الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لغة الروشنة» تهدد العربية «نفض ذنيك ومسِّجلي»

«لغة الروشنة» تهدد العربية «نفض ذنيك ومسِّجلي»
15 يونيو 2009 00:49
الجزر اللغوية المنتشرة داخل المجتمع العربي والمعبرة عن انعزال الأفراد عن بعضهم البعض من أهم المشكلات التي يواجهها المواطن العربي، حيث تحولت اللغة واللهجة واللكنة من أداة تواصل إلى أداة تمييز وأصبح الفرد العربي يجتهد في استحداث لغة تميزه حتى لو أدت إلى إعاقة تواصله مع من يتلقون رسالته اللغوية مثلما هو واقع الآن فيما يعرف بلغة «الروشنة» التي انتشرت بين جيل الشباب العربي بلا قواعد. وحول ما أصاب اللغة العربية وتحورها وأسباب ظهور لغة «الروشنة» أعد الدكتور هيثم الحاج علي، أستاذ اللغة العربية بجامعة حلوان، دراسة بعنوان «لغتنا المشتركة من مكر مفر إلى روشن وطحن» كشف فيها عن خطورة ما تواجهه اللغة العربية. وقال الحاج علي إن اللغة في أصل نشأتها تقوم على عشوائية اختيار الأصوات للتعبير عن دلالات معينة مما أدى إلى اختلاف اللغات غير أن هذه العشوائية يتم التحكم فيها عن طريق اتفاق اجتماعي اصطلاحي على أن كل لفظ يؤدي معنى لكي تؤدي اللغة وظيفتها الاتصالية. مواكبة العصر وحدد القواعد التي تتحكم في تطور أي لغة وهي مواكبة العصر، حيث تبزغ مع الاكتشافات والاختراعات الجديدة الحاجة إلى استحداث ألفاظ للتعبير عن جديد هذا العصر عن طريق اختراع ألفاظ جديدة مثل كلمة «المذياع» أو تطوير لفظ قديم ونقله من معناه الأصلي إلى معنى جديد مثل كلمة «القطار» التي هي في الأصل جمع قطرة ومعناها القطرات المتتابعة وتم نقلها عند اختراع القطار للتعبير عن آلة النقل. وأضاف أن الاحتكاك بالثقافات الأخرى قاعدة مهمة لتطور اللغة، حيث يؤدي إلى انتقال تعبيرات من وإلى اللغة بالصورة التي تبدو فيها التعبيرات المنتقلة بعد فترة وكأنها من أصل اللغة مثل كلمة «طبلية» في العامية المصرية المستعارة من كلمة Table بالإنجليزية والأمر نفسه في العديد من اللغات الأجنبية التي استعارت من العربية ألفاظاً عديدة مثل كلمة «اميرال» الأوروبية والتي أصلها «أمير البحر». ولفت الحاج علي إلى أن القاعدة الأساسية الحاكمة لمبدأ الاستعارة هي قوة الثقافة وضعفها، فحين تكون اللغة قوية تؤثر على اللغات الأخرى وحين تضعف أو تنهار تكون أكثر ميلاً إلى الاستعارة، وهو ما يقود إلى القاعدة الثالثة في تطور اللغة وهي الميل إلى السهولة، حيث إن مستخدمي اللغة يحتاجون إلى اجتياز أيسر السبل للتعبير والتواصل دون معاناة، ولهذا نجد الميل إلى التخلص من تشكيل أواخر الكلمات الأمر الذي يؤدي إلى تهميش دور النحو تماماً في هذه اللهجات والتخلص من الأصوات والحروف الصعبة مثل الصاد والضاد والقاف وتعديلها إلى أصوات اخرى يسهل نطقها. «شيفرات» التواصل أوضح الحاج علي أن في كل لغة مجموعة من «الشيفرات» التي يتوافق عليها أصحاب الحرف أو الجماعات، ففي العربية نجد لغات خاصة بأصحاب حرف كالصائغين والمنجدين مثل كلمة «يافت» عند الصائغ وتعني أصلي، وهناك «شيفرات» قائمة على اللعب بالحروف داخل الكلمات، وهي الطريقة المنتشرة بين جماعات اللصوص وموسيقى الأفراح، فالمجتمع الأول يعتمد في «شيفرته» على حذف أول حرف من الكلمة ثم وضع حرف السين بدلاً منه ثم يعوض الحرف المحذوف بكلمة أخرى تبدأ به مثل «سلوس فلة» وتعني فلوس، و«سربية عايط» أي عربية. وأكد أن هذه اللغات و«الشيفرات» ظلت حبيسة الجماعات إلى أن حدثت تطورات اجتماعية أدت إلى ظهور هذه اللغات على سطح التعامل اللغوي نتيجة صعود فجائي وغير مبرر لكثير من أبناء هذه الطوائف مع سيادة قيم الشطارة والفهلوة، وهو ما ساهم في انتشار هذه النوعية من التعاملات اللغوية التي تطورت إلى لغة «الروشنة» بين الشباب. وقال إن «الروشنة» يستخدمها جيل كامل من الشباب يتسم بالإحباط نظراً لما طرأ على المجتمع من قيم الوساطة ونسبة كبيرة من هؤلاء الشباب تعاني اليأس وعدم الثقة بالخطوة المقبلة وفقدان القضية، بل إن معظمهم يعولون على فرص السفر والهرب إلى الخارج وضياع الأمل في العمل والحياة الكريمة، وهي عوامل تجعلهم يحاولون التخلص من كل رابط يربطهم بالمجتمع وأهم هذه الروابط اللغة، فضلاً عن عوامل اخرى ترتبط بصعوبة مناهج تعليم اللغة العربية في مدارسنا والاهتمام باللغة الإنجليزية على حساب العربية وانفتاح الشباب على الفضائيات وشبكة الإنترنت وزيادة الفجوة بين الشباب وآبائهم ورغبة كل جيل في انتقاد الآخر. لغة «الروشنة» أشار الحاج علي إلى أن هؤلاء الشباب يلجأون إلى وسائل لصناعة وتحديث لغة «الروشنة»، وهي الوسائل التي تستخدمها أي لغة لتطوير نفسها وأبرزها الاستعارة من لغات أجنبية وبالتحديد الإنجليزية التي يستخدمونها في مجال الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت ويقومون بتطويع اللغة الأجنبية للصياغة العربية لتتحول إلى ما يشبه الكلمة العربية مع احتفاظها بحروفها المعبرة عن أصلها مثل كلمة «يشيت»، أي يقوم بعمل Chat ـ محادثة ـ أو كلمة «يمسچ» أي يقوم بإرسال Masage، وهناك النحت من ألفاظ قديمة واستحداث صيغ غير مستخدمة من قبل لدمج لفظين أو أكثر للتعبير عن معنى واحد مثل كلمة «يكلسن»، أي يقول كل سنة وأنت طيب. وأضاف أن هناك النحت الخالص، وهو واحد من أهم روافد لغة «الروشنة»، حيث يتم استحداث لفظ جديد ليؤدي معنى متداولاً ويتسم هذا الرافد بالعشوائية، حيث لا يتم استقرار اللفظ إلا بعد انتشاره بين مجتمع المتحــــــدثين ومن أمثلة هذا النوع كلمة «يروشن»، أي يخرج على المألوف، و«يهيس» أي يقول كلاماً غير مفهوم، و«يأنتخ» أي يتكاسل عن فعل شيء. وهناك أيضاً توسيع دائرة المجاز التي تعد من أهم عوامل تطوير لغة الشباب لصناعة لغة خاصة بهم ومنها «نفض» ومعناها تجاهل وتقوم على تشبيه الكلام غير المرغوب فيه بالغبار الذي يدخل الأذن وأن على المستمع أن ينفض أذنه منه. وطالب بالوقوف على الأسباب التي جعلت الشباب يعبرون عن أنفسهم بهذه الطريقة لغوياً دون أن نبرئ أنفسنا لكوننا أحد هذه الأسباب وضرورة مراجعة مناهج اللغة العربية في مدارسنا وتقريبها إلى روح العصر ومحاسبة الهيئات المنوط بها تطوير اللغة ومراجعة آليات عملها لتخرج من عزلتها وتعيد إلى العربية فاعليتها بوصفها مكوناً أساسياً للهوية وسد الهوة المتنامية بين الشباب والأجيال السابقة، أما أن نكتفي بوصف هذه اللغة بأنها جريمة أو إساءة أدب فهذا ليس هو الحل.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©