الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بعض سبر الذات (2-2)

11 يناير 2010 00:03
أتساءل دوماً بكثير من الدهشة وكثير من الحيرة، ما الذي يجعل انساناً ما، شاعراً وآخر روائياً وآخر ناقداً.. حين ينشأ كل هؤلاء في بيئة اجتماعية واحدة ويتلقون ثقافة مدرسية واحدة ونمطاً تربوياً متقارباً بين جميع الأسر ومفاهيم قيمية متكررة يتم تناقلها من جيل الى جيل. وحتى الثقافة الذاتية تتشابه مصادرها بل تتوحد بين جميع هؤلاء الأدباء. اتساءل دائماً هل ثمة علاقة بين السرية والشعر، لأني لا أعرف كيف حدث أن صرت شاعرة وليس روائية أو ناقدة مثلاً. وحين أوغل في البحث لا أجد إجابة واضحة، ولا أتذكر تماماً لماذا أحببت الشعر دون غيره من أجناس الكتابة. فأقول، ربما هي القراءة السرية الغزيرة التي استغرقتني منذ صبا باكر جداً.. ربما انه سحر الكلام حين يكون شعراً وأنا كنت كالمأخوذ في حضرة الشعر.. وإلا، كيف تستطيع صبية على مقاعد الدرس، تتلقى معرفة اختارها الآخرون، ومعرفة محظورة تتلصص عليها في غفلة العائلة والتقاليد التي تعتبر الكتاب بالنسبة الى الفتاة خطيئة تقود الى الخطيئة.. فكيف بالخطيئة الكبرى التي هي الشعر! ورغم أني لم أحلم أو أتمنى أن أكون شاعرة أو كاتبة أو أي تصنيف يندرج تحت مسمى الأدب. فقط كنت مأخوذة ومسحورة بقراءة الكتاب المحظور حتى من قبل المدرسة التي ترى ان انشغال التلميذة بما يسمى “المطالعة الحرة “يشغلها عن حفظ الدروس ويضعف مستواها الدراسي!! هكذا كان التفكير العقيم -وما زال حتى اليوم- يجعل من الكتاب والقراءة عبثاً مفسداً. لكنهم ربما كانوا على حق، فقد (افسدتني!) المطالعة الحرة الى اليوم، حين نبهتني إلى معنى “المطالعة” بوصفها اطلاع على معرفة لم تسن قوانينها مسبقاً من قبل القائمين على السنن، وانتباه الى أن “الحرة” تعني الحرية في الخروج على السائد والساكن والمستبد. فمنذ الابتدائية الى اليوم كانت القراءة هي مربيتي ومرشدتي الى صراط يأبى أن يستقيم وفق مساطر الجموع! ومن طرائف الذكريات في المرحلة الثانوية، أنني كنت ارتدي نظارة شمسية دائماً، بحجة حماية عيني الملتهبة، وكنت أضلل بها المعلمة في الفصل حتى لا تعرف أنني استرق القراءة في كتابي المفتوح داخل الدرج، وبسبب النظارة الشمسية السوداء لقبتني زميلاتي بـ”طه حسين”! وفي مراحل الدراسة لم يكن الشعر طموحاً مدركاً.. إذ كنت اعتقد أنني سأكون مؤلفة مسرحية.. فمواضيعي التعبيرية في المرحلتين كانت تتسم بتعدد الأصوات والحوار.. وكانت تلك السمة تنبئ بالاتجاه نحو المسرح.. وقد لازمتني هذه الرغبة سنوات طوال قد تكون هي السبب في كتابتي مسرحيتي الشعرية التي احتواها ديواني الأول. ثم، بزغ الشعر محملاً بروح التأمل الفلسفي التي انغرست منذ صبا مبكر من قراءتي لأدب المهجر. الذي ترك ضلاله في تجاربي الشعرية الأولى. ولأن الشعر لم يكن بالنسبة لي خياراً أو وراثة، اعتقد دوماً انه كان استجابة للصوصيتي السرية على الكتاب، الذي كنت أخبئه تحت الفراش حتى يغرق البيت في نوم ساذج عميق، لأخرجه من مخبئه السري واقرأ على ضوء فانوس ضئيل حتى صباح يقظة الجميع، ثم أذهب كتلميذة نشطة إلى المدرسة. تلك السرية جعلت لي مزاجاً صامتاً وميلاً للعزلة والاختزال في الحديث. ولأن الشعر اختزال للغة وتكثيف سري للدلالة. بينما السرد تكثير للغة وكشف معلن للدلالة، كتبت الشعر ولم اكتب السرد. لعل هذا الترابط بين السرية والشعر هو ما يحيلنا الى الشاعرية.. لعل ...! hamdahkhamis@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©