها في صغره .. وإلا فإنَّ البهائم تُطعِمُ أطفالها وتسقيهم.. بما أودعه الله فيها من غريزة حب البقاء.. وقد أدى تقصير كثير من الآباء في هذا الجانب إلى تفكك أسرهم وانهيارها في كثير من الأحيان.. لأنَّ الأبناء لا يجدون السكينة والطمأنينة في البيت.. ولا يذوقون طعماً للحياة الطيبة.. وهذه نعمة عظيمة قد لا يشعر بقدرها إلا من حُرمها.. ولا أدل على ذلك من أن يمتن الله عز وجل على عباده بسكينة البيوت في قوله: «والله جعل لكم من بيوتكم سكنا».. ولذلك فقد اعتادت كثير من البيوت على أن يهرب منها الأبناء.. فراراً مما قد يجدونه من الجفاف التربوي.. والتصحر العاطفي.. وهم – والله – مساكين.. فينخدعون بكلام معسول.. أو عبارات تدغدغ العواطف من هنا أو هناك.. شباباً كانوا أو فتيات.. ويظنون بذلك أنهم قد حصلوا ما فقدوه في بيوتهم من حياة طيبة.. وليس هذا تبريراً لهم على مخالفة أمر الله عز وجل والوقوع في ما يغضبه من المعاصي.. فإنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أرشد أصحابه إلى أن يؤدوا الذي عليهم من الواجبات والتكاليف.. وأن يسألوا الله الذي لهم من الحقوق.. وهو سبحانه الغني القادر على أن يُغني من استعصم به ورجاه.. وأن يكفيه برحمته عمن سواه.. أقول هذا حتى لا يظن الولدُ أن تقصير الوالدِ مُبَرِرٌ لتقصيره.. فإنَّ الولـَدَ أيضاً محاسب مسؤول.. وهذا جزء آخر من أجزاء المشكلة.. وهو التهرب من المسؤولية من جانب الأبناء.. وليس محِلـُّه الآن.. والأعجب من فرار الأبناء تحت وطأة هذه الأوضاع المأساوية من فقدان التربية الحانية الحازمة.. أن يهرب الآباء.. تاركين وراء ظهورهم حرائق مشتعلة لا تكاد تنطفىء.. هروباً من تحمل المسؤولية العظيمة التي كلفوا بها.. وهذا لا يَعْذرُ العبد.. ولا يعفيه مما افترضه الله عليه في حق أولاده.. يقول الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين: بابُ وجوبِ أمرِهِ أَهْلهُ وأولادَهُ المميزين وسائرَ من في رعيته بطاعةِ الله تعالى. ثم ساق جملة من الأحاديث الصحيحة التي تبين خطورة هذا الأمر وأهميته من الناحية الشرعية التي يترتب عليها الثواب والعقاب في الآخرة.. فضلاً عن ثمرات هذه التربية في الدنيا من الحياة الطيبة الهنيئة.. التي لا يحياها إلا من كان يرفُلُ في طاعة الله ومراضيه. وأما أن يُبْصِرَ الآباء أبناءهم مضيعين لحق الله عز وجل مخالفين لأوامره.. تحت أسماعهم وأبصارهم.. فإنهم بذلك في الحقيقة يجنون أول ما يجنون على أنفسهم.. فإنَّ بعض السلف قال: من كان لحق الله مضيعا فهو لما سواه من الحقوق أضيع.. وكيف لأب أو أم أن ينتظرَ البر والإحسان من الولد وهو عاقٌ لربه سبحانه؟! صاحب كل عطية.. والمبتدىء بالنعم قبل استحقاقها.. بل كيف به إذا كان يعين ولده بماله على ما يُغضب ربه؟!.. ألم يعلم أنَّ الجزاء من جنس العمل؟!.. فجدير بالآباء.. أو بمن هم مقبلون على تحمل هذه المسؤولية العظيمة من الشباب.. جدير بهؤلاء جميعاً استشعارُ هذه المسؤولية العظيمة.. والسعيُ الدؤوبُ في تنمية المهارات التربوية وصقلها.. وهذا سهل ميسور على من يسره الله عليه.. فبالإمكان مطالعة المواقع التربوية على الانترنت.. وأنصح بموقع (المربي) للدكتور محمد الدويش.. أو بسماع الأشرطة التربوية التي لا تخلو من نفع عظيم.. ومن المبدعين في هذا المضمار الدكتور محمد بن إسماعيل المُقَدَّم في سلسلة له بعنوان (محو الأمية التربوية).. وكذلك الدكتور عبد الكريم بكار، فإنَّه يتناول قضايا التربية في غالب أشرطته. كذلك - مما يعين على ذلك - قراءة الأبواب المتعلقة بالأدب من كتب الحديث.. كالبخاري ومسلم.. مع شروحات الأحاديث.. فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم – وهو خير مؤدب ومربي.. وكتاب الأدب في مختصر الزبيدي بشرح الدكتور محمد يسري من خير ما يعين على ذلك.. فإنَّه يُورِدُ الحديثَ ثم يعلق على الدروس المستفادة منه.. كذلك سيرُ أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – والتابعين وكيف كانوا يربون.. ولن تَعْدِمَ في بلدتك أو قريتك واحداً من أهل العلم يرشدك ويوجهك في هذا الجانب الخطير.. الذي عليه مدار نهوض أمة الإسلام مما هي فيه.. إن تضييع مسؤولية تربية الأبناء من أسباب التفكك الأسري الذي تحياه مجتمعات المسلمين .. إن لم يكن من أهمها على الإطلاق .. وهو ما يحرمهم من السكينة والطمأنينة .. ويفقدهم الحياة الطيبة التي يبحثون عنها .. والله الهادي إلى سواء السبيل ..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©