الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإسلام والاستشراق» يدين عدم تسامح أوروبا مع روح الثقافة الإسلامية

«الإسلام والاستشراق» يدين عدم تسامح أوروبا مع روح الثقافة الإسلامية
10 ابريل 2010 21:17
يناقش الدكتور محمد شرف الدين في كتابه “الإسلام والاستشراق في العصر الروماني مواجهات أدبية مع الشرق” قيام النقاد المحدثين بدراسة كُتّاب آخرين من وجهة نظر صارمة، متبعين في ذلك مفاهيم وأحكام تتجاوز التقدير الأدبي والنقدي، وبينما يقوم هؤلاء النقاد بالبحث المستمر باستخدام أنماط أيديولوجية وتصنيفات سياسية فإن جل اهتمامهم ينصب على كل ما من شأنه أن يحصر الأفراد داخل مواقف نمطية، ومن هنا فالكاتب يبدي اهتماماً أكبر بالطرق التي من خلالها يتمكن أي مجتمع من تجديد ذاته، وليس كيف يظل المجتمع أسير مفاهيم صارمة تحد من تطوره. يؤكد الدكتور محمد شرف الدين عبر كتابه “الإسلام والاستشراق في العصر الروماني مواجهات أدبية مع الشرق” على مبادئ الحيادية والموضوعية كصفات تسهم في صناعة أدب أصيل يوحي بالكثير كما هو الحال مع معظم الأدب العالمي. وتبين الأمثلة التي اختارها على أن الشعراء ليسوا سياسيين بالمعنى المتعارف عليه، ولا يمكن النظر إليهم من هذا المنظور لكونهم بعيدين عن عالم الأجندات والمؤامرات السياسية الزائف، ويجب ألا يتحدد الشعراء والكتاب والمبدعون بمفهوم معين، ولا بأيديولوجيات بعين ذاتها من قبل قرائهم. طموحات زائفة لتوضيح ما يريده المؤلف يلجأ إلى مناقشة أفكار ادوارد سعيد عبر كتابيه “الثقافة والإمبريالية” و”الاستشراق” عندما صنف شعراء مثل بيكفوردو بايرون وكونراد وكبلنج بأنهم نتاج ثقافتهم الاستعمارية، غير أن الحكم على الشعراء من هذا المنظور وعبر شريحة مهمة من المجتمع، ينحدر إلى عدّهم مجموعة من المؤلفين الذين ضُللوا بطموحات عصرهم الزائفة وبفعل مؤتمرات استعمارية. وهذا التطور، بحسب شرف الدين، يعكس مغالطة كبيرة، بل ومضلل على حد سواء، لأنه يحجب جوانب عدة من شخصية الشعراء، الذين يجب أن يفهموا كمناهضين للأفكار المتعصبة في عصرهم ورافضين للجهل بثقافة الآخر. وتنطبق هذه النظرية المغلوطة على قرار إدوارد سعيد لبايرون الذي عدّه سعيد من الشعراء الرومانسيين الذين شوهوا صورة الشرق، وأعادوا تشكيل ملامحه عن جهل لانعدام التفاعل الثقافي الفعلي بين الشاعر والشرق، كما أن سعيد نفى بدافع من شخصيته المتشككة سياسياً وروحياً، إمكانية ظهور كتاب يتمتعون بضمير حي وعقلية متميزة داخل المجتمعات الإمبريالية. ومع ذلك فإن شرف الدين لا يقلل من أهمية الجدل الذي يطرحه سعيد ومفاده أن الاستشراق مهّد لأيديولوجية سياسية معينة عكست صورة غير واقعية عن الشرق ومن ثم جعلته يخضع تحت وطأة الاستغلال والسيطرة الغربية، غير أن شرف الدين يركز على فكرة مضادة تركت أثرها في أقلية (وإن كانت ذات تأثير كبير). وهذه الفكرة تؤكد دور الاستشراق في استيعاب الطاقات الراديكالية التي تحررت بفضل الثورة الفرنسية، ونتيجة لذلك أصبح الاستشراق نقطة حيوية مؤثرة تم من خلالها إدانة القوى الرجعية في أوروبا، والأهم من ذلك إدانة عدم التسامح مع روح الثقافة الإسلامية، لأن الإسلام كان بالفعل الحضارة الوحيدة التي تتسم بالقوة ويقرب المسألة من الغرب ما حفز الاستيعاب الإيجابي لهذه الطاقات. إعادة تركيب الشرق يختار الكاتب نماذج لأربعة شعراء رومانسيين من انجلترا، كان الاستشراق نقطة تحول في أشعارهم، وفي المفهوم العام للإسلام والشرق في انجلترا وهم لاندرو وسلوذي ومور وبايرون. ويشير إلى أن سعيد ضّمن في دراسته كلاً من مور وبايرون بالإضافة إلى بيكفورد وجوتة لكونهم أسهموا فيما أسماه إعادة تركيب الشرق أو شرقنته. ويؤكد شرف الدين أن أي محاولة لتقصي عملية التطور التاريخي للاستشراق لابد وأن تكون واقعية تاريخياً، وأن تضع بعين الاعتبار كل ما كان محتملاً في العصر المعني، أي أنه لا يمكن تقييم إنجازات الشعراء المختارين كمستشرقين، بشكل مقنع خارج نطاق مفهوم المستشرق الذي اكتسبوه. وقبل أن يشرع في الحديث عن هؤلاء الشعراء، يرضخ للعرف الذي كان سائداً في عصرهم، والذي لا شك ألقى بظلاله على الأفكار الواردة في نتاجهم الأدبي. ثم يتحدث المؤلف عن شخصية جُبير التي ابتدعها لاندرو وجعل منها عنواناً لأحد أشهر قصائده “جبير”، مشيراً إلى العناصر الشرقية ووظيفتها في القصة التي تبدو شرقية أو على الأقل مصرية. ويقول شرف الدين:”ليس من السهل أن نحدد الوزن الذي يرجح البعد الإسلامي أو الشرقي في القصيدة. فجبير هي حكاية شقيقين، العسكري جبير، الذي أجبر في طفولته على التعهد بالثأر لوالده لما تعرض له من ضيم وأذى عن طريق احتلال مصر مرة أخرى بعد أن طرد منها قومه. أما الشقيق الثاني فهو تامار، الراعي الذي يجده جبير قرب السهل الساحلي لمصر، ويقع جبير في غرام “خاروبا” ملكة مصر التي تبادله المشاعر نفسها. ويقع تامار في غرام حورية تتحداه وتهزمه في مباراة مصارعة، وتقنع خاروبا جبيراً بإعادة بناء مدينة جيدوس، إلا أن قوى غامضة تدمر العمل، وبمتابعة باقي أحداث القصة وقراءة المحيط الجغرافي التاريخي الذي اختاره لاندرو لسرده، نجده مخضباً في لون محلي ومحملاً بتناقض عزيز على قلب المستشرقين، حيث يمتزج الثراء المادي بالرفاهية الزاهية، فالمهرجان المصري الذي تأمر خاروبا بتحضيره ترحيباً بجبير يحمل بعض خصائص أسلوب كليوباترا في العرض المسهب، فالتماسيح الأليفة تتوج وتبتعها النساء داخل مراكب خاصة بالاحتفال و”النسيم العذب” يضفي إيقاعاً يلهم الجدافين ويتدافع المشاهدون عن بعد فيحتشد “البياض المشرق فوق القصب” وتصل هذه الحركة قمتها في وصف انتقال السرد من خاروبا إلى جبير، وبالقراءة المتمعنة لأبيات القصيدة نجد أن شكل الحياة المصرية الخارجي ورفاهيتها متناغمتان لمفهوم الاستشراق عند لاندرو وهو تركيزه على آثار حضارة كانت عظيمة في يوم من الأيام، والآن قد اندثرت”. إرم ذات العماد في سياق مغاير، يظهر أثر الإسلام في قصيدة جبير من خلال ما قام به ويلر حين طبع القصيدة، حيث لفت نظر القراء إلى ترجمة سيل للقرآن وشروحاته التي توضح أن لاندرو أخطأ في فهم بعض الوقائع الواردة في القصيدة ومنها أن المدينة المعروفة باسم إرم في الصحراء بالقرب من عدن وليس في الصحراء بالقرب من مصب نهر النيل. وفي القرآن الكريم يطلق على قوم إرم (يسميهم لانردو الجيديين) أهل عاد. والقرآن يتحدث عنهم وبشكل تثقيفي، فالآية القرآنية التي تصفهم تقول:”إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد”. ويعلق سيل قائلاً “إرم” هو اسم مقاطعة أو مدينة قطنها أهل عاد، وهو أيضاً اسم حديقة، واللفظ بإرم أو أرام هي اسم الجد الأعظم لعاد، أي أحد أسلافهم. وبحسب القرآن الكريم كان أهل عاد متسلطين فاسقين يسيطر عليهم الغرور، ومن ثم كان عقابهم “زوال مدينتهم وأمتهم ودمارهم) عظيم. ويقول شرف الدين:”إذا عدنا للحديث عن مدينة جبير، فإن النقطة التي تكتسب أهمية خاصة ليست فقط حقيقة أن جبير يواجه الآثار ذات الأهمية الأخلاقية لمدينة أسلافه، ولكن حقيقة أن جبير يقترح إعادة تشييد هذه المدينة”. ويضيف:”سواء كان جبير مستعمراً بالفطرة أو لم يكن، فإنه يُعطي بلا شك دوراً استعمارياً. وبداية نلاحظ أن اسم “جبير” سواء علم لاندرو أم لم يعلم، يشق معناه الوظيفي من المصدر الابستمولوجي الإسلامي، لأنه اسم نوع في لغة القرآن العربية، وهو يصف أولئك الذين يتعرفون ويتحكمون بتجبر؛ ففي القرآن الكريم يوصف قوم جبير “أهل عاد أو العيديون كما يسميهم لاندرو بالتجبر والغرور والاستبداد”، فنجد في الجزء الخامس من ترجمة سيل للقرآن، النبي موسى يحاور قومه بعد نزوحهم (الشعراء 127 - 130). وتمثل النهاية الأخيرة محاولة سيل أن يربط كلمة جبارين Gebaree ثم بالطغيان والاستبداد. ويبقي سيل على المعنى نفسه عندما يشرح قسوة أهل عاد قائلاً:”تقتلون وتنزلون عقوبات جسدية أخرى بدون شفقة أو رحمة، لإرضاء رغباتكم وليس لتقويم المعاقب”. وهكذا فإن الإيحاءات ذات المضمون الإسلامي لاسم جبير وكل الأسماء الأخرى المتعلقة به، جميعها تؤكد بشكل عام مفهوم الاستبداد الذي لفت نظر لاندرو في القرآن الكريم، وهو ما انعكس على قصيدته التي أنتجها بدافع داخلي، كمستشرق وشاعر عبر عن رؤيته الذاتية للشرق من خلال أشعاره، متأثراً بما قرأه عنه، وبالفكرة السائدة عن الشرق في ذلك العصر، ولم يكن في ذلك أداة للغرب لتكريس وجهات نظر بعينها تتماشى مع القوى الاستعمارية التي بدأت في الظهور آنذاك، بل أن أشعاره حملت كراهية للظلم والاستعمار، وهو ما ظهر من حديثه من نهايات الطغيان واندثاره كمسلمة من مسلمات التاريخ، وهو ما يخلص إليه القارئ من قصيدته التي هي في واقع الأمر عمل رومانسي خالص، ويمكن وصفها بأنها قصيدة شخصية ومعبرة بشكل عميق. “ثعلبة” ساوذي يعرج محمد شرف الدين إلى ساوذي متناولًا قصيدته “ثعلبة” التي وصفها ساوذي بأنها “شرقية الطابع” وقد تأثر فيها كثيراً بقصيدة “جبير” لمعاصره لاندرو. بيد أن هناك نظرة سياسية مغايرة تميز مفهوم الاستشراق عند ساوذي عنه عند لاندرو، فلقد كان الأخير بالمفهوم الحيادي للمصطلح، أي أن إيمانه بالذات الإنسانية قوي جداً، ما قلص نتيجة لذلك قدرته على تخيل استغلالية الآخرين عن تلك الذات، حتى أن دراسته لم تكن لخصائصها المتميزة فحسب، بل أنها أصبحت جزءاً من ذاته. أما ساوذي وعلى النقيص من لاندرو، فكان صاحب أفكار كونية أو أبدى اهتماماً عميقاً بصورة حياة أخرى غير حياتهم، وكان ساوذي الوحيد بين الكتاب الأربعة الذين يناقشهم هذا الكتاب الذي يمتلك غريزة العالم، كما توضح ترجماته وسيره. كما أن ساوذي قد خطط لسلسلة من المسلمات تعالج الأنظمة الدينية والثقافية الأساسية في العالم مثل “المحمدية” (النظام الإسلامي)، و”الزونية” (النظام السلستي)، و”الشرقية” (النظام الهندوسي) وكتب خمس رومانسيات متكاملة منحته شهرة في القرن التاسع عشر وهي جون الأركي، ثعلبة، لعنة كهاما، ورودريك آخر القوطيين، والكونت جوليان. أما عن قصيدة ثعلبة التي تدور في اثني عشر فصلاً، حول تدمير دو مدانيال من قبل ثعلبة، “الشاب المخلص” الذي اختاره القدر والقدرة الإلهية لهذه المهمة، التي يكملها في الفصل الأخير من الكتاب، وبينما يطلع السحرة الأشرار على قدرهم، يبذلون قصارى جهدهم لإبادة عائلة ثعلبة، والده حديرة وإخوانه السبعة، إلا أن ثعلبة ووالدته زينب يفران إلى الصحراء، حيث يُقَدّر للشاب أن يثأر لوالده وأن يسترجع السيف الأبوي الذي تحيط به هالة نارية ويوجد في أعماق دومدانيال. ويشير محمد شرف الدين إلى أن من أهم خصائص ثعلبة ربطها الاستبداد السياسي بالشر وعبادة الشيطان في المفهوم الإسلامي، وهنا لا يمكن إنكار أن ساوذي حصل على دعم لنظريته الأخلاقية تلك من المفهوم الإسلامي الغني بالأعراف التي تفرض مثل هذا الارتباط بين الشر والاستبداد السياسي. ويحكي القرآن لنا الكثير من الكتابات التي تفسر خسارة الأمجاد العظيمة بأنها عقوبة من الله، وهو ما وجد فيه ساوذي تأكيداً جديداً على موضع فناء الغطرسة والاستبداد، وهو ما يعالجه بشكل متواصل في “ثعلبة” عند وصف آثار الدمار في مدينة بابل. وبالرغم من أن ساوذي لم يحاول أن يضمن النص إشارات رمزية للسياسة الأوروبية، إلا أن الطغيان السياسي ارتبط بشدة بالشرق بحيث إنه ينجح في الظهور كخاصية واضحة في القصيدة. لمحة عن المؤلف الدكتور محمد شرف الدين، الأستاذ المشارك في جامعة صنعاء في اليمن، متخصص في اللغة العربية والأدب الإسلامي، له اهتمامات واضحة في الاستشراق والأدب الأميركي في القرن التاسع عشر. عمل في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة جورج واشنطن في الفترة ما بين عامي 2001 - 2002، كمنسق لبرنامج تعليم اللغة العربية في قسم الدراسات الكلاسيكية. له كتب عدة ومحاضرات مختلفة عن العلاقة بين الشرق والغرب وتمثيلها في الأدب والثقافة ومنهم الإسلام والاستشراق في العصر الرومانسي، مواجهات أدبية مع الشرق (1994). ومن أعماله أيضاً “الغضب في الأعمال الدرامية الرئيسة لجون اوزبورن” (1983) واللغة والأدب والثقافة: الإسلام والاستشراق في الأدب الرومانسي” (1998)، و “قراءة الشعر تاريخياً” 02008). «الحتمية في الإسلام عند ساوذي» رأينا سابقاً بعض إعجاب ساوذي بروح الاستسلام للقدر التي تهيمن على الأشخاص الصالحين في ثعلبة ويعتبرها ساوذي دلالة على الإيمان الأصيل. ونجد أصول هذه الفكرة في التقليد الإسلامي والمسيحي على حد سواء. تحتوي ثعلبة، على سبيل المثال، على صفحات عدة تزخر بمفهوم الحتمية الإسلامية. ويقول اعرابي لثعلبة: “اختارك القدر أيها العربي الشاب! عندما كتب على جبينك. لقاؤنا هذا في هذه الليلة”. ويتحول الإيمان بأن قدر الله لا يمكن تغييره إلى فكرة مهيمنة تتكرر في قصيدة بطلها يخضع إلى القدر الذي يختاره لمهمة مقدسة. وهنا أيضاً نميز بوضوح مشروع ساوذي لتوليف فكرتين: يجمع قدر ثعلبة البطولي بشكل بارع الحتمية الإسلامية والبطولة الملحمية (المسيحية). في السياق الإسلامي، تفسر الحتمية بالإيمان الراسخ، وأن كل ما قضى به الله عز وجل لأنبيائه واقع لا محالة. ويُعرَف ذلك بالاعتماد على الله (التوكل) وتُعبر ثقة ثعلبة في النتيجة الإيجابية لرحلته عن مفهوم التوكل ذاك. محمد شرف الدين
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©