الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الغولة».. صراع العلم والجهل على مسرح الغد

«الغولة».. صراع العلم والجهل على مسرح الغد
11 يونيو 2009 02:47
الغول والعنقاء والخل الوفي.. المستحيلات الثلاثة قرر مسرح «الغد» بالقاهرة أن يحقق أحدها، فقدم مسرحية «الغولة» التي كتبها بهيج إسماعيل عن تراث الواحات في أول تجارب مسرح «الغد» الذي تحول للعروض التراثية. و»الغولة» التي يقدمها العرض امرأةٌ شابة وجميلة كل مشكلتها أنها ترملت وتقضي تقاليد الواحة التي تعيش فيها بحبسها في البيت مئة يوم ويسمونها «غولة» وعندما تخالف التقليد تصبح في نظر الجميع مصدر لعنة لكل من يراها فيصاب بالعمى أو العقم أو العنوسة، وتتحدى المرأة هذه التقاليد ورغبة شيخ القبيلة، فيكون مصيرها أن تواجه حكم الموت بتهمة قتل زوجها. المكان واحة مصرية والزمان منتصف خمسينيات القرن الماضي والحدث معركة بين فتاة مات زوجها المسن في ليلة زفافها فتتهم بقتله وتجد نفسها أمام حكم بالموت وعندما يساعدها طبيب الواحة في إثبات براءتها تقع في حبه، وهو ما يثير غيرة شيخ القبيلة الذي يرغب في الزواج بها، وعندما ترفض الاستسلام له تواجه الموت من جديد ويختلف مجلس الرجال إلى أن تثبت «البشعة» براءتها وتتصاعد الأحداث إلى أن يدبر شيخ القبيلة مكيدة جديدة فيتهمها بالزنا ليتخلص منها ومن غريمه الطبيب، لكنهما يختفيان ليتركا الواحة غارقة في تفسيرات جاهلة عن الجن الذي يحكم الواحة. الفنانة سميرة عبدالعزيز أو «أم وداد» تقول عن حماسها لـ»الغولة»: أهم فكرة في العمل هي قيمة العلم، فالواحة التي تدور فيها الأحداث تمنع تعليم البنات. وتمنع خروج المرأة من منزلها لمدة مئة يوم بعد وفاة زوجها ويؤمن أهل الواحة بأن هذه المرأة «غولة» تنشر لعنتها على كل من يراها، وعليها أن تذهب إلى نبع الماء لتتطهر ويهرب الجميع من مواجهتها خوفا من اللعنة. والبنت تعلمت وواجهت الواحة وقررت أن تتحدى الجهل ورغم اقتناعي بالموروث والتقاليد، فإنني أرفض قتل ابنتي التي خرجت على تقاليد القبيلة بعد أن أنار العلم عقلها وطوال العرض أدعوها لاحترام التقاليد وأطلب منها أن تغطي وجهها خوفا من الفضيحة، وعندما يطلبون مني أن أسلمها للقتل أفديها بنفسي وأطلب منها أن تهرب من الواحة وأقول «لا الحكمُ عادلٌ ولا الجلادُ عادل». وتضيف سميرة عبدالعزيز: عندما تشعر الأم بمصير ابنتها تردد أنغام التعديد المعروفة في المجتمعات البدوية، وهي تجربة أعجبتني وأخذت النغمة من أحد أهالي الواحات وقدمت ذلك في العرض وأنا لا أرى أي ضغط ذكوري في مجتمعنا وأنا آخذ حقي بنفسي ولا أعطي الفرصة لأحد كي يمارس عليّ ضغطا. وعن قبولها العمل في المسرحية، بينما سافر زوجها الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن للعلاج في باريس، تقول: لم يكن ممكنا أن أترك محفوظ يسافر للعلاج بدوني لولا ارتباطي بالعرض وإدراكي أن المسرح أقوى من الحياة نفسها، وأذكر أن والدي توفى فذهبت إلى الإسكندرية وحضرت الدفن وعدت في نفس الليلة لأعرض مسرحية «بعد أن يموت الملك» على المسرح القومي، ومن يغلب المسرح على ظروفه الشخصية شخص ملتزم مئة في المئة. ويقول مخرج «الغولة» مصطفى طلبة: أجلت افتتاح العرض مرتين حرصا على بطلته سميرة عبدالعزيز التي حاولت الاعتذار لانشغالها بمرض زوجها الكاتب محفوظ عبدالرحمن، وهي في نظري أفضل من يقوم بدور «أم وداد»؛ لذلك أقنعت الإدارة بتأجيل الافتتاح. وأنا صاحب أول تجربة على مسرح «الغد» بعد تحوله للعروض التراثية، ولحسن حظي أن يكون معي نص محكم للكاتب بهيج إسماعيل وأنا محظوظ بالنص وفريق العمل وتفهم إدارة المسرح التي وفرت لي ميزانية من أعلى الميزانيات، فظهر العرض بملابس مبهرة لدرجة أن أحد الممثلين طلب ملابس قطنية لحساسيته من الأقمشة الصناعية، فاستجبنا له وكانت النتيجة أننا نقدم عرضا به قيم جمالية وتعبيرية عالية والعرض يمثل صرخة في وجه كابوس الجهل الذي يتصارع مع العلم ويسعى لفرض قانون إلغاء العقل الذي يمتهن كرامة الإنسان ويرفض أن يعطي المرأة حقها في التعلم والحياة. الفنانة الشابة إيمان رجائي التي تقوم بدور «وداد» البنت الوحيدة التي تعلمت في الواحة وتتحدى كل ما هو بعيد عن العقل تقول: لم أتردد في قبول التجربة أمام سميرة عبدالعزيز التي تقوم بدور «أم وداد»، كما أن النص متميز واستفدت من خبرة «أم وداد» الفنانة التي لم تبخل عليّ بالنصيحة. ويقول الكاتب بهيج إسماعيل: بحكم دراستي للفلسفة تدربت على الخروج من الجزئي إلى الكلي، فالحدث في الواحة يمكن أن ينطبق على دولة وهكذا يمكن أن يتلقى الجمهور المسرحية باعتبارها حدوتة عادية أو يعكسها على الواقع الذي يعيشه ولا يمكن أن أقبل الرأي القائل إن العرض يحمل رمزية، فقد انتهى زمن الرمز بانتهاء زمن كان الناس فيه يخافون إبداء رأي معارض للرأي الرسمي. وعن قضية التراث يقول: من المهم أن يكون لدينا مسرح معني بالتراث، لكن من المهم أيضا أن نتعامل مع التراث الحقيقي بعيدا عن الشوائب التي لحقت به. ويقول الفنان خليل مرسي عن دور «الشيخ مسعود»: أهم ما جذبني فيه أنه يجمع بين القسوة والرومانسية، فهو يحب «وداد» ويتمناها لنفسه، لكنه يقرر التخلص منها ومن حبيبها طبيب الواحة. فالحب لديه امتلاك وبدونه يتحول إلى تدمير من يحب. وهو يكشف لها عن أنه كان يحبها قبل أن يتزوجها شقيقة شيخ القبيلة المتوفى، وأنه مستعد للتخلي عن شكوكه في أنها قاتلة أخيه لو قبلت الزواج منه، لكنها ترفضه فيتحول إلى شخص في منتهى القسوة ويسعى لإقناع القاضي بأنها قاتلة أخيه رغم ما أكده الطبيب من أن الوفاة طبيعية، لكنه يظل يسعى لموتها، وبعد أن ييأس من إدانتها يرسل من يقتلها، فيقتل أمها بدلا منها وعندما يراها باكية مرتمية في حضن الطبيب حزنا على أمها يدعي أنها ارتكبت الزنا. واستطاعت سميرة عبدالعزيز أن تقدم دور الأم الحائرة بين أمومتها وتقاليد الواحة التي نشأت على احترامها مهما كانت غير معقولة أو مقبولة. كما استطاعت أن تقدم مشهدا مهما للأم التي تنتظر الموت الذي يخطف ابنتها فتقرر أن تفديها بنفسها. أما خليل مرسي فاستطاع أن يتلون بين المحب العاشق والمنتقم القاسي، مع ملاحظة ضعف صوت إيمان رجائي «وداد» فإنها اجتهدت في عرض بطولتها، فهي الشخصية الرئيسية التي تدور حولها الأحداث، كما أنها تحرك الأحداث وتظل في مواجهة الجمهور تقريبا طوال العرض، لذلك أثبتت أنها تحمل صفات ممثلة مسرح متميزة في ظل نقص»الفيديت» أو الممثلة الشابة الجميلة بالمسرح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©