الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ملك الشحاتين» تعيد الجمهور للمسرح المصري

«ملك الشحاتين» تعيد الجمهور للمسرح المصري
8 ابريل 2010 21:40
نجح العرض الغنائي الاستعراضي «ملك الشحاتين» في إعادة الجمهور للمسرح بعد سنوات افتقد فيها مسرح القطاع العام في مصر النصوص الجذابة التي تحقق المتعة الفكرية الممزوجة بمتعة سمعية وبصرية. و«ملك الشحاتين» الذي بدأ عرضه على مسرح السلام بالقاهرة هو أحد إبداعات الكاتب والشاعر الراحل نجيب سرور، وإخراج محمد الخولي، وبطولة سامي العدل ولقاء سويدان ونجوى فؤاد ومحمود الجندي والمطرب الشعبي ريكو وعادل الكومي ومنير مكرم ومحمد عابدين ونجاح حسني. تميز العرض بالاقتراب من الجمهور ولعبت الأغاني الموحية والاستعراضات العديدة دوراً في تفاعل الجمهور مع أبطال العرض الذين تحدثوا بلغة العصر ومفرداته على الرغم من أن النص المسرحي تمت كتابته قبل أربعين عاماً وهو يأخذ شكل الأوبريت التي تمتزج فيها الدراما بالغناء والاستعراض. ويحمل «ملك الشحاتين» العديد من الرسائل التي آمن بها نجيب سرور ووجد المخرج محمد الخولي أنها ما زالت صالحة لكل زمان وهي ملأى بالرموز والدلالات. وجه آخر للاستعمار تدور الأحداث في عالم أبطاله من قاع المجتمع لكل منهم همومه ومعاناته وأطماعه وبلغة شعرية بديعة تحدثت الشخصيات ببساطة لتصل الرسائل واضحة بلا مواربة لكل المستويات الثقافية برغم ما تحمله من رموز، وزمن الأحداث هو منتصف القرن العشرين في أواخر زمن الاستعمار الإنجليزي لمصر. وفي أحد الأحياء الشعبية حيث يعيش ملك الشحاتين «أبو دراع» ـ محمود الجندي ـ وهو يتاجر بالفقر والفقراء بينما زوجته «نفوسة» ـ نجوى فؤاد ـ غائبة عن الوعي ولا تفيق من الخمر طوال الوقت وتشارك في تجارة الرقيق الأبيض. ويكتشف الزوجان أن «أبو مطوة» زعيم الحرامية والنشالين ـ سامي العدل ـ اختطف ابنتهما الجميلة «ألماظ» ـ لقاء سويدان ـ ليتزوجها ويقرر «أبو دراع» الانتقام من «أبومطوة» عن طريق الضابط الإنجليزي «جورج» رمز الاحتلال الأجنبي ويدفع له الأموال ليطيح أبومطوة، ويشتد الصراع بين رمز الاستغلال «أبودراع» وبين رمز البلطجة والرعب «أبومطوة» الذي يغدق هو الآخر على الأجنبي حتى يحقق مصالحه. وتحاول «ألماظ» أن تكشف لهما عن أن المستفيد الوحيد من تناحرهما هو الأجنبي الذي يستغلهما لتحقيق أغراضه ويلذ له اللهو بهما ليحصل على ما يريد من أموال. وتنحاز «الماظ» ابنة ملك الشحاتين وزوجة «أبومطوة» لأبناء الشعب المظلومين خاصة بعد أن تعرف أن زوجها متزوج من أخرى هي «لواحظ» التي تدير بيتاً للدعارة وتشاركها في نشاطها «نفوسة» أم «ألماظ» وهكذا تحاول «ألماظ» توحيد رمزي القوة في المجتمع «أبودراع» و»أبومطوة» من أجل الوقوف في وجه المستعمر، لكن الصراع على المصالح يتجدد ولا يجد المؤلف مخرجاً وخلاصاً إلا في الشعب فهو المخلص الوحيد وليس أي قوى أخرى لأن الفساد والبلطجة لا يختلفان عن الاستعمار الأجنبي بل هما وجه آخر للاستعمار وجزء من أدواته للسيطرة على الشعوب وضغطه على عنق البلاد بلا رحمة. ويعلو صوت المساجين والمظاليم ليملأ أذني «ألماظ» ويكون القرار الحاسم لا «أبومطوة» ينفع ولا «أبودراع» وتبدأ الصحوة واستعادة الوعي وبكلمات صادقة يتردد الغناء والنداء «يا شعب يا معلم، يا صابر اتكلم، علمنا واهدينا، عدينا عدينا، الصف بعد الصف، والألف بعد الألف وكل روح على كف، فداكي يا بلدي». معالجة عصرية ولعل اختيار المؤلف لقالب الأوبريت ليطرح من خلاله وجهة نظره ورؤيته هو الذي جعل تلك الرسالة تعيش وتبقى فهي تقدم كل عناصر الجذب الجماهيري من غناء واستعراض وموسيقى، ومن خلال لغة سلسة وبسيطة تعبر عن الواقع المؤلم لشعب تتناحر رموز قوته لتحقيق مصالحها وتتعاون مع الأجنبي للوصول إلى زيادة النفوذ بينما الشعب يئن من الفقر والقهر وهي دعوة لكل الشعوب أن تدرك أن الخلاص والوصول إلى الحرية بيدها وليس بيد أي قوى أخرى. ونجح المخرج محمد الخولي في تقديم معالجة عصرية لنص سبق عرضه في عام 1971 وكان اختياره للأبطال موفقاً خاصة لقاء سويدان التي أضافت الكثير بأدائها الرشيق وروحها المرحة لشخصية «ألماظ»، كذلك سامي العدل الذي جسد شخصية «أبومطوة» زعيم الحرامية والنشالين بخفة ظل وحيوية. وجاء اختياره للمطرب الشعبي ريكو ليجسد شخصية «أبومنشار» أحد اللصوص ملائماً حيث عبر عن أحوال المجتمع بأغانٍ مزج فيها المخرج بين أشعار نجيب سرور وبعض أغنيات ريكو المعروفة والمعاصرة، في دلالة على أن النص يصلح لكل زمان ومكان. وعلى الرغم من أداء محمود الجندي المميز إلا أنه بدأ أقل في القدرة على الحركة والمشاركة في الاستعراضات. أما العائدة بعد غياب نجوى فؤاد فقد أدت شخصية «نفوسة» بوعي وذكاء. وجاءت براعة مهندس الديكور محيي فهمي كأحد عناصر المتعة البصرية ولعبت موسيقى صلاح الشرنوبي واستعراضات حسني إبراهيم دوراً في تحويل النص إلى حالة من الإبداع المعاصر. وعلى الرغم من القيمة الجمالية للملابس التي صممتها هدى السجيني فإن اختيار الأزياء المعاصرة لكل من «أبودراع» و»أبومطوة» كان أحدى الدلالات الموحية في العرض. فارس مسرح الستينات وعبرت لقاء سويدان عن سعادتها ببطولة «ملك الشحاتين». وقالت إنها أحبت شخصية «ألماظ» التي تجسدها في العرض الذي يتضمن عشرة تابلوهات غنائية وقدمت خلالها خمس أغنيات من أشعار نجيب سرور. وأكدت شعورها بالتزام تجاه المسرح لأنها تعتبره رسالة تقربها من الناس، خاصة إذا كان النص المسرحي على مستوى فني راقٍ وهو ما تحقق في «ملك الشحاتين» الذي يحمل قدراً كبيراً من المتعة للفنان والجمهور معاً. وقال سامي العدل إنه أمام روعة العمل الذي كتبه نجيب سرور وما يتضمنه من عناصر التشويق والإثارة قرر العودة للمسرح. وقالت نجوى فؤاد إنها تمنت تقديم مسرح غنائي استعراضي وهو ما تحقق لها من خلال «ملك الشحاتين» حيث شاركت بالرقص والغناء من خلال شخصية «أم الماظ». مسرحية «ملك الشحاتين» كتبها نجيب سرور عام 1970 وقدمت على مسرح البالون لأول مرة عام 1971 من إخراج جلال الشرقاوي، ولكن أعيد تقديمها على مسارح الثقافة الجماهيرية وهي مقتبسة من مسرحية «البنسات الثلاث» لبرتولد بريخت و»الشحاذ» لجون جاي وهي أحد الأعمال المهمة لمسرح نجيب سرور الذي كان فارس مسرح الستينات وأصبحت أعماله جزءاً مهماً من تراث المسرح المصري.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©