الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مَن استعمل «التناصّ» أوّلَ مرّة؟

مَن استعمل «التناصّ» أوّلَ مرّة؟
11 يونيو 2009 02:56
إنّ أحداً، فيما يبدو، من النقّاد الفرنسيين الجدُد، لم يُعْنَ بالنّصّ الأدبيّ في مستواه النّظريّ العميق، بعد ميخائيل باختين، كجوليا كريستيفا التي بسطت أفكارها عن النص وعلاقاته وإنتاجيّته في كتاباتها عبر الدوريّات والصحف المتخصصة، ولاسيما في كتابها الخطيرِ الشّأْنِ الذي نشرتْه بباريس عام 1969 تحت عنوان: «سِيمَائيّة ـ بحوث في التحليل النصّيّ». وهو الكتاب الذي حاولتْ أن تستوفي فيه هذه المسألة من معظم أطرافها، وخصوصاً فيما كتبتْه في فصل: «النّصّ الْمُغلَق». لكنْ بدا لنا أن جوليا كريستيفا عُنِيَتْ، بمسألة «إنتاجيّة النّص» فيه، أكثر مما عُنِيَتْ بتناصّيّة النّصّ. فهي لم تكد تذكُر التناصّ إلاّ مرّات محدودة، كما لم تكتب عنه، إلاّ فقرات معدودة؛ في حين أنّها أسهبت إسهاباً مستفيضاً في كتابتها عمّا أطلقتْ عليه «إنتاجيّة النّصّ»، أو «الإنتاجيّة النصّيّة» بترجمة حرفيّة. وإنّما صدّرنا هذه المقالة بالحديث عن جوليا كريستيفا بالذات، لأنّ عامّة النقّاد لا يكادون يذكرون مفهوم التناصّ إلاّ مرتبطاً بها، موقوفاً عليها... ويبدو أنّ الفرنسيين لا يكادون يذكرون مَن هو أوّل الْمُنشئين لهذا المصطلح؛ ولذلك نجد معجم روبير الذي يؤرّخ لميلاد الألفاظ والمصطلحات يزعم أنّ لفظ «L’ intertextualité» نشأ عام 1958، دون أن يحدّد اسم الناقد الذي أنشأه!... ويبدو أنّ جوليا كريستيفا أفادت في إبكارها إلى الحديث عن التناصّ في الكتابات الأدبيّة إمّا من كتابات ميخائيل باختين عن دوستويفسكي ورابلي، وإما من كتابات أندري مالرو، وإما من كتابات جان جيرودو (الذي يبدو أنّ النّقّاد الفرنسيّين غمَطوه حقَّه حين تناولوا مضمون مقولته فطوّروها دون أن يُحيلوا عليه قطّ، ذلك بأنّ جان جيرودو هو الذي كان سابَقَ إلى استعمال مصطلح: «السرقة الأدبيّة» في الأدب الفرنسيّ (أمّا في الأدب العربيّ فقد سُبِق إلى ذلك بزُهاء اثني عشر قرناً): في اهتدائها إلى فكرة «إنتاجيّة النّصّ». وقد عزّزت كرستيفا إجراءاتها التنظيريّة بمبادئ المنطق وقواعد الرياضيات. غير أننا حين عدنا إلى قريماس لننظر ماذا قال عن هذا المفهوم ألفيناه يزعم، ضمناً، أنّ مُنْشِئه الأوّلَ كان هو ميخائيل باختين (لا جوليا كريستيفا)، وذلك حين يقول: «لقد أثار أهمية كبرى في الغرب (مفهوم «التناصّ») منذ أن جاء به السِّيمَائيّ الروسي باختين؛ وذلك بفعْل أنّ الإجراءات التي يتضمّنها هذا المفهوم يمكن أن تكون قادرة على التبادل، من الوجهة المنهجيّة، مع نظريّة «المؤثِّرات» التي أُسِّسَت عليها، بوجه عامّ، بحوث الأدب المقارَن». إنّ نصّ قريماس وكورتيس واضح صريح في أنّ ميخائيل باختين، ويَصِفَانه في نصّهما بالسّيمَائي ـ كي يبرّرا ذكْرَه في معجمهما الموسوعيّ ـ (في حين أنّ كتب التراجم الأخرى، في عامّتها لا تصنّفه إلاّ في طبقة نقّاد الأدب)، هو الذي أسّس مصطلح «التناص». وببعض ذلك يتّضح أنّ جوليا كرستيفا، حتّى يبدوَ دليل يدحض ما نقول، أو ما يقول كورتيس وقريماس على الأصحّ، ليست هي التي أنشأت مصطلح التناصّ إنشاءً، ولكنّ الذي أنشأه إنما هو ميخائيل باختين. فهذا المفهوم، إذن، نشأ في روسيا، وليس في فرنسا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©