الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غواصات في «بحر الثقافة»

غواصات في «بحر الثقافة»
6 مارس 2014 12:07
الشموع المتراقصة في ضوء المساء وطاقات الورد التي تحيط خصر المكان، كما يحيط عريس خصر عروسه في حلبة رقص، دلتني على مكانهنّ وأخذتني إلى أصواتهنّ. لم يكن ذلك المساء الظبياني في الحسبان حين مضيت إلى «بحر الثقافة»، الصالون الثقافي للشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان الذي يلتئم في العاصمة أبوظبي كل شهر تقريباً، والذي بات معلماً من معالم الفعل الثقافي المنحاز إلى الإبداع الروائي. بالطبع، كنت أتوقع مساء جميلاً وثرياً صحبة مجموعة من السيدات المهمومات بالثقافة وشؤونها.. كنت أتوقع نقاشاً صاخباً تتصادم فيه الأفكار وتتصارع الرؤى، ففوجئت بأنني أمام حلقة نقاشية تدير الكلام على هوى المحبة. خمس وثلاثون امرأة، من مشارب شتى، جمعهن شغف المعرفة، وحب القراءة، ونسجت المحبة شالها بينهنّ. جئن إلى «البحر» يبحثن عن الدرّ الكامن فيه.. يغصنَ بين الحروف والكلمات ليصطدن ما خفي منها. يتحلقن في كل شهر مرة، حول رواية ما قرأنها لكي يناقشنها، مبرزات ما لها وما عليها.. في أجواء حميمة، في طقس جمالي أخاذ لم تصنعه الشموع والورود وما تحمله من دلالات الرومانسية فقط، بل صنعته أرواحهن القادرة على حب الآخر، وتذوق الجمال، والإصغاء إلى ما فيه من عذوبة.. وحين ترتقي الروح وتذوق المحبة ترتقي الذائقة وهي ترتشف الجمال في كل شيء. جمال الأرواح نادرات في جمالهنّ الثقافي بَدَوْنَ لي. لا مكان هنا لغيبة ولا نميمة.. محبة طافحة للكاتبة والرواية وحفاوة بالغة بإنجازها الذي اعتبرنه إنجازاً للمرأة الإماراتية. حضورهن الفاغم في مناقشة تفاصيل التفاصيل لم يقلّ أهمية، في تقديري، عن حضور المرأة المميز في الرواية نفسها. أما جمالهنّ الروحي فطغى على كل ما عداه من جمال. هنا، تتوهج جماليات القلب وتزدهر عطور لا تمت بصلة إلى (ماركات) العطور المعروفة، عطور من نوع آخر، تبث عبقاً من الداخل.. عطور الوعي الساكن في تلافيف الذاكرة أو المسافر في مدارات المعنى إلى حيث ترتاح الكتابة بين أصابع الكاتبة مريم الغفلي، التي كانت روايتها «نداء الأماكن - خزينة» محور حديث صالون «بحر الثقافة». لا مجال في الكتابة عن هذا الجمع النسوي الجميل لبدء وخاتمة. فكل بداية هنا تصلح خاتمة هناك، والعكس صحيح. تبدأ إحداهن القول وتهديه للأخرى.. وبينما كان «الميكروفون» ينتقل من يد إلى يد، كانت عيناي تتنقلان بينهن.. أتابع تعبيراتهن الفائضة بالود العميق. هنا النقد لا يجرح، بل يقال بكل ما يمكن من المحبة والاحترام لتجربة الكاتبة.. هذا نقد المُحِبّات إن جازت لي العبارة، يتواضعن كثيراً وهن يبدين ملاحظة هنا أو هناك واضعات الكلام بين قوسين في صيغة (هذه وجهة نظري) أو (هذا رأيي).. هكذا، بأريحية واضحة يتقبلن بعضهنَّ. يشددنَ أزر الكلام ليبوح بالحنين الغافي بين الحروف.. يطلقن عصافير البوح لتلتقط حبوباً تناثرت من الذاكرة.. كل واحدة منهنَّ وجدت في الرواية ما يذكرها بشيء ما.. قصة، حكاية، مكان ينهض من أدغال الحنين.. وجه يطل من مجاهل النسيان.. الحاضرة الكبرى في كل هذا كانت هي الإمارات.. الإمارات تبدّت بكل موروثها وميراثها.. برمالها وصحرائها وغافها وطيورها وتهاليل الأمهات للأطفال كي يناموا.. الإمارات/ الأرض والإنسان بشوقه وتوقه وسماحته وحبه اللامحدود للحياة.. الإمارات ببساطتها المعلنة التي تتسرب على شفاههن مثل أغنية عذبة يرددها العاشق في ليل الصحراء الدامس، يسلّي بها الروح ويستعين على وجع الفرقة بوجه الحبيبة... بتعويذة قديمة بالغت في التجلي وحضرت بكل أبهتها ورونقها... الإمارات بلهجتها المحكية التي أضافت إلى خزينهن المعرفي ملفوظات أخرى، ودلالات تتواتر ثم تتوزع في دوائر المعنى، مثل أسراب النوارس في صباح شتائي دافئ. تأجيج الحنين هنا فاتحة للكلام تستعير من الرواية عنوانها لتسقطه على هذه الجلسة وأجوائها الساحرة، تقول فيها الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان: «الأماكن تنادي أحبتنا... لتجمعنا في أماسٍ أدبية... حافلة بالرؤى والأفكار... متألقة بالإبداع... معطرة بأحاديث المحبة والأدب... فأهلاً بكنَّ أخواتي في أمسية جديدة من أمسيات «بحر الثقافة» ونحن اليوم نعيش معاً ليلة بنكهة إماراتية خالصة... تختلط فيها عظمة تاريخنا مع ثقافة حداثية واعية... لتخرج لنا منتوجاً أدبياً وفكرياً رائعاً. وكم أشعر بالفخر والسعادة في هذه الأمسية الفريدة المتفردة لأننا سنناقش رواية إماراتية لكاتبة إماراتية متميزة... وهي عضوة متألقة من عضوات صالون «بحر الثقافة». وإذ ترحب الشيخة روضة بالروائية مريم الغفلي، معبرة عن سعادتها بها وبإبداعها، وعن سرورها بهذه النخبة المتميزة من المبدعات الإماراتيات اللواتي يثبتن تميز المرأة الإماراتية فكرياً وثقافياً، تؤكد أن الكاتبة مريم الغفلي «أبدعت بحرفية الصانع الماهر... وشفافية الفنان المبدع... أدباً ترصعه إنسانيات المشاعر الدافقة... ركزت على علاقة الإنسان بالمكان، بدءاً من «طوي بخيتة» ومروراً بـ «بنت المطر» وانتهاء بالعمل الذي نفتح خزائنه الليلة وهو «نداء الأماكن - خزينة». رواية «نداء الأماكن - خزينة» هي رواية تفيض بالمشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية... تعكس واقع الحياة الإماراتية، وتركز على أهم المخاطر الاجتماعية والسياسية التي يعانيها المجتمع الإماراتي من التطرف والإرهاب والخيانة... كما تواكب هذه الرواية مسيرة الحداثة والتطور من خلال شخصيات نسائية متنوعة بدءاً من (خزينة)، تلك المرأة الإماراتية الصلبة وانتهاء بـ (سارة) تلك المرأة الإماراتية المتفتحة، المواكبة لكل إبداع فني والتي عكست تطوراً فكرياً وثقافياً لشخصية المرأة الإماراتية. فكنا أمام رواية نسائية بأبطالها... واقعية بأحداثها... شفافة بمشاعرها... راقية وساحرة بأسلوبها الأدبي المتميز... فجاءت عباراتها متناغمة تلامس مشاعرنا... وتعزف العبارات ألحانها على أوتار قلوبنا... أشعرتنا بالحنين لكل الأماكن في إماراتنا... وأججت فيض مشاعرنا وحبنا لأوطاننا». مع حديث الشيخة روضة وهدوئها، عرفت سرّ المحبة التي توثقت عراها بين عضوات الصالون، لا شك أن هذه الإنسانة تضفي السحر على أرواحهنَّ، على حد تعبير الكاتبة والزميلة السعد المنهالي، التي أدارت النقاش بتمكن، وكان لتعليقاتها وتوضيحاتها وأسئلتها و«قفشاتها» الحلوة أثر في إشاعة جو من المرح والحبور. من المستحيل عرض ما قالته قرابة (60) امرأة شاركن في الجلسة النقاشية.. لكن من الممكن عرض أهم ما أثرنه من قضايا وما طرحنه من أفكار، بعد أن تواترت على ألسنتهن جميعاً عبارات الإعجاب التي لا مجال لتكرارها. شخوص ومواقف بدا خلال الجلسة ما يشبه الإجماع على أن الرواية واقعية، شخصياتها كتلك الشخصيات التي تعيش بيننا، بعضهن ذكرن أنهن يعرفن الشخصيات أو سمعن عنها من أمهاتهن. بعضهن فصَّلن في مدلولات هذه الشخصيات، حضورها الاجتماعي، موضعتها داخل النص، توظيفها لتقول «رسائل» فكرية واجتماعية وإنسانية هادفة، نجاح الكاتبة في رسم ملامحها الخارجية والداخلية. بعضهن أشرن إلى الشخصيات التي أحببنها وتلك التي يرين أنها لم تأخذ حقها في العمل. كان تعاطفهن واضحاً مع (سارة) التي عانت من شك زوجها، وذاقت مرارة فراقه وغيابه. أما (غبيشة) فاستحوذت عليهن وبدت في الرواية مثل نسمة باردة تخفف من شدة إيقاع الحزن، وحملت على عاتقها مسؤولية إضفاء روح المرح على الرواية، كي لا يملّ القارئ، فضلاً عن كونها نموذجاً للوفاء. وأما شخصية غانم، فراوحن في مواقفهن منه، بعضهن تعاطفن معه لاسيما في معاناته الطفولية، وأخريات اعتبرنه شخصية معقدة استطاعت الكاتبة أن تصور معاناتها الداخلية والنفسية والاجتماعية بوعي. وغانم هذا، هو شخصية رئيسة في الرواية، يعيش ظروفاً صعبة في طفولته، بعد أن تركته والدته، وعاش في كنف جدته التي تعلق بها ثم قادته دروب الحياة إلى التطرف لكنه سرعان ما اكتشف خطأه، فعاد إلى رشده وإلى مسقط رأسه في العين، لترسم الكاتبة هنا مشهداً وصفياً ساحراً، وموقفاً من أكثر المواقف الدرامية غناءً وثراءً، كما قالت المتداخلات. ومن الشخصيات التي حظيت بالنقاش شخصية (سيف) الأخ المجهول، والذي بدا ظهوره في نهاية العمل مقحماً، غير مبرر، كأنما حضر فقط لكي يقول إن شك غانم في سارة لم يكن في محله. عالجت الرواية عدداً من القضايا الاجتماعية لعل أبرزها قضية «التطرف الديني» التي وجدت عناية من المشاركات في الندوة، وأشدن بمعالجة الكاتبة لها، بالإضافة إلى: الشك بين الزوجين، الطلاق وما ينجم عنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، التعايش مع الأديان الأخرى وتقبل الآخر، العنصرية في النظر إلى الأصول، الاغتراب داخل الوطن الذي يعيشه الإنسان داخل مجتمعه، بسبب ابتعاده عن الإطار المرجعي العام الذي اتفق عليه المجتمع. كما حضر المكان الإماراتي بوضوح في تفاصيل السرد، فالرواية تجسد علاقة الإنسان بالمكان، ما دفع الحاضرات إلى تكرار السؤال: هل تسكننا الأماكن أم نسكنها؟ ليخلصن إلى أن الأماكن تسكننا فعلاً، وأننا حين نرجع بذاكرتنا إلى الطفولة أو إلى الوراء لتذكر حدث ما دائماً ما يكون البطل هو المكان الذي حدثت فيه القصة أو الذكرى. وقد وجد هذا المفهوم ترجمته في الرواية بمنتهى الوضوح ليس فقط من خلال العنوان بل من خلال الكتابة عن المكان، وأسلوب السرد الجميل الذي قالت إحداهنّ إنه أدخلها في حياة الإماراتيين وبيوتهم، حتى إنها كانت تشم عطر سارة وخزينة. لكن الفكرة الأهم والأعمق في الرواية والتي كانت تلح عليها باستمرار خلال القراءة، هي: كم لدينا من نعم كثيرة، نتمتع بها، ولا نعرف قيمتها، وهذا للأسف ما حدث مع غانم. وفي تعليقاتهن التي لامست التقنيات الكتابية في الرواية، والأغراض والمرامي التي هدفت الكاتبة إلى تحقيقها من روايتها قيل الكثير عن الأحداث والغايات، وبسبب الحماسة أطلقت أحكام معيارية من نوع رواية رائعة، رواية جميلة، رواية متقنة على صعيد السرد والأسلوب والخيال، رواية متقدمة تنبئ عن خبرة الكاتبة ووعيها النقدي ومرجعيتها الثقافية العميقة، أما الثراء الذي تتميز به الرواية على صعيد المعارف النظرية وتوظيفها فهو راجع – حسب إحدى المتداخلات – إلى قراءاتها المتنوعة، فهي قارئة نهمة وتملك القدرة على توظيف معارفها في النص. لكن ذلك لم يمنع بعضهن من القول بأن العمل الروائي ينبغي أن يعبر عن الاختلاف في المجتمع الإماراتي، وأن يثير في القارئ الجدل والرغبة في البحث والتفكير.. فالقارئ حين يقرأ رواية لا يكتفي بفكرة الكاتب فقط أو بالسياق الذي عالج فيه العمل الروائي فكرة ما. فضلاً عن الإشارة إلى هِنات صغيرة في العمل منها: أن الرواية عانت في نصفها الأول من بطء في الخط الدرامي ونقص في جزئية الحوار الثنائي وتلاقي شخصيات الرواية معاً، فبدا الأمر وكأنه نوع من انفراد كل شخصية بذاتها، وربما تم تجاوز ذلك في النصف الثاني من الرواية التي تألقت إلى حد بعيد في وصف عودة غانم إلى بر العين وواحاتها التي تربى فيها صغيراً. كما أن وفاة أمل لم يتم توظيفها جيداً في السياق الدرامي، وفق بعض المداخلات. وحظيت اللغة المستخدمة في الرواية باهتمام واضح من المشاركات في الصالون، وتطرقن إلى جمالياتها المختلفة مبديات إعجابهنّ برشاقة العبارات وكثافتها. وتكرر خلال الأمسية اقتطاف بعض العبارات التي وردت في الرواية باعتبارها عبارات، أعجبتهن، سواء من حيث الصياغة أو من حيث المعاني التي تنطوي عليها، من ذلك: «ربما تشيخ الأماكن كما يشيخ البشر»، و«ليتنا كالأسماء لا يغيرنا الزمن» و«للصمت أحياناً ضجيج يطحن عظام الصمت». وذهبت إحدى الحاضرات إلى أن مريم الغفلي مشروع كاتبة روائية إماراتية ناجحة، ومن هنا تمنت عليها أن تكون هذه الرواية هي الجزء الأول من سلسلة أجزاء أخرى، على غرار مدن الملح لعبد الرحمن منيف، فأجابتها مريم: «لا أعتقد أن لديّ هذا النفَس لكي أستمر في كتابة أجزاء متسلسلة لكن الروايات المقبلة ستدور في نفس النسق، البيئة والمجتمع والماضي». مشاهد مؤثرة وتوقفت المشاركات في الصالون عند مشهدين مؤثرين هما: مشهد الطفل غانم حين تركته جدته وحيداً على التلة، في مكان خال، ومشهد وفاة أمل معتبرات أنهما لحظتان مهمتان روائياً، وأن الكاتبة وفقت في توظيف الكلمات والجمل والأجواء لتعكس الحالات النفسية والشعورية التي يعيشها الإنسان في حالات كهذه. فضلاً عن كونها وصفت غرفة تغسيل الأموات، ومشهد الغسل، بشفافية، وبتوتر غير اعتيادي من دون أن تعيش هذه التجربة عملياً، حسب ما أوضحت، بل فقط من خلال استحضار ما اختزنته الذاكرة من الأحاديث والكلام عن الموت. ورأت إحدى المشاركات في «مريم/ الروائية» إنجازاً للصالون الذي أنتج هذه الكاتبة والأديبة الموهوبة، وطالبت بأن يتم تحويل الرواية إلى عمل تلفزيوني لكي يرى الشباب الحقيقة ولا يقعوا ضحية الجهل. وفيما عبرت إحداهنّ عن كونهنّ فخورات بمريم ككاتبة وروائية إماراتية، أشارت ثانية إلى أن ما تقوم به مريم من توثيق للمأثور والتراث الإماراتي ووصف للحياة والأماكن يعتبر «مهمة وطنية». وأبرزت الحاضرات جماليات استخدام الموروث الشعبي في الرواية، التي أضافت لهنّ معرفة بالمحكية الإماراتية ومفرداتها وتنوعها، فضلاً عن أن كل عبارة بها، أي الرواية، تقول هنا الإمارات، وتعكس وفاء الكاتبة لمكانها وهويتها وذاتيتها الثقافية. ما يجعل من روايتها رواية دافئة بمعنى الكلمة ورواية تراثية بامتياز. وأجمعت المتداخلات على أن أسلوب الرواية كان جذاباً، سلساً، بسيطاً رغم أنه يعالج قضايا عميقة، وأن عباراتها تدخل إلى القلب. لافتات إلى جمال السرد، وتناسقه، وتمكن الكاتبة من تقنية استخدام (الفلاش باك) والتعامل معه بمهارة، بحيث لا يأخذنا بعيداً عن الحدث الروائي ولا يشتتنا في متاهات جانبية. ورأت إحدى المتداخلات أن الرواية جاءت مجسدة لواقع المجتمع الإماراتي خاصة في ما يتعلق بعلاقات الأسرة والجيران. مسلطة الضوء على القضايا الدخيلة على مجتمعنا مثل «التطرف» التي لم نعهدها من قبل. فالدين عبارة عن تربية وأخلاق وعبادة ولم نعهده سبباً للتفريق والتخريب والتحريض. وذهبت أخرى إلى أن مريم تجمع للقارئ جانبين: متعة المعرفة والتعلم والبحث من جانب، ومتعة التذوق والاستمتاع والتأمل في السياق الأدبي والروائي من جانب آخر، لتضيف: «هذا - برأيي - ما يثري مؤلفات مريم الغفلي ويعطيها ميزة كونها أعمالاً أخذت على عاتقها تحقيق هدف كبير ومثالي ألا وهو حفظ الموروث التراثي الإماراتي، خاصة غير المدون، وهي ميزة تحسب بقوة للمؤلفة التي نجحت وبتفوق في اختزال وحفظ الموروث ونقله وإعادة صياغته بأسلوب روائي احترافي لنقله إلى الجيل المعاصر والأجيال المقبلة، سواء الإماراتية أو العربية.. ونتمنى خارج النطاق العربي في حال تمت ترجمة الرواية إلى لغات أخرى». رواياتي.. بناتي مريم الغفلي، التي أجابت على الأسئلة وأوضحت الكثير حول الرواية، وظروف كتابتها، قالت أشياء كثيرة جميلة عن علاقتها بالكتابة، وعن الطريقة التي تسلكها في هذه الممارسة الإبداعية، ووصفت رواياتها بأنهن «بناتها» معتبرة أن رواية «نداء الأماكن – خزينة» هي الأحب إليها رغم أنها أتعبتها كثيراً، حيث كتبتها ثلاث مرات لأسباب مختلفة، وكشفت عن أن الرواية بقيت في بيتها لمدة سنة لا تجرؤ على إخراجها للعلن إلا بعد أن اطمأن قلبها، ولقيت تشجيعاً من أحد النقاد ومن الناشر نفسه. وعن العنوان الذي وجد هوىً لدى المتداخلات، ونسجت كل واحدة منهنَّ عنه موقفها الخاص من الأماكن التي تناديها، قالت الغفلي إن «خزينة» الجدة، تحيل في الوقت نفسه إلى الأرض. وإن الأماكن تنادينا لكن من يسمع نداءها هم أولئك المرتبطون بها، المتصلون بروحها، الذين يرتبطون بها بوشائج عميقة، تجعلهم يعيشون على وقع نداء داخلي يخبرهم بأن الأرض هي كنزهم النادر، ذلك أن لفظة خزينة تعني الكنز النادر. وعن منطقة (معيشيج) التي لفتت انتباه المشاركات في الصالون، لا سيما لجهة الوصف الجميل الذي قدمتها الكاتبة من خلاله، ونجاحها في توظيف الدلالة المكانية والدلالة الوجدانية لهذا المكان، قالت الغفلي: «هي منطقة جميلة جداً تقع على طريق العين - دبي، وهي عبارة عن وادٍ يمتلئ بأشجار الغاف، يعشقه الإماراتيون وله في قلوبهم وذاكرتهم مكانة خاصة. ويتميز، بالإضافة إلى قربه من منطقة الآثار التاريخية، بكونه مكاناً للاصطياف نظراً لبرودته حيث تنخفض درجة الحرارة فيه أحياناً إلى خمس درجات مئوية في الشتاء». وعن «الزقزاق الهندي»، أشارت إلى أنه طائر محبوب بالنسبة إليها، رغم أن بعضهم يتشاءم منه، ويطلقون عليه اسم طائر الطيطوى أو النعاب، وقالت: «أنا أحبه لأنه صديق البيئة، وقد اختفى فترة ثم عاد مرة أخرى مع جهود العناية بالبيئة في الدولة». وأوضحت أنها تكتب العمل مرة واحدة في ما يقارب الخمسين صفحة، ثم تبدأ تبني عليه، وتضيف وتحذف وفق مقتضيات الحدث الروائي وضروراته، وقالت إنها استخدمت تقنية (الفلاش باك) أي الاسترجاع لأنها وجدتها الأفضل والأصلح للعودة إلى الماضي، مع الحرص على أن لا يخل بالعمل الروائي لأنه أحياناً يقطع تسلسل الحدث. أما عن النهاية التي أسعدت الحاضرات وأثلجت صدورهن، فأشارت إلى أنها كانت حاضرة في ذهنها منذ بدأت في كتابة الرواية، وأنها لم ترغب في التطويل أكثر ولجأت إلى التكثيف السردي لأن هناك بعض الأحداث والأمور التي أرادت أن تضمنها في الرواية، وفي حال لم تسلط عليها الضوء في هذا العمل فقد لا تناسبها رواية أخرى. وألمحت الغفلي إلى أن الرواية فعل تراكمي، متمنية أن تكون الروايات المقبلة أفضل وأجمل. بقيت الإشارة إلى أن مريم الغفلي نموذج حيّ على أن وراء كل امرأة مبدعة وناجحة رجلا متفهما ومتحضرا، فزوجها هو الذي شجعها على النشر ولولاه لظلت كتاباتها حبيسة الأدراج، وهو أول قارئ لأعمالها والناقد الحقيقي لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©