الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصمود الفلسطيني··· واقع وأرقام

الصمود الفلسطيني··· واقع وأرقام
5 مايو 2008 03:46
فيما يحتفل الإسرائيليون هذا الشهر بمرور ستين عاماً على قيام دولتهم، ينتهز الفلسطينيون الفرصة لاستحضار الانهيار الكارثي الذي تعرض له مجتمعهم في العام ،1948 غير أن المسألة لا تقتصر فقط على تذكر الفلسطينيين للماضي بآلامه وشجونه، بل هي إشارة إلى استمرار الصراع من أجل تقرير مصيرهم والاعتراف بحقوقهم طبقاً للقانون الدولي، ومع ذلك فإنه من الخطأ النظر إلى الستين عاماً المنصرمة على أنها مجرد قصة كارثية وحزينة بالنسبة للشعب الفلسطيني، بل هناك أيضا لحظات للنجاح وبعض الإنجازات، وهي القصة التي تستحق أن تروى، الأمر مثير حقاً بالنظر إلى الدمار الذي تعرض له المجتمع الفلسطيني في العام ،1948 حيث أزاحت إسرائيل 400 قرية من الخريطة وانتزعت الأراضي من حولي 85 بالمائة من الفلسطينيين، ورغم كل المعاناة لم يكتفِ الفلسطينيون بالاستمرار في الحياة، وإنما حازوا أيضاً على الاعتراف الدولي بتطلعاتهم القومية بفضل إصرارهم المستميت على الدفاع عن حقوقهم والجهر بها دون كلل، هكذا قاوم الفلسطينيون سواء كانوا داخل إسرائيل، أو في الأراضي المحتلة، أو في الشتات ورفضوا الهيمنة الإسرائيلية التي كانت تسعى إلى تهميش وجودهم ودفعهم إلى غياهب النسيان، هذا الصمود الفلسطيني تجســـده بوضوح عائلـة ''ناصر'' -المسيحية التي تعرفت عليها منذ عدة سنوات- فالعائلة باعتبارها من سكان ''بيت لحم'' وتملك قطعة من الأرض تطل على المنطقة الغربية من المدينة شاهدت انتشار المستوطنات اليهودية من حولها مثل الفطر وقاومت المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاجتثاثهم من الأرض ودفعهم إلى الهجرة، وسواء تعلق الأمر بقطع الطريق أمام المستوطنين للزحف على أرضهم، أو رفع الدعاوى أمام القضاء، لم تألُ عائلة ''ناصر'' جهدا لتعبئة كافة مواردها للوقوف أمام الصلف الإسرائيلي، والأهم من ذلك وفي مسعى للدفاع عن وجودها حولت العائلة أرضها إلى مكان لاستقبال مخيمات اصطياف الأطفال، والتبادل الثقافي، واستضافة الزوار الأجانب، مدركين أن عليهم الصمود للحفاظ على أرضهم· الواقع أن انتصار عائلة ''ناصر'' ونجاحها في الثبات على أرض أجدادها، رغم المضايقات الإسرائيلية، إنما يعكس الصمود التاريخي للفلسطينيين ورفضهم القبول بوضعهم والاستسلام للقدر· ولعل الإنجاز الأهم في هذا السياق هو الانتفاضة الأولى خلال الثمانينات التي أظهرت للإسرائيليين بأن احتلالهم للأراضي الفلسطينية لن يمر بدون ثمن، فضلا عن إطلاع العالم على حقيقة السياسة الإسرائيلية القمعية، ويمكن الإشارة أيضاً في إطار الإنجازات التي حققها الفلسطينيون على مدى العقود الماضية ازدهار المجتمع المدني، حيث ساعدت مختلف التجمعات الثقافية والإعلامية والترفيهية داخل مخيمات اللاجئين على بث روح القوة والحيوية في المجتمع الفلسطيني وإمداده بأساليب المقاومة للاستمرار في البقاء وتحمل ضغوط الحياة، بفضل هذا التماسك الفلسطيني وتجذر ثقافة ممارسة النشاط السياسي استطاع الفلسطينيون تنظيم انتخابات أثارت في احترافيتها العالية وشفافيتها الواضحة حسد الكثيرين في العالم العربي· وبالاستناد إلى تقاليد ثقافية راسخة وحياة فكرية غنية، برز العديد من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين على الساحة العالمية في العقود الأخيرة، ليس فقط كمدافعين عن قضايا شعبهم العادلـــة، بل أيضا كشخصيات تحظى بتقدير كبير في مجالات اختصاصها، وإذا كان أحد أهم العراقيل أمام السلام هو إحساس إسرائيل بأنها تستطيع مواصلة سياسة الاحتلال والمصادرة دون احتجاج دولي بسبب ترويجها للرواية الصهيونيـــة في العالم، فإن ذلك اليوم بدأ يتلاشى بفضل عوامل عديدة منها القراءة الجديدة التي يقدمها للتاريخ ''المؤرخون الجدد'' في إسرائيل، وتطور تكنولوجيا الإعـــلام التي تنقل القمــع اليومي الممارس ضد الفلسطينيين، فكانت النتيجة تنامي التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني بعدمــا أصبحــت قضيتـــه حاضرة بقوة في أذهان الساسة، وذلك رغم المحاولات المتكررة لإقصائها وإبعادها نهائياً· لكن مع ذلك مازالت الكثير من العراقيل تواجه الفلسطينيين، لعــل أهمها الدعم الكبير الذي تحظى به إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، بحيث تطغى الرؤية الصهيونية على النقاش السياسي في الغرب الذي يتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم جماعة من السكان الأصليين يتعين عليهم إثبات بأنهم جديرون بتقرير مصيرهم، والتمتع بالكرامة والأمن، والحرية، ومع الأسف ساهم الفلسطينيون أنفسهم في إعاقة التقدم من خلال تحويل الزخم الذي أفرزته الانتفاضة الأولى إلى مؤسسات بيروقراطية تجسدت في السلطة الوطنية، فضلا عن الانقسامات المريرة بين الفصائل والصراع بين ''فتح'' و''حماس''، يضاف إلى ذلك تراجع الوفاق السياسي بين الفصائل الفلسطينية حول المقاومة المنضبطة وتفشي روح تصفية الحسابات من جهة والفساد من جهة أخرى، فضلا عن تدخل أطراف أجنبية زادت من تعقيد الوضع، وسيجني الفلسطينيون مكاسب كبيرة سواء على الصعيد السياسي، أو الأخلاقي إذا اتفقوا على عدم استهداف المدنيين الإسرائيليين، وتوسيع المقاومة لتنزل إلى القواعد الشعبية وتفتح المجال لمشاركة فئات واسعة من المجتمع· واليوم بعد مرور ستين عاماً على قيام إسرائيل يتعين أن نقف إجلالا للفلسطينيين ونحيي صمودهـــم عبر الأجيال الذي تجســـده عائلة ''ناصر''، فرغم التضييق ومساعي التهجير استمرت الأسرة جيلا بعد آخر تصارع الحواجز ونقاط التفتيش وتغرس أشجار الزيتون تحت ظلال المستوطنات اليهودية· بين وايت كاتب وصحفي أميركي مختص في شؤون الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©