عندما كنت طفلة صغيرة في الحادية عشرة، ألهو وألعب سواءً في المدرسة أو المنزل، وفي يوم من الأيام، إذا بصديقتي تدفعني من غير عمد عن الأرجوحة التي كنت ألعب عليها، لأسقط بكل قوة على الأرض، وأصاب بجروح بالغة، تألمت كثيراً، وجلست أبكي إلى أن اتصلت إدارة المدرسة بأمي، رحمها الله، التي جاءت مهرولة ومذعورة من الموقف الذي جرى لي، ذهبنا إلى المستشفى للعلاج، ثم عدت إلى المنزل بعد يوم طويل، وأنام في حضن أمي، ولكن طوال ما كنت نائمة كنت أتمتم قائلة: «لن أسامحك يا مريم لأنك دفعتِني بقوة، لن أسامحك حتى لو كنت لم تقصدي، شوهتِ وجهي ودمرتِ جمالي!».
ضحكت والدتي وتركتني أنام، وعندما استيقظت سألتني بكل حب وحنان: «من الذي دفعك في المدرسة يا ريا؟» فأخبرتها: لقد كانت صديقتي مريم، لن أسامحها يا أمي، فقد تسببت بأضرار وخيمة لي، وكدت أن تنامي من دون ابنتك يا أمي! حضنتني أمي بقوة وقالت لي: «الله يبعد الشر عنك يا ريا، بنيتي الحبيبة، هل رأيتني حملت غلاً على أحد؟» قلت لها: «أبداً، ما رأيتك إلا محبة للجميع، وتتسامحين عن أخطائهم». ردت علي: «إذاً أما يجب على الابنة الصالحة البارة أن تسمع كلام أمها، وتتخذها قدوة لها، وتعفو عمن ضرها وتصفح عنه، وتذكر حسناته قبل سيئاته؟» استحيت من نفسي وخجلت كثيراً، ووعدت أمي منذ ذلك اليوم بأن لا أجرح أحداً وأعفو عن كل من يمسني بضرر، وزارتني صديقتي مريم بالمنزل، واطمأنت عليَّ، وعادت صداقتنا من جديد. نعم تلك أهمية غرس حب الناس والعفو عند المقدرة والتسامح مع أحبابنا، فكم من إخوة قاطعوا إخوتهم أو أصدقاءهم أو أحبابهم لسنين عجاف ولم يجدوا من يصلح ذات بينهم، ووقعوا في فخ الخصام متناسين قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...)، «سورة الحجرات: الآية 10». العفو عن الناس من الخصال الحميدة التي يتوجب علينا نحن جميعاً التحلي بها، لما فيها من آثار اجتماعية إيجابية، تؤدي إلى خلق مجتمع متسامح متكافئ متعاون، لا يحمل الفرد فيه البغض والكراهية للآخر، وأختم مقالتي ببيت شعري، ذكره أحد الموجهين التربويين الحريصين على زرع مبدأ العفو عن الناس، حيث تحدث عن خصال الكرام التي يجب أن تحفهم خصلة العفو عن الناس، فقال:
إن الكرام إذا صحبتهم أخفوا القبيح وأظهروا الحسنا
عدد اليوم
