الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلقيس الملحم: خبر مقتلي رسالة تحذير وتهديد

11 يونيو 2009 02:47
قبل أيام أثيرت في الأوساط الثقافية وغيرها مقتل القاصة السعودية بلقيس الملحم، التي عرفت بمواقفها المعتدلة إزاء مذاهب مختلفة في السعودية.. وفي اتصال معها كشفت بلقيس الملحم لـ»الاتحاد الثقافي» الكثير من خلفيات هذه الشائعة، فتقول عن دوافعها: «إنها واضحة وضوح الشمس، فالشائعة هي صوت مفبرك أراد النيل من المصلحة الكبرى، السلام الإنساني والتسامح، المصلحة التي يكافح من أجلها كل شريف، من المواطن البسيط مرورا بصاحب القلم الحر وانتهاء بصاحب القرار. هي ضربة، ضجة، تحذير، تهديد، رسالة، ليست لبلقيس فقط، بل لكل من اعتلى هذا المنبر، والذي آثر ألا يتكلم إلا بما يمليه الحق والإنسان عليه من صدق الموقف ومسؤولية الكلمة.. وأقولها هنا للمرة الألف: إنني حين وصلني خبر وفاتي الكاذب المفبرك، تذكرت الأمهات الصابرات، ممن فقدن أبناءهن، أو أزواجهن في الحروب، كنت أتمنى لو كان خبر فقدانهم كاذبا». وعن كتاباتها القصصية وما اذا كانت هذه الشائعة قد تؤثر عليها تقول: «هذا القلب أتعبني، ولا يمكن أن يتحمله أحد سوى قلمي، لذا فلا يهمني لو أوسعته ضربا، أو أفزعته من نومه، أو حرمته الراحة وقت قيلولته، وإذا كان هناك ثمة توقف عن الكتابة، فإن توقف الحياة سيكون أولى! وما دامت الحياة تدب في جسدي، فإن دورة الكتابة اليومية متجددة، ومستمرة ما بين الحدث الذي يؤرقني، أو الموقف المفاجئ الذي يصدمني بقسوته، وبروعته أحيانا». رواية امرأة عراقية وعن جديدها تقول بلقيس الملحم: «ما أعكف عليه حاليا هو كتابة رواية تحكي عن امرأة عراقية تعيش إفرازات الحرب دون أن يلقي لها أحد بالا. هي تجربة أولى بالنسبة لي، وإن كان قد سبقها انفتاح متواضع على السرد، والذي تقرأه من خلال قصصي القصيرة المنشورة». وعن المشهد الثقافي تقول بلقيس الملحم: «المشهد الثقافي العربي بخير، ويشهد حراكا واسعا بفعل الانفتاح، وإتاحة قنوات التواصل بين المثقفين سواء كانوا كتابا، أو متلقين، وإن كانت هناك مثالب، فإنني أضعها أولا وأخيرا على الناشر.. لأن بيده مفاتيح الكتاب، فالكاتب خاصة المبتدئ يعنيه في الدرجة الأولى ما ينشر له ربما دون أن يهتم بمادته وفحوى جديتها، أو حتى بطرحها قبل النشر على ناقدين أو أكثر لإبداء رأيهم فيها، وحين يصفق له ذاك وذاك فإن المشكلة ستستمر. في ظل وجود فضاء واسع سمح لمن لم يقرأ عملا أدبيا متكاملا في حياته، أن يلبس جبة ناقد متمرس فذ، وإلا كيف تفسر انتشار روايات لكتاب وكاتبات غير معروفين، وهي تفتقر في بنيتها إلى أساسيات الرواية، بل زد على ذلك فإن بعضها يترجم إلى عدة لغات، وتشكل ندوات حوارية حولها، وتقام الدنيا من أجلها، ولا تقعد.. ولو أنها قُرأت بضمير يهدي الجمال إلى قرائه، لما كان ذلك كله، لأن بعضها وببساطة ستجده عبارة عن مجموعة رسائل إلكترونية مجمعة، أو توصيف لحالة جنسية شاذة في المجتمع، حيث لا قيمة فنية، أو تربوية، أو حسية تذكر». وعن زمن الرواية، وزمن الشعر تقول بلقيس الملحم: «لا يعنينا أن نقول إن هذا الزمن، هو زمن رواية أو زمن شعر أو زمن مسرح أو.. أو.. فهذا التصنيف سيلغي بقية الفنون الأخرى رغم أهميتها، وروعة من أبدع فيها، لأن وجود عمل أدبي يستحق أن تدفع فيه ثمنا من وقتك، وجهدك، ومالك أيا كان هذا العمل، سيكون جديرا بالاعتناء به، قراءة، تذوقا، ودراسة، ونشرا، وربما ترجمته إلى فن آخر، أو لغة فنية أخرى كالسينما مثلا.. وإن كانت الرواية هي المنتشرة حاليا ـ تسويقا أو رغبة في تلبية ميول ثقافية جماعية ـ فذلك لقدرتها الاستيعابية على احتواء السياسة، والتاريخ، والفلسفة، والمذكرات الشخصية وغيرها من المواضيع الشتى.. إلا أن الشعر برأيي، يبقى التحدي الأكبر لقول كلمة الفصل»! تعصب رجال وتقول بلقيس الملحم عن رأيها حول الكتابة وتقسيمها إلى كتابة نسوية ورجالية ومدى تأثير هذا التصنيف: «أنا امرأة لكني أتعصب للرجل ـ الأديب! لأنه حقيقة أثبت، وبجدارة، إمكانيته الفعلية في الكتابة بشتى فنونها، وربما كانت الأسباب الفيسيولوجية والاجتماعية وراء هذا التقدم الملحوظ بالرغم من وجود نماذج أخاذة في الرواية النسائية العربية، ولا أقول السعودية، التي بدأت تتنفس في الآونة الأخيرة، لكن بصعوبة، فراوحت بين الانفجار، والعودة الرتيبة إلى كتاباتها التقليدية.. لأنها، وللأسف خلت أعمالها من جمالية السرد حين ركزت على المضمون دون الالتفات إلى البناء الروائي، ساعية وراء التفريخ المتشابه، والانتشار الإعلامي السريع، الأنيق، فالكثير من الروايات السعودية النسائية تحديدا، وليس كلها، تفتقر فنية التوظيف بمعناه الدقيق، وتحميل الرواية أقل مما تحتمله، والبعد كل البعد عن الأسلوب الحداثي في الكتابة، من الحوار، والإيحاء، والتصوير، وفلسفة الشكل، والربط بين الحاضر والماضي، بين الزمان والمكان.. لتتحول إلى هذر ذاتي، أو بالأصح إلى نوع جديد من الأدب يمكن أن يسمى بـ(المغامرات) التي تحكي عن ممارسات شخصية لكاتبة الرواية من حيث لا تعلم، بعيدة عن التخيل الذي هو أصل الإبداع، وكأن المجتمع دائرة متوترة من العلاقات التي تنتهي بنهاية طبق الأصل: انتصار الرجل، الدين، الإرهاب، المجتمع، القبيلة، وانهزام المرأة أمامهم حيث الإسقاط ذاته»... وعن كتابة الرواية النسوية وكيف تراها تقول بلقيس: «اليوم أصبحت الرواية بالنسبة لبعض الكاتبات، هي الحصن الذي تهرب إليه من قمع وسلطة الرجل. إنهن كاتبات تمتد من المحيط إلى الخليج، نصوص تهطل كالمطر، تحاول أن تسجل موقفها من الحياة، ولو بكلمة سواء وفقت في ذلك أو لم توفق، لكن الجرأة المحمودة في حد ذاتها هي تنم عن إبداع مخزون، آن له الأوان أن يقول كلمته، وأن يبرهن عليها، وأن يقاوم كل من يحاول قمعه، أو تهميشه، أو النيل منه، أو تسييسه في إطار يحده الرجل. ولعل الرجل الذي حدد للمرأة مكانها الذي يهواه ويرغبه، كان وللأسف هو زمان ومكان الكثير من الروايات، ربما لشيء مزروع في العقل الباطن، فراحت تفك شفرات السرير، وعلاقاتها السابقة، واللاحقة، أو علاقات زوجها المحرمة، بكل جرأة، وغواية، وكأنها في معركة تريد كسبها في النهاية».. وتختم بلقيس حديثها قائلة: «إن وجود قلم نابض مناضل، ومقاوم كهذا، مختلف في رؤاه، متنوع في تطلعاته، يكتب عن النفاق الديني، والأمراض الاجتماعية، والاكتواء بالحرب، والسياسة، والغيرة، وعن التجارب الإنسانية، معريا الحقيقة حتى في أحلامه البريئة وتصوراته.. هو لا يريد سوى التغيير، وطي صفحة من الماضي غير المرضى في أقل أحواله، ليكون الأدب أداة جادة، ووسيلة للتغير، والانقلاب السلمي.. بقي أن أقول إن السبب الرئيس لتفوق الرجل أدبيا، هو وجود كائن آخر أقوى منه، يسيطر عليه، ويخشى أن يموت كمدا لو صد عنه، كائن لطيف يبحث عن التصالح دوما، والسكون تحت ظل الرجل، إنها المرأة التي أججت من أجلها الحروب، ودبرت من ورائها الاغتيالات، وفتحت لأجلها المدن، وبنيت أعظم عجائب الدنيا تقديسا، ووفاء لحبها وذكرها.. وضمنها الشعراء في أجمل القصائد وأروع الحكايات».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©