الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية «المُدارة»

16 يونيو 2009 03:11
ذات يوم كانت «الديمقراطية» مرادفا للأمومة وفطيرة التفاح، أي شيء ذا قيمة لا تتغير. في فترة أكثر قرباً، فقدت هذه الكلمة معناها، وتبدى هذا في الكثير من المظاهر: فإدارة بوش تحدثت كثيراً عن الديمقراطية من حيث المبدأ، ولكنها وجدت عملية الترويج للأفكار الديمقراطية، ناهيك عن المؤسسات الديمقراطية، صعبة في التطبيق العملي. والأسوأ من ذلك أن بعض جهودها كانت لها نتائج غير مرضية. فالانتخابات التي كانت تريد إجراءها في فلسطين، جاءت بـ «حماس»، والانتخابات التي ساعدت على تنظيمها وقدمت لها العون في العراق جاءت بحكومة ضعيفة. في نفس الوقت أمضت الأنظمة السلطوية في روسيا، وآسيا الوسطى، وأماكن أخرى العقد الماضي وهي تتعلم كيف تتلاعب بالانتخابات، وكيف تمنح نفسها شرعيات زائفة، وتقدم شكلا جديداً من الديمقراطية يمكن أن نطلق عليه «الديمقراطية المدارة»، أي السلطوية المموهة من خلال خطاب ديمقراطي. وماذا كانت النتيجة؟ رد فعل مناوئ إن لم يكن ضد الديمقراطية في حد ذاتها فضد الترويج لها. ونظراً لأن إدارة أوباما تستنكف -غريزياً- ـ من أي شيء كان بوش يعجب به، ونظراً لأنها تشك في نجاعة هذه السياسة، فإنها آثرت أن تنأى بنفسها عن كل ما يتلعق بفكرة ترويج الديمقراطية بشكل عام، والانتخابات بشكل خاص. واستطيع أن أقول اعتماداً على ما سمعته من مصادر موثوق بها داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية أن الوظائف التي تحمل عنوان «ترويج الديمقراطية» ليست من نوعية الوظائف التي يحتاجها البيت الأبيض بشكل مُلحّ حالياً. وهو ما يقودنا للغز إيران التي تعتبر نموذجاً كلاسيكيا لـ«الديمقراطية المدارة»، فالإيرانيون لا يتمتعون بحرية التعبير، ولا بحرية الصحافة، والأحزاب السياسية هناك تئن تحت وطأة قيود كثيرة، وهناك زمرة من الملالي غير المنتخبين يسيطرون على مقاليد السلطة السياسية الحقيقية، يسيطرون من خلالها على الانتخابات وعلى المرشحين أيضاً. والانتخابات التي جرت في إيران يوم الجمعة الماضي أظهرت بوضوح مدى قوة الانتخابات، وكيف أنها يمكن أن تخرج في النهاية عن حدود السيطرة حتى في أكثر أنواع الديمقراطية المدارة تقييداً وصرامة. فتلك الانتخابات ربما لم تكن حرة، ولكنها كما قال لي صديق إيراني كشفت عن «انقسام خطير بين أجنحة السلطة»، قد لا يكون ممكنا التعامل معه بعد ذلك خلف الأبواب المغلقة للأوليجاركية الإيرانية. فتلك الانتخابات لم تدر فقط بين اثنين من المرشحين : «مير حسين موسوي»، الذي وإن كان قد اتخذ صفة «المصلح» في هذه الانتخابات، إلا أن الحقيقة هي أنه هو نفسه الرجل الذي قاد عمليات القتل الجماعي ضد السجناء السياسيين، عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء في ثمانينيات القرن الماضي، والثاني هو أحمدي نجاد الرئيس الحالي المتشدد، ولكنها شهدت أيضاً مشاركة غير مسبوقة من قبل الناخبين، كما شهدت إلى جانب ذلك تظاهرات حاشدة وهتافات وأغاني وشعارات، كما أن احتمالات التزوير التي شابتها أدت إلى إطلاق أكبر موجة من التظاهرات يشهدها الإيرانيون منذ عقد من الزمان. على الرغم من كل ما حدث، فإن تلك الانتخابات كانت من النوع المدار إلى أقصى درجة، حيث انتهت دون أن تؤدي إلى تغيير في تركيبة الحكومة الإيرانية، أو تغيير نجاد. مع ذلك أوجدت تلك الانتخابات صدعا في مكان لم يكن أحد يتصور أن به صدعا، كما أن احتمالية التغيير التي أتاحتها تلك الانتخابات، ألهمت مجتمعا كان يعتقد أنه مجتمع سلبي ودفعته للاعتراض، ومن قبل ذلك حشد التجمعات الانتخابية، وإطلاق الهتافات، والشعارات السياسية. ربما يذهب البعض للقول إن تلك الانتخابات كانت مهزلة، ولكنها حتى وإن كانت كذلك، فإن الانتخابات حتى السيئ منها أفضل من عدم إجراء انتخابات على الإطلاق، وأن الديمقراطية الناقصة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، وهذا هو على وجه التحديد ما يدعو المستبدين إلى إحكام السيطرة عليها منذ البداية. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©