الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا وأعباء الذاكرة الاستعمارية

15 مايو 2016 22:56
في يوم الاثنين الماضي، ظهر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في فيلم فيديو، وهو يصف نيجيريا وأفغانستان للملكة أليزابيث الثانية، بأنهما دولتان «فاسدتان فساداً لا يمكن تصوره». وفي اليوم التالي مباشرة، أعادت الملكة نفسها، وللمرة الثانية، وصف مسؤولين صينيين بأنهم كانوا «في غاية الفظاظة» وهم يتحدثون مع ضابط أمن بريطاني كبير، كان منوطاً به الإشراف على إجراءات تأمين زيارة الرئيس الصيني «شي جينبنغ» الرسمية لبريطانيا في شهر أكتوبر الماضي. ولو عدنا لسجلات التاريخ، فسيتبين أن بريطانيا الإمبريالية قد أحدثت ضرراً مستديماً بتلك الدول الثلاث. فإرثها الإمبريالي ترك نيجيريا كدولة هشة من حيث الجوهر، وجلب الحرب لأفغانستان، ونشر إدمان المخدرات في جيل كامل من الصينيين. ومن المعروف أن بريطانيا بدأت استعمارها لنيجيريا في منتصف القرن التاسع عشر، ولكنها لم تقم بترسيم حدودها الحالية إلا في عام 1914، وذلك عندما دمجت المحميتين الشمالية والجنوبية اللتين كانت تسيطر عليهما، في كيان واحد. ونتجت عن ذلك الدمج دولة ضمت 400 مجموعة عرقية مختلفة -مقسمة بدورها وفقاً لخطوط دينية- تحت حكومة مركزية واحدة. ومنذ ذلك الحين تحاول حكومة نيجيريا جاهدة، تحقيق توازن بين السيطرة على الثروة النفطية، وبين القوة السياسية لثلاث مجموعات عرقية رئيسية. ومن المواريث المتبقية حتى الآن، لقرار بريطانيا دمج شمال نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة مع جنوبها المسيحي، التحدي الحالي الذي تمثله جماعة «بوكو حرام»، الحركة الإسلاموية المتطرفة التي تشن حرباً وحشية، في المنطقة الشمالية من البلاد. وقد رد الرئيس النيجيري محمد بخاري، يوم الأربعاء، على الوصف القاسي الذي وصف به كاميرون بلاده، ليس بمطالبته بالاعتذار، وإنما بمطالبته بإعادة الأموال العامة المنهوبة التي قال إنها مكدسة في البنوك البريطانية. ومن المعروف في هذا السياق أن بريطانيا، قد تعرضت لانتقادات عديدة، بسبب ما زعم عن وجود شبكة من الملاذات الضريبية في لأقاليم التابعة للتاج البريطاني، وأقاليم ما وراء البحار، التي تجتذب ذلك النوع من الأموال المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، حيث قد يرغب مسؤولون نيجيريون فاسدون في إخفائها. أما التأثير السلبي للغزوات البريطانية المتعاقبة لأفغانستان، فهو مما تصعب الإحاطة به في واقع الأمر. ففي منتصف القرن التاسع عشر، حاولت بريطانيا غزو البلاد من أجل خلق منطقة عازلة بين روسيا القيصرية، وبين مستعمرتها الهندية. ولكن محاولتها لتنصيب حكم دمية، انتهت بحمام دم. فنحو نهاية الحرب الإنجليزية- الأفغانية الأولى عام 1842، تمكن رجال القبائل الأفغان من ذبح 16 ألف جندي بريطاني وهندي، كانوا يتقهقرون من كابول عبر ممر جبلي مغطى بالثلوج، ولم ينجُ من هذا الكمين الدموي سوى طبيب واحد تابع للجيش البريطاني. وبعد أن تمكنت بريطانيا من السيطرة على مقاليد الشؤون الخارجية لأفغانستان، بعد ذلك التاريخ بأربعين عاماً، وقد غزتها عسكرياً مرة أخرى، اتخذت أيضاً تدابير أغير ملائمة عديدة. أما بالنسبة للصين، فقد لوحظ أن القادة في بكين تجنبوا لفت الانتباه إلى تصريحات الملكة بشأن فظاظتهم، وهو ما يمكن تفسيره بأن الصين تحاول حماية علاقتها التجارية الآخذة في الازدهار مع بريطانيا. يشار في هذا الصدد إلى أن بكين ولندن معاً قد روجتا لزيارة «شي» في أكتوبر، باعتبارها تمثل فجر «العصر الذهبي» في العلاقات البريطانية الصينية. والصين تدرك أن أي رد فعل ينطلق من الحساسية القومية، تجاه ما تراه غطرسة من لندن، أو تناسياً من قبلها لماضيها الإمبريالي، الذي شمل استعمار هونج كونج وإجبار الصين على قبول الأفيون كأداة سداد لصادراتها من الشاي لبريطانيا، يمكن أن يعرض هذه العلاقة المتنامية للخطر. علاوة على أن سورة الزعيم نفسه، إذا ما اتخذ رد فعل ينطلق من المشاعر القومية الصينية، يمكن أن تتعرض للضرر، خصوصاً أنه معروف بحساسيته الشديدة عندما يصل الأمر إلى التجريح بشخصه. وبكين، كما تفيد الأنباء، تفرض حالياً، رقابة على التقارير الأجنبية التي تتضمن إشارة إلى هفوة الملكة، في الوقت ذاته الذي حذفت فيه المنافذ الإعلامية التابعة للدولة أي إشارات لملاحظاتها غير الملائمة، عند تغطيتها للحفل الذي أقامته الملكة في حديقة قصر بكنجهام، حيث ركزت بدلاً من ذلك على الحديث عن ذوق الملكة في ارتداء الملابس. *كاتب بمجلة «فورين بوليسي» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©