الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شكوك أميركية في إصلاح الرعاية الصحية

10 ابريل 2010 20:51
بينما كان الانتحاريون ينفذون عملياتهم الانتحارية في مترو موسكو يوم الاثنين الماضي، كانت واشنطن تنعم بحالة استثنائية من الهدوء والسلام والأمان جراء انحسار موجة العراك والصراع داخل الكونجرس. ويصعب الآن ونحن في موسم الربيع، تذكر تلك الأوقات حين كانت تواجه البلاد صعوبة انتخاب رئيس لها من بين جميع المرشحين الذين كانوا حينها أعضاء في مجلس الشيوخ. فقد تفوق أوباما وهيلاري وماكين على بقية المتسابقين الرئاسيين، وأعدت الساحة السياسية الانتخابية لصعود أوباما ونائبه بايدن. وفي عام 2008 لم تكن هناك وسيلة رافعة للمرشحين أفضل من عضويتهم في الكونجرس. لكن اليوم وحسب ما تشير معظم استطلاعات الرأي العام التي أجريت، فإن أقل من نسبة 20 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم، تعتقد بإيجابية أداء الكونجرس. وعلى رغم إجازة الكونجرس لقانون إصلاح الرعاية الصحية -الذي لا شك سيحتل مكانه في كتب التاريخ، جنباً إلى جنب ميزانية الإنقاذ الاقتصادي وميزانية المساعدات المالية- فقد تدهور امتياز هذه المؤسسة التشريعية ليصل إلى أدنى مستوى تاريخي له. فكيف نفسر هذا التدهور؟ لعل جزءًا من الإجابة عن هذا السؤال يتعلق بردة الفعل الشعبية العامة على الصورة السلبية التي رسمها عن أنفسهم أعضاء الكونجرس خلال الخمسة عشر شهراً الماضية. فمن رأي معظم "الجمهوريين" الذين التقيتهم وتحدثت إليهم أنهم يعتقدون بصحة الموقف الذي اتخذه أقرانهم "الديمقراطيون" الذين يتفوقون عليهم من ناحية الأغلبية في الكونجرس وذلك برفضهم التصويت واستخدامهم لمختلف الوسائل التشريعية الممكنة التي ساعدت في إبطاء أو عرقلة أجندة أوباما. بينما يعتقد معظم "الديمقراطيين" الذين التقيتهم بأن هناك ما يبرر دفع مسؤولي البيت الأبيض وفي مجلس النواب بقانون إصلاح الرعاية الصحية على رغم أن نتائج غالبية استطلاعات الرأي العام التي أجريت أشارت إلى معارضة الناخبين لمشروع القانون. بيد أن هذا الاستقطاب الحزبي تراجع أمام تأثير الناخبين المستقلين، فهؤلاء هم الذين أخذوا حملة أوباما الرئاسية على محمل الجد، خاصة وعده المتعلق بتغيير ما كانت عليه واشنطن خلال السنوات الثماني التي تولت فيها مقاليد الحكم إدارة بوش السابقة. فبصرف النظر عن رأي هذه الفئة من الناخبين في الاقتصاد أو التعليم أو الرعاية الصحية أو غيرها من القضايا، فقد سئم هؤلاء من عجز كلا الحزبين عن تجاوز خلافاتهما واتخاذ الخطوات الجدية التي تمكن البلاد من التصدي لخطر الارتفاع الهائل لمعدلات البطالة والديون التي غرقت فيها أميركا والمواطنون معاً. ومما لفت نظري في اللقاءات التي أجريتها مؤخراً في ولايتي فلوريدا وتكساس بالذات، استجابة كلا الجانبين السياسيين لإجازة قانون إصلاح الرعاية الصحية. وعلى رغم كل الجهود المقدرة التي بذلها أوباما لإقناع الناخبين بأنهم سوف يحققون فوائد شخصية ومباشرة من إجازة قانون الرعاية الصحية، ظل كثير من الذين التقيتهم على قناعتهم بأن ذلك القانون قد شرع لخدمة أهداف لا علاقة لها بفائدة المواطنين. ولكن يحاجج الرئيس ومؤيدوه "الديمقراطيون" بأن الشباب بصفة خاصة سوف يستفيدون كثيراً من تغطية الرعاية الصحية لهم للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة اعتماداً على الضمان الصحي الذي يتمتع به آباؤهم. وعند بلوغ أي من هؤلاء الشباب من الجنسين سن السادسة والعشرين، فلن يكون في وسع أحد منعهم من التمتع بتغطية صحية منفصلة، وفقاً للتشريعات والنظم المعمول بها سابقاً. ولكن هل ساعدت هذه السياسات الجديدة التي أقرها قانون إصلاح الرعاية الصحية في تغيير الصورة السلبية السائدة بين الناخبين عن هذا التشريع؟ الإجابة هي أن ملايين المواطنين الأميركيين الذين يتمتعون سلفاً بشكل ما من أشكال التغطية الصحية -سواء عبر الضمان الصحي المتوفر لهم من جهة العمل أم غيرها- والذين يزداد قلقهم بصفة خاصة من تكلفة هذه السياسة الجديدة التي نص عليها التشريع الصحي المجاز للتو من قبل الكونجرس، فإن النظرة إلى هذا التشريع لا تزال تحمل كثيراً من الشك في أن إجازته تمت لأغراض وأهداف سياسية أكثر من كونها صحية وذات صلة بتوفير رعاية صحية أفضل للمواطنين. ولكن ماذا عن تغطية التشريع الجديد لنحو 31 مليوناً من المواطنين الذين يتمتعون بمزايا الضمان الصحي للمرة الأولى في حياتهم؟ هل يمثل شمول هؤلاء بمزايا التغطية الصحية هدفاً سياسياً هو الآخر؟ ما يجب قوله إن أميركا ليست وطناً للأنانيين الذين لا يفكرون ولا ينظرون إلا لأنفسهم. ويجب علينا أن نذكر جيداً أنه ولدى إجازة قانون الـ "مديكير" في عام 2003 بهدف تغطية تكلفة الوصفات الدوائية لكبار السن من المواطنين، لم تكن هناك أي ردود فعل غاضبة أو رافضة لذلك التشريع، على الرغم من أن تنفيذه من الناحية العملية لم يتم حسب ما نص عليه التشريع. ولكن ربما كان الاختلاف هو أن أميركا لم تكن تعاني تأثيرات الركود الاقتصادي التي نشهدها اليوم، كما لم تكن الحساسية العامة إزاء الاستدانة والدين القومي بالمستوى الذي نشهده اليوم. وعليه يمكن القول إن بلادنا الآن تستشعر أوجاعها وإنها لم تعد قادرة على التسامح مع السياسات العادية المألوفة التي كان يمارسها الساسة في كلا الحزبين. كما أصبح المواطنون أكثر تشككاً في كل من يعدهم بتقديم خدمات أفضل لهم. وهنا تكمن المشكلة التي يواجهها الكونجرس. ديفيد برودر - محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©