الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كمالا ثريا.. لن يجرؤ أحد أن يرميك بالحجارة

كمالا ثريا.. لن يجرؤ أحد أن يرميك بالحجارة
11 يونيو 2009 02:34
في آخر يوم من مايو الماضي انتقلت إلى رحمة الله الشاعرة والقاصة الهندية الشهيرة كمالا ثريا (تلفظ سريا لدى الهنود). وبعد إعلان وفاتها بسويعات زارني فريق من المحطة الفضائية للتلفزيون الهندي (مانورما) في منزلي بدبي وسجل معي حوارا عنها لمدة ربع ساعة وما أن خرج الفريق حتى اتصلت بي محطة (آسيا نت) الفضائية وبعثت بفريق سجل معي حوارا قصيرا لمدة ربع ساعة عن ثريا وعلاقتي بها، وأذيع التسجيلان في نفس اليوم وأعيد البث في اليوم التالي. وكانت بعض الصحف الهندية مثل «ماديمام» قد اتصلت بي وأجرت حوارا هاتفيا نشر في اليوم التالي. كما اتصل بي عدد كبير من الشعراء والأدباء الهنود بالتلفون أو عن طريق الإنترنت يخبروني عن وفاتها أو ليعزوني. فكثير من الإعلاميين والأدباء الهنود يعرفون عن علاقتي الأدبية بالشاعرة والتي تعود إلى عام 1996. كنت منذ عام 1992 قد بدأت بترجمة قصائد من الشعر العربي المعاصر لشعراء من مختلف البلدان ونشرها في ركن أسبوعي في إحدى الصحف الناطقة بالإنجليزية في الإمارات، مما لفت انتباه قرّاء تلك الصحيفة من مختلف الجنسيات المتعددة في الإمارات، ومن ضمنهم هنود من كيرالا الناطقة بلغة الماليالم الذين اتصلوا بي وأجروا معي لقاءات صحفية نشرت في صحف كيرالا المختلفة، والتي تطبع بعضها أكثر من مليون ونصف المليون نسخة. ثم في عام 1996 قررت جمعية دبي كيرالي «كالا كندرام» إقامة حفل بدبي لتكريم الشاعرة والقاصّة الهندية الشهيرة كمالا داس والشاعر الهندي يوسف علي الذي أغنى الأفلام الهندية بكلمات الأغاني وتكريمي في نفس الوقت لإنجازاتي في مجال الشعر العربي وترجمة الشعر. وكانت الجمعية قد استضافت الشاعرة والشاعر فجاءا معًا لحفل التكريم. وتم التعارف بيننا وتبادل الكتب، وأهدتني كمالا ديوانها الشهير بالإنجليزية «الروح وحدها تعرف كيف تغني»، كما أهديتها ديواني بالإنجليزية «ظلال الحب»، وعندما صعدت الشاعرة إلى المنصة تكرّمت بترجمة إحدى قصائدي إلى الماليالم ارتجالا وألقتها في الحفل مشيدة بجمالها وروح الحب فيها. وقد ترجمتُ أنا بعض قصائدها فيما بعد إلى العربية، ونشرتها في مجلات عربية ثقافية مختلفة منها مجلة «العربي» ومجلة «دبي الثقافية» وملحق «الخليج» الثقافي وقد وجدت هذه الترجمات منقولة في مواقع كثير من المنتديات خصوصا قصيدة «ناني». كما ترجمت ونشرت خمسا من قصائدها في كتابي «قصائد من كيرالا» وأربع قصائد في كتابي «قصائد من الهند» وقصيدة في كتابي «إذا وقصائد أخرى» وقصيدة في كتابي «السونتة 18» وقصيدة في كتابي «أقمشة السماء». كما أنوي إن شاء الله أن أصدر مجموعة كاملة لترجمات مختارة من قصائدها كما فعلت هذا العام مع الشاعر الهندي الكبير ساتشيداناندان في كتاب «كيف انتحر مايكوفسكي» الصادر عن مشروع كلمة. كانت كمالا داس في حفل التكريم ترتدي عباءة سوداء (أي شادور)، فسألت بعض الزملاء عن دينها، فأكدوا لي أنها هندوسية، ولكن بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام في ديسمبر 1999 اعتنقت الإسلام، فثارت ضجة كبرى في وطنها، إذ إنها كانت تعد أشهر شاعرة وكاتبة قصة قصيرة في الهند، وتعرضت لتهديدات بالقتل، وفي الوقت نفسه، فإن ارتداءها للخمار أدى إلى انتشار ظاهرة لبس الخمار والحجاب في كيرالا، وازدهرت دكاكين عدة لبيع ذلك النوع من الملبوسات. وقد غيّرت اسمها إلى «ثريا» عند إسلامها. كانت ثريا قد اعتادت أن تكتب الشعر بالإنجليزية، والقصة القصيرة بالماليالم. وفي عام 1984 كانت قد رشحت لجائزة نوبل للآداب في قائمة قصيرة ضمت أيضًا نادين جورديمر من جنوب إفريقيا التي منحت بالفعل جائزة نوبل عام 1991، وضمت القائمة دوريس ليسنج البريطانية الجنسية والإيرانية المولد التي منحت جائزة نوبل عام 2007، كما كانت على تلك القائمة القصيرة مارجريتا يورسينار البلجيكية التي كانت أول امرأة تدخل فيما بعد الأكاديمية الفرنسية وكان ذلك عام 1987. وفي أحد اللقاءات الإعلامية سئلت ثريا عن كيف ومتى فكرت في اعتناق الإسلام؟ هذه الشاعرة التي ولدت عام 1934 في ملبار بكيرالا في عائلة هندوسية ميسورة الحال وتزوجت وهي في الخامسة عشرة من زوج مثقف مسؤول في منطقته عن مكتب البنك الدولي، قالت لصحيفة «التايمز أوف إنديا» Times of India إنها لا تذكر بالضبط ولكن قبل حوالي 27 سنة من اعتناقها الإسلام. يومها حدثت زوجها في الأمر فنصحها بالتريّث وقراءة الكثير من الكتب عن الإسلام. فكرت مرة أخرى في اعتناق الإسلام عام 1984 ولكنها انتظرت ريثما يتزوج ويستقر كل أولادها. سألتها الصحيفة عن أول احتكاك حقيقي لها بالإسلام، فقالت: «كان ذلك عندما تطوعت لتعليم الأطفال العميان في إحدى الجمعيات، فأرسل لي طفلان مسلمان، وكانت المواد الإسلامية من ضمن ما كان علي تعليمهما». وبدأ اهتمامها بالشعر تحت تأثير جدها نالابات مسيون، وكان كاتبًا بارزًا كما كانت أمها «بالماني أمّا»، شاعرة معروفة في لغة الماليالم، وقد توفيت منذ سنوات قليلة. وبعد أن هددها بعض الهندوس المتعصبين بالقتل لإسلامها واليوم صارت ثريا تتحرك على كرسي متحرك آثرت أن تقيم مع أحد أبنائها الذين مازالوا على الهندوسية في مدينة بونا في غرب الهند. والواقع أن كل أولادها الثلاثة من المعروفين في الهند وبعضهم في مجال الصحافة ولم يعتنق أحد منهم الإسلام وإن كان أحدهم غير دينه من الهندوسية إلى البوذية. وقد عاشت ثريا آخر سنوات عمرها مقعدة على كرسي متحرك ولكنها استمرت في الكتابة والنشر في الصحف. وقد نقل جثمانها إلى تريفاندم في كيرالا ودفنت حسب وصيتها في مقبرة المسجد الكبير هناك وحرص أولادها على تنفيذ وصيتها بهذا الخصوص على الرغم من اختلاف دينهم. كانت كتبها قد ترجمت إلى عدة لغات، وقد ترجم كتاب «قصتي» إلى خمس عشرة لغة. وبعد اعتناقها الإسلام سجلت ثريا رحلتها إلى الإيمان في ديوان بالماليالم بعنوان «يا الله»، وقد ترجم كليم أحمد أحد أصدقائي من الأدباء الهنود المقطوعات الأولى من الديوان إلى الإنجليزية واقترح أن أترجم الديوان إلى العربية وننشر الترجمتين معا ولكني اعتذرت لمشاغلي فطلب أن أكتب مقدمة إنجليزية لترجمته وفعلت ونشر الكتاب. كما ترجمت القصائد الثلاث الأولى إلى العربية. أما القصيدة الأولى فبعنوان «يا الله» وقد ترجمتها شعرًا تفعيليًا ببعض التصرف. ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى الذي لا تسعه السماوات والأرض يسعه قلب عبده المؤمن، فهل قرأت ثريا هذا فيما قرأته، أم توصلت إليه من خلال تأملاتها؟ لا أدري. أما القصيدة الثانية، فبعنوان «يا محمد»، وقد ترجمتها أيضًا شعرًا تفعيليًا. والقصيدة الثالثة بعنوان «امرأة ضائعة»، وتتحدث فيها ثريا عن رحلتها نحو الإيمان وقد ترجمتها نثرًا. يا الله يا أيها الذي ليس له حدود يارب... يا الله... يا معبود فلا قشور الدين أو أصدافه قيود إذ أنت غاية الغايات في الوجود وهكذا أسعى إلى ضيائك المديد وظلك الظليل والممدود كيما أنال السعد والصفاء وأغمض العينين في المنام في هناء... تمحو حدود الأرض والأبعاد.. فلا تحدّك الديار... والجبال... والمهاد، لكنني أحويك في قرارة الفؤاد! فهل فؤاد المرء عالم بلا حدود؟ صميم ما يظل شاسعًا بلا انتهاء يارب.. يا من أنت وحدك المعبود. يا محمد عليك أفضل الصلاة يا أيها الفجر الذي قد شع كالذهب ليبهر الليالي الحالكات في جزيرة العرب يا آخر الرسل يا من حملت راية الجهاد للحق والإخلاص والأمل نسمع عن ضياء وجهك المبين من بعد كل هذه القرون نحن الذين لم يروك بالعيون نظل آسفين لأن حظنا كذاك شِيءَ أن يكون يا سيدي يا أيها الرسول يا من تجلّه الأجيال والقرون إنا نُعِدُّ هاهنا لأجلك الباقات ناضرة بالحب والدعاء والصلاة أتيت فجأة كالمطر الهطّال وقد توقف الهطول منذ تلكم الحقب لكنما تبقى له ذكرى من الذهب في كل حبة من الرمال. امرأة ضائعة لستِ وحيدةً يا ثريا إن حب الله العميق مثل نور القمر الناعم لقد كسبته مثل مجنٍّ أنت وحدك تسمعين قوافي الألحان الصامتة مثلما البحار عند جَزْر التيار لقد أُغمي عليك عند الباب وأنت تجاهدين لترتقي تلك الدرجات الشاهقة بأقدامك الناعمة الدامية بحثًا عن رضى الحافظ الذي ليس كمثله شيء. لن يجرؤ أحد أن يرميك بالحجارة بعد الآن لا تبقي على آلام الحسرة في صدرك، الهدوء الساحر المخبّأ في أعماق البحار المضطربة أصبح ملكك منذ اليوم اللون الناعم للغروب حيث يلتقي اليوم الآفل بالليل الوليد أصبح ملكك منذ اليوم لقد عبرت البراري والقفار والتلال والأنهار لتصلي إلى هنا وعندما أصبحت تحت الشجرة المزهرة هطلت عليك الأمطار، ثم هطلت الأزهار، وأشرق وجهك بابتسامة مضيئة ألا تعيش هذه الذكرى فيك؟ إنها مثل فرحة الوصول للبلوغ هل تحسين في نفسك صدى لمثل تلك الحالة؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©