السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقارب روسي باكستاني

15 مايو 2016 22:55
شهدت العلاقات الروسية الباكستانية تحسناً في 2014، عندما أزال الكرملين حظره السابق على الأسلحة ضد إسلام آباد. وفي 2015، وافقت موسكو على بيع أربع طائرات هيلوكبتر من طراز «إم آي 35 إم» لباكستان، ورحبت بانضمام إسلام آباد إلى «منظمة شنغهاي للتعاون». وهذا العام، أعلن قائد الجيش الروسي أوليج ساليوكوف عن أول «مناورات خاصة مشتركة في التضاريس الجبلية»، كما قام وزير الدفاع الباكستاني خواجا آصف بزيارة موسكو من أجل تعزيز التعاون بين البلدين. هذا التقارب فاجأ الكثيرين، لأنه يمكن أن يؤثر على التعاون بين موسكو ونيودلهي على المدى الطويل، لكن روسيا ما زالت ترغب في المضي قدماً فيه. فما هي دوافع الكرملين يا ترى؟ الواقع أن الكرملين ما زال يقدّر شراكته الاستراتيجية والطويلة مع الهند، ومازال يُعتبر أكبر مزود لها بالأسلحة خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد ازدهاراً ملحوظاً. غير أنه إذا كانت العلاقات الروسية الهندية تبدو مزدهرة من الخارج، فإنها من الداخل اتخذت مساراً انحدارياً واضحاً. فخلال الآونة الأخيرة، أخذ الكرملين يبدي حذراً تجاه ازدياد تعاون الهند العسكري مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. ذلك أن بيع الأسلحة مازال ركناً ركيناً من استراتيجية السياسة الخارجية الروسية وقوتها الناعمة. والحال أن الحصة السوقية لروسيا في الهند أخذت تعرف تراجعاً تدريجياً خلال السنوات الماضية. وبالمقابل، فإن صفقات الأسلحة الأميركية الهندية تجاوزت 9 مليارات دولار. كما تعتزم نيودلهي إنفاق 250 مليار دولار إضافية خلال العقد المقبل لتعزيز دفاعها. وبالتالي، فقد أصبح واضحاً بالنسبة للكرملين أن الحصة الإجمالية للدول الغربية والولايات المتحدة، بشكل خاص، ستزداد وسط التراجع المتواصل للاحتكار الروسي الحالي. والواقع أن روسيا مازالت تُعتبر أحد المتنافسين الرئيسيين على طلب عطاءات لبناء رابع حاملة طائرات هندية، غير أن المسؤولين العسكريين الهنود باتوا يشعرون بالقلق بشأن التعامل مع روسيا بعد تضاعف كلفة حاملة الطائرات «آي إن إس فيكراماديتيا» ثلاث مرات وتأخر تسليمها عن الموعد المحدد بخمس سنوات. استياء نيودلهي المتزايد من الشراكة الثنائية وسعيها للتنويع يعملان على إدامة هذا التحول. ذلك أن الهند تحتاج لتحسينات وترغب في أن تجرّب مزودين آخرين، لكن موسكو ترى أن هذه الخطوات تؤثر على وضعها الحالي. وبالمقابل، يرغب الكرملين في إبطاء المسار الانحداري الوشيك في العلاقات الثنائية، إضافة إلى استعمال تأثيره على نيودلهي عبر استخدام «ورقة باكستان» بحذق. فمن خلال تعاملها مع باكستان، تترك روسيا نيودلهي أمام اختيار صعب: إما الوفاء بالتزامها الاستراتيجي تجاه روسيا وتقديم تنازلات أو رؤية تقارب روسي باكستاني يمكن أن يُضعف امتياز الهند العسكري. هذه المناورة الروسية تأتي انسجاماً مع استراتيجية السياسة الواقعية للكرملين التي أصبحت تقليدية خلال السنوات الأخيرة. ففي 2010، قال فلاديمير بوتين قولته الشهيرة: «إن روسيا لا تقوم بتعاون عسكري مع باكستان لأنها تأخذ في عين الاعتبار بواعث قلق الشركاء الهنود». والحق أن موسكو أبدت وعياً بالتنافس الهندي الباكستاني، غير أن تغير الوقائع الجيوسياسية دفع السياسة الخارجية الروسية إلى السعي لاكتشاف آفاق جديدة. ويبدو أن الكرملين كان موفّقا في اختيار التوقيت، فمؤخراً أخذت إسلام آباد تبدي حذراً بشأن تحالفها مع الولايات المتحدة، وباتت ترى أنه لا يمكن التعويل على البيت الأبيض، خاصة بعد الرفض الأميركي الأخير لدعم شراء باكستان مقاتلات «إف 16»، الذي ربما تسبب في مزيد من التباعد بين البلدين، مقابل صعود ممكن لروسيا إلى الواجهة، باعتبارها مزوداً بديلاً. لكن اللافت أن موسكو لا تبدو مستعدة لتسريع علاقاتها مع باكستان، وتحرص على الإبقاء على مسافة معها، مشيرة إلى أسباب أخرى لانخراطها الأخير مع إسلام آباد. فليس سراً أن روسيا قلقة للغاية من نمو «داعش» وإمكانية انهيار أفغانستان. ومن خلال تنسيقها الفعلي مع باكستان، يفترض أن تكون موسكو قادرة على وقف امتداد الجهاديين المتشددين إلى آسيا الوسطى مستقبلاً. ولا شك أن روسيا لن تصبح شريكة رئيسية لباكستان قريباً، وستظل مرتبطة مع الهند بعلاقات قوية، غير أن خطوة الكرملين تبعث برسالة قوية إلى إدارة مودي. وبالمقابل، فإن نيودلهي تبدو واعية ببواعث قلق موسكو الأمنية، لكنها تدرك أن الشراكة الروسية الباكستانية ستستمر في التطور، ما دام تعاون الهند مع الغرب مستمراً. *كاتب ومحلل سياسي مقيم في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©