الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مراسلو الحروب... ضحايا من أجل الحقيقة

27 فبراير 2012
قمتُ وماري كولفن بتغطية حربنا الأولى معاً في 1986 بعد أن قامت الولايات المتحدة بقصف ليبيا. كانت في الثلاثين، جميلة وطموحة وموهوبة. وسرعان ما كسبت ثقة القذافي ومساعديه وحولت قصص السبق الصحفي الذي حققته لصالح وكالة "يونايتد برس إنترناشيونال" إلى وظيفة كمراسلة خارجية لحساب "صنداي تايمز". وقد رأيتها آخر مرة قبل عام في القاهرة خلال الثورة، كانت ثلاثة عقود من لعب دور الشاهد على الحروب بادية على وجهها: فقد استطعت تمييزها من بين بقية الوجوه من خلال القطعة السوداء التي على عينها، والتي دأبت على وضعها منذ أن دمرت قنبلة يدوية عينها اليسرى في سريلانكا عام 2001. كانت تبدو أكثر حزناً ووحدة، ولا غرو بالنظر إلى ما كانت تقوم به طيلة تلك السنوات. فالمراسلون الآخرون يغطون الحروب لبضع سنوات ثم ينتقلون إلى شيء آخر، ولكن ماري جعلت من الحرب وظيفة ثابتة. فقد كانت موجودة على الخطوط الأمامية في العراق (خلال ثلاث حروب مختلفة)، والشيشان، وغزة، ولبنان، وأفغانستان، وسريلانكا، وليبيا، والعديد من الأماكن الأخرى. وتحدت الموت في العديد من المرات لدرجة أنها كانت تبدو خالدة أحياناً لا تموت. ولكن في يوم الأربعاء، جاءها القدر المحتوم وقُتلت بقذيفة أثناء تغطيتها النزاع في سوريا. موتها جاء بعد أقل من أسبوع على موت أنتوني شديد، في سوريا أيضاً، حيث كان مراسل "نيويوريك تايمز" -وهو صديق من الأيام الخوالي وزميل سابق- قد تسلل إلى سوريا من أجل تغطية العنف هناك، ومات على ما يبدو نتيجة نوبة ربو بسبب خيول المرشدين الذين كانوا يدلونه على طريق العودة إلى تركيا. غير أن "ماري" ما كانت لتكون في طريق القذيفة، وما كان أنتوني ليكون بالقرب من تلك الخيول، لو أنهما لم يعتبرا أن من واجبهما إخبار العالم بحقيقة ما يجري للمدنيين السوريين. ميزة أنتوني هي إجادته اللغة العربية وأناقة أسلوبه. فالناس في العالم العربي كثيراً ما كانوا يوصفون على نحو أحادي البعد في الصحافة الغربية، جزئياً لأن المراسلين لا يستطيعون التحدث معهم إلا عبر مترجم. ولكن أنتوني، الذي ولد في أوكلاهوما سيتي وتعلم في جامعة ويسكونسون في ماديسون، ذهب إلى القاهرة كمراسل لوكالة "أسوشييتد برس" عاقداً العزم على تعلم لغة أجداده واستعمال مهاراته لنقل تعقيدات الحياة في الشرق الأوسط. وفي أثناء سعيه للقيام بذلك، تعرض لإصابة في كتفه أثناء تغطية أحداث الضفة الغربية في 2002، كما ألقي عليه القبض من قبل الجيش الليبي واعتقل لأسبوع العام الماضي. وكثيراً ما يطرح علي السؤال: لماذا يعرِّض الصحفيون أنفسهم للخطر طوعاً؟ الواقع أن أنتوني كان نجماً حيث سبق له الفوز بجائزة "بوليتزر" مرتين، ولم يكن لديه شيء ليثبته. ومن جانبها، كانت لدى ماري، وهي متزوجة ومن دون أطفال، تجربة في الحرب تفوق تجربة أي جنرال، ولكن لم تكن لديها أي رغبة في التوقف. وأعتقد أن من بين الأسباب التي تجعل المراسلين الحربيين يستمرون في أداء عملهم هو حقيقة أن ثمة إثارة في الخطر، إثارة يزيد منها الاقتراب من الموت. ولكن الجواب الأكبر والأهم بكثير هو أنهم يشعرون بالواجب تجاه أولئك الذين مزقت الحرب حياتهم. فهل كان أوباما سيتدخل في ليبيا العام الماضي لو أن صحفيين أميركيين لم يقوموا بتغطية محنة سكان بنغازي؟ وهل كانت تستطيع تغطية أكبر من الصحافة الغربية تهييج المشاعر لوقف الإبادة الجماعية التي مات فيها 800 ألف شخص في رواندا في 1994؟ وما الذي سيمنع الجيش السوري من الاستمرار في قصف وقتل أبناء شعبه إذا لم يتم نقل وحكي قصص أشخاص مثل الطفل ابن العامين الذي كتبت عنه ماري خلال الأيام القليلة قبل موتها؟ لقد روى شديد لـ"تيري جروس" من "إن بي آر" قصةَ مغامرة غير قانونية سابقة قام بها إلى سوريا، قائلًا إنه شعر بأن عليه أن يذهب لأن "تلك القصة ما كانت لتحكى بطريقة غير تلك التي حكيت بها". فقد كانت تلك القصة جداً مهمة، كما قال، لدرجة "أنها كانت تستحق أن يجازف المرء من أجلها". والواقع أن عدداً من الصحفيين فقدوا أرواحهم أثناء تغطية الحرب في العراق، إلا أنه لم يمت أي مراسل صحفي من وسيلة إعلام أميركية نتيجة نيران معادية خلال ثماني سنوات من الحرب. أما اليوم، وفي أقل من عام واحد، فقد خسرنا الصحفيين المصورين "تيم هيثرينجتون" و"كريس هوندروس" في ليبيا، وأنتوني وماري، إلى جانب المصور الفرنسي ريمي أوشليك، في سوريا، من بين آخرين. فقدان هؤلاء الصحفيين الشجعان أمر مأساوي. ولكن ثمة أيضاً سبباً للقلق بشأن مأساة أخرى وشيكة، ألا وهي سحب وسائل الإعلام من تغطية الحروب. أحد الأسباب يتعلق بالكلفة، ذلك أن تغطية الحروب يمكن أن تكون باهظة مثلما اكتشفنا في العراق. فهناك، كانت وكالات الأنباء تتخذ احتياطات أمنية جدية، حيث كانت تشتري سيارات مدرعة غالية الثمن، وتوظف حراساً أمنيين، وتقوم على نحو حذر بتحديد وتعديل تحركات مراسليها بمساعدة مستشارين أمنيين. لم يكن ذلك ممكناً في ليبيا التي كانت تتحرك فيها الأحداث بسرعة، وكان مستحيلًا في سوريا حيث يتعين على المراسلين العمل في الغالب سراً بسبب القيود المفروضة على تحركاتهم. تيموثي فلبس مراسل سابق في الشرق الأوسط من 1986 إلى 1991 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©