الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالحكيم الزبيدي في «اعترافات متأخرة» الصادر عن مشروع «قلم»

عبدالحكيم الزبيدي في «اعترافات متأخرة» الصادر عن مشروع «قلم»
11 يونيو 2009 03:00
الاختيار الشعري نسق رؤيوي يقوم على أساس نظام يمكن من خلاله تكوين آلية لفحص مجموعة من النصوص وضمها مع البعض لسبب ما سواء أكانت شعرية أو نثرية. فكل واحد منا يهتم إلى حد ما بالاختيار أو الانتخاب، وفي ضوء ذلك يخلق نسقه الخاص، وعلى هذا الأساس فإن الأنساق الاختيارية أو الانتخابية لا حدود لها. عرف العرب الانتخاب فسموا الكثير من الأعمال بالمنتخبات أو المختارات ولهذا فهي متعددة، إذ جاء بعضها ليؤكد مفهوما كالحماسة مثلاً أوالاختيارات الزمنية كتقسيم العصور الأدبية، لا على أساس فني بل تتبعاً للتحولات الاجتماعية والفكرية والإدارية كذلك الاختيار الجنسي كتسمية شعر النساء، أو الاختيار الجهوي العقائدي كما تولد شعر العلويين أو الخوارج أو اختيارات قامت على أساس نسق الغرض الأدبي مثل الغزل، والمدح، والهجاء والوصف أو على أساس طبقي كشعر الصعاليك والملوك، والأمراء أو على أساس تفصيلي لطبقة واحدة دون غيرها كشعر الغلمان والجواري والمغنين. وهذا كله يندرج في إطار عام للانتخاب يحاول فيه المنتخب أن يعيد تركيب البنى الاجتماعية والفكرية ونتاجها الإبداعي في فترات معينة. وقد أسميته مجازاً بالانتخاب العام. وما يقابل الانتخاب العام انتخاب آخر يمكن أن أطلق عليه بالانتخاب الخاص وهو أن يعمد الشاعر إلى تجميع نصوصه على أسس نقدية افترضها مسبقاً وبقصدية واضحة كأن تكون تاريخية «زمانية»، أو غرضية، أو مكانية. أما الاختيار التاريخي فهي محاولة لتجميع الشعر الذي قيل في فترة زمنية واحدة، ومن فضائل هذا الاختيار أنه يعكس طبيعة تلك المرحلة التاريخية التي مر بها الشاعر، وفي ضوء ذلك يمكن للناقد من خلال قراءته لشعر الشاعر أن يمسك بأهم المفاصل التي تولدت في تلك الفترة، ناهيك عن تحديد ملامح أسلوبه وتطور لغته وما يستخدم من مفردات شعرية ربما تستمر أو تندثر في المرحلة اللاحقة، وهذا الاختيار يعتبر عوناً كبيراً للناقد لأنه يفصل بين الدواوين الشعرية التي تعود لشاعر واحد، ويحدد مراحل تطور بناه الشعرية. أما الاختيار الغرضي فهو طريقة أخرى يحاول من خلالها الشاعر أن يجمع نصوصه على أساس أغراضها وهذا يحصل بشكل عام داخل الديوان الواحد ولم أر شاعراً جمع شعره على أساس الأغراض إلا ما ندر عندما يعمد إلى جمع ما قاله في «الثورة ضد المحتل» أو ما قاله «في الغزل» أو ما قاله في الرثاء. أما في الفخر والمديح فهذا ما لا يريد أن يضمه الشاعر في ديوان كامل منفرد. إلا أننا قد نرى ديواناً لشاعر قسمه على أساس هذه الأغراض. الانتخاب الشعري الجانب المهم في مقدمتنا هذه أننا نحاول أن نؤكد أن ثمة شعراء جمعوا نصوصهم الشعرية وانتخبوها كونها قيلت في مكان ما. وهذا غير مستنكر بتاتاً ومثالنا على ذلك حجازيات الشريف الرضي، أو روميات أبو فراس الحمداني. ويكشف هذا النوع من الانتخاب الشعري تأثير المكان في شعر الشاعر، ومدى تلبسه لصور الطبيعة فيه وعلاقته العاطفية حباً أو كرهاً به. كذلك سمات المجتمع الذي تعامل معه في ذلك المكان ضمن زمان محدد. وربما يندمج هنا الانتخاب الزماني والمكاني معاً ليتولد لنا نسقاً رؤيوياً مختلفاً تماماً، ينهل منه الناقد الشيء الكثير، بل يعتبر عوناً لا حدود له لكشف مغاليق النصوص. على العموم هذا الحديث يقودنا إلى قراءة ديوان الشاعر عبدالحكيم الزبيدي الذي جاء تحت عنوان «اعترافات متأخرة» وهو من إصدارات مشروع قلم في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ضم الديوان 18 قصيدة جاء اختيارها على أساس 3 انساق أولها زماني والثاني مختلط يجمع الزمان والمكان معاً والثالث لا يحتوي هذه الانساق جميعاً أي خالياً منها. كل ما تقدم يمكن أن نطلق عليه «التوثيق الشعري» حيث يوثق الشاعر قصيدته بتذييلها إما بالزمان أو بالمكان أو بكليهما معاً، وفائدة هذا الأسلوب غير خفية على المتلقي والدارس بأنها تكشف عن طبيعة الأثر الإبداعي وتطوره وتشكل ملامحه. وفي ضوء ذلك يمكن أن نقسم ديوان الشاعر إلى ثلاثة أقسام وفق هذه الانساق. 1- النسق المجهول ونجد ذلك في قصائد «أنا والشعر» و»ابتهال» و»الوتر الحزين» و»اعترافات متأخرة» و»بعد العام» و»أشواق وأحزان» و»عودي» و»عودة» التي لم يوثقها الشاعر. 2- النسق الزماني ونجده في قصائد «ستظل نبراساً» و»وحي الصورة» و»ذبول وردة» و»البحث عن مجهول» و»فارس الكلمات» حيث وثقها زمنياً. 3- النسق المختلط ونجده في قصائد «محمد» و»إلى صديق» و»من وحي الجليد» و»إلى توسان» و»ابردين» حيث ورد ذكر لزمان ومكان كتابة القصيدة معاً. و في البدء نتساءل لماذا لم يوثق الشاعر قصائد ديوانه في قسمها الأول حيث ظلت قصائده مجهولة التاريخ والمكان. فأقول: إن طبيعة قصائد القسم الأول لا يعنيها الزمان أو المكان، إذ هي تمتلك موضوعات مكتفية بذاتها ومثالنا على ذلك قصيدته الأولى «أنا والشعر»، التي يمكن أن يتطرق إليها أي شاعر في أي مكان وأي زمان، لأنها نظرة خاصة للشعر حيث يقول فيها: عُمر من اليأس والآمال أحمله تنوي منه الرواسي فهي تنصدعُ عُمر من الهم قد قاسيت منفرداً أمشي به في طريق كله فزعُ أنيسي الشعر لا أبغي به بدلاً فهو المحدث أو حدثت يستمعُ وما جفاني وان جافيته زمناً إذا دليت بدلوي جاء يندفعُ غير أن توثيق هذا النص قد يخدم الناقد كونه يشير إلى أن الشعر قد جافا الشاعر زمناً في شطر البيت الرابع ولو عرفنا زمن كتابة القصيدة لعرفنا زمن انقطاع وحي الشعر عن الشاعر. ولو جئنا إلى القصيدة الثانية من هذا النسق الانتخابي لوجدناها تنحو منحى قصيدة «أنا والشعر» وهي بعنوان «ابتهال» والابتهال مناجاة كونية تقترب من موضوعة علاقة الشاعر بالشعر كونها مناجاة ذاتية حيث يقول فيها: دعوتك يا رباه في غسق الدجى وللكون حولي هدأة وسكون خطاب وجداني ولا أريد أن أتناول بنية اللغة الشعرية فيها، إلا أن ما يجمعها وقصيدة «اعترافات متأخرة» و»الوتر الحزين» هو ذات الخطاب الذاتي الممتزج بالمشاعر سواء كانت مرتدة للذات أومنطلقة نحو الكون.. إنها خطاب وجداني خالص لا تحتاج إلى أن تقرأ من خارج النص «زمانياً أو مكانياً» ومن هذا النسق صعد عنوان الديوان «اعترافات متأخرة» الذي هو عنوان لإحدى القصائد التي يقول فيها الشاعر: مراراً في لقاءاتك وحيناً في زياراتك رأيتك تعرضين الثو ب تستفتين مرآتك وأي اللون يعجبني ويبرز من حلاواتك والوجدانية واضحة تتطابق مع نص رابع له يندرج في هذا النسق وهو نص «بعد عام» الذي يقول فيه: هاهو العام تولى مذ تلاقينا تعاتبنا تشاكينا عرفنا الحب غضاً ويستمر الشاعر في سرد ما حصل بعد عام إلا أن الاختلاف هنا أن قصيدة «بعد عام» وحين فقدت التوثيق ضيعت جانباً قرائياً يمكن من خلاله استكشاف دوافع النص وحركته وتوجهه وزمنه، ناهيك عن أنه ضمن تشكل قصيدة «التفعيلة» اصطلاحاً عند القائلين بهذا المصطلح دون «قصيدة الشعر الحر». ضمن النسق الثاني المتعلق بالتوثيق الزمني نقرأ للشاعر عبدالحكيم الزبيدي قصيدة «ستظل نبراساً 2004» في الرثاء و»وحي الصورة 1981» في الذكرى وقصيدة «ذبول وردة» في المصير والرثاء وفيها يقول عام 1981: أحقاً آل زهرك للقطوف وحقاً قد حوتك يد الحتوفِ وغالك من يد الأقدار سهم فسل الروح من جسم لطيفِ فودعت الحياة غداة طابت وزانت بالبنين وبالأليف وأعتقد أن كل تساؤلات الشاعر البلاغية «إنكار العارف» قد أعطت القصيدة بعداً تصويرياً ووصفياً لبلاغة الحدث: وما إن سرت في الأيام حتى أتاك الأمر منها بالوقوفِ وفي أوج الربيع فكيف أصلاً أتاك شتاك من قبل الخريف وتجلت براعة هذه القصيدة في البيت «وفي أوج الربيع» حيث بدا الوصف والتشبيه تقليدياً باستخدام الربيع إلا أن الشاعر حيث وظف مجيء الشتاء «الموت» قبل الخريف «العمر» كان توظيفاً استحق عليه الثناء. وبالتأكيد لا تخلو هذه القصائد الرثائية من أبيات الحكمة والوعظ ولكنها في جميع الأحوال مكملة لذات الغرض الشعري الذي أجاد به الشاعر. وبالرغم من هذه الانسيابية في غرض الرثاء أجد أن قصيدة «البحث عن المجهول» 1983 لم ترتق إلى مصاف ما كتب الشاعر فهي قصيدة متكلفة يكثر فيها الاعتماد على القافية اللامية التي قد تكون مقتحمة هنا بقوة لا ضرورة لها. ومعنى ذلك أن الشاعر عندما استخدم نمط شعر التفعيلة وأراد إغراقه بالكلاسيك في التقنية فضيع هذا وذاك. حيث يقول فيها: ومر العام تلو العام وسارت بي خُطى الأيام تحث الخطو لا أدري متى تتوقف الأقدام وحيداً سرت في دربي تصاحبني به الأحلام. النسق الثالث حسناً وفي محاولتنا قراءة النسق الثالث وهو مجموعة القصائد التي انتخبت على أساس زماني ومكاني فوجئنا بأنها قصائد كتبت في بلاد الغرب «أميركا وبريطانيا» لأنها قصائد وصفية أولاً وتختص بتصوير الطبيعة ثانياً وبالضرورة فإن تخصيص ما يتحدث عنه الشاعر أصبح ضرورة وهو المكان لهذا السبب كان عبدالحكيم الزبيدي يأتي بالمكان الذي قيلت فيه القصيدة وزمانها لكي تتم وبشكل متكامل تخيلات المتلقي عما يتحدث عنه الشاعر ففي قصيدة «أبردين» وهي مدينة اسكتلندية في المملكة المتحدة يقول فيها الشاعر: هيهات هيهات للأيام تنسيني ذكرى زمان تقض في «أبردين» حيث المروج بساط في مرابعها فما ترى في رباها العين من طين كذلك قصيدته «إلى توسان» التي يقول فيها: لذكرك يا توسان تهفو المسامع وتنهل من شوق إليك المدامع وما يجمع قصائده في هذا النسق جانبان هما ذكره لأسماء المدن التي كتبت فيها القصائد من جانب وتوخي ضمير «كاف الخطاب» في أول القصائد من جانب آخر مثل: لمثلك يشتاق الفؤاد ويخفق، (من قصيدة «إلى صديق» توسان 1988). وإليك وما أدري أمثلي ساهر، (من قصيدة «من وحي الجليد» شارلوت 1987). وفي جميع الأنساق الثلاثة تلك يبقى ديوان «اعترافات متأخرة» محتفياً بوحدته الموضوعية واللغوية معاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©