الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زايد الأول.. سيرة الرجل والشعب والدولة

زايد الأول.. سيرة الرجل والشعب والدولة
11 يونيو 2009 02:21
إن استقراء التاريخ واستنطاق أحداثه العظيمة يقدم القدوة والنموذج للأجيال الجديدة. ونستشهد بما قاله يوما فقيد الأمة الكبير المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»: «إن الآباء هم الرعيل الأول الذي لولا جلدهم على خطوب الزمان وقسوة العيش لما كتب لجيلنا الوجود على هذه الأرض التي ننعم اليوم بخيراتها».. هذا الحديث الذي نتناول فيه الدور الكبير الذي قام به زايد الاول في تأسيس الامارات، وبمناسبة مرور مائة عام على رحيله واحتفالات الدولة بهذه المناسبة الجليلة على مدار عام كامل، يقوم على الوثائق البريطانية المتعلقة بتاريخ المنطقة. وتعود أهمية هذه الوثائق الى عاملين أساسيين هما: الأول، الفترة الزمنية الطويلة التي تواجدت فيها بريطانيا في منطقة الخليج، واستمر هذا التواجد ودون انقطاع من عام 1622م، ولغاية عام 1971م، وخلالها رسخت وجودها، بفضل أنظمتها الإدارية المتمثلة في الوكالات التجارية والسياسية وموظفيها الذين قاموا بدور بارز في تدوين كل أحداث المنطقة. والعامل الثاني هو، الكم الهائل من المعلومات التي حوته هذه الوثائق عن أخبار وأحوال الإمارات الداخلية، ويعود الفضل في ذلك الى وكالة الشارقة ووكلائها المحليين الذين دأبوا على إرسال تقارير دورية الى المقيم البريطاني في بوشهر، يطلعونه فيها على سير الأمور في المنطقة، ويبدو أن طبيعة عمل الوكلاء مكنتهم من الإشراف على الأحداث الجارية، إذ أنهم كانوا حلقة الوصل بين الشيوخ والمقيم البريطاني في بوشهر. ويرى الدكتور محمد فارس الفارس في مقدمة كتابه «دراسات في تاريخ الإمارات» أن الوثائق البريطانية هي مادة تاريخية لمؤرخي التاريخ الحديث والمعاصر سواء لمنطقة الخليج أو الدول العربية التي كانت ضمن نطاق السيطرة البريطانية، وتتفوق على الوثائق الأوروبية الأخرى بغزارة مادتها ودقة معلوماتها، وتكتسب أهمية بالغة لدى حكومات معظم دول العالم نظرا الى مجموعة من العوامل أهمها: أنها كتبت بصفة رسمية من قبل رجال الإدارة والساسة البريطانيين لحكومتهم، وأيضا لأنها كتبت في وقت ومكان الحدث. وأيضا كتبت من قبل السلطة المهيمنة وصاحبة القرار في المنطقة. ولكن ما يعيبها أنها كتبت من وجهة النظر البريطانية، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية معلومات تلك المراسلات والتقارير. ويعتبر مرجع : THE PERSIAN GULF ADMINISTRATION VOLUMES ARABIC EDITIONS 1873 – 1957 وهو عبارة عن تقارير المسؤولين البريطانيين الصادرة من مقر المندوب البريطاني في الخليج العربي والملحقيات البريطانية في بوشهر والبحرين ومسقط والكويت، من أهم الوثائق التي غطت الفترة الممتدة من عام 1873 م ولغاية 1975 م، واشتملت السلسلة على أحد عشر مجلدا احتوت معلومات قيمة عن الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمنطقة الخليج، مع التركيز على الجانب الاقتصادي، والسلسلة لا تقتصر فائدتها على ما تحويه من معلومات، ولكنها أيضا صورة دقيقة للتنظيم الإداري في الملحقيات البريطانية وطريقة عملها في تلك الفترة المبكرة من القرن الماضي. المؤسس الكبير ونستعين في حديثنا هنا بجزء مما ورد في كتاب «أبوظبي في عهد زايد الأول 1855 ـ 1909» لمؤلفه خالد سليمان البلوشي ومراجعة وتقديم معالي محمد بن عبد الجليل الفهيم. وكتاب «دراسات في تاريخ الإمارات ـ قراءة في الوثائق البريطانية» لمؤلفه الدكتور محمد فارس الفارس. كذلك مخطوطة «الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي» لمؤلفها عبدالله بن صالح المطوع. كذلك كتاب الدكتور جمال زكريا قاسم بعنوان «الخليج العربي دراسة لتاريخ الإمارات في عهد التوسع الأوروبي الأول». الى جانب مجموعة من الكتب والدراسات الموثقة التي تكشف الكثير من الحقائق والنظريات حول تاريخ الإمارات. نتحدث هنا عن الجد والمؤسس الأول الشيخ «زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان بن فلاح» وقد حكم إمارة أبوظبي خلال الفترة ما بين أعوام 1793م الى 1816 م. وهو ينتمي الى الفرع النهياني من عائلة البوفلاح زعماء قبيلة بني ياس التي بسطت سيطرتها على الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية منذ ما يزيد على قرنين من الزمان. وفي موضوع نشرته جيهان محمود متولي من إعدادها وصدر في العدد31 من مجلة «جمارك أبوظبي» في أغسطس من العام 2000 حول كيفية توليه الحكم: «كانت أمور الخلافة في قبيلة بني ياس واضحة المعالم، ليس عليها نزاع، ولا صراع، فترتيب الأبناء في الحكم واضح ومتفق عليه. وفي احد أيام قبيلة بني ياس، اختير وفد رفيع المستوى لتنصيب زايد بن خليفة ذي العشرين عاما مقاليد الحكم خلفا لابن عمه الحاكم السابق سعيد بن طحنون. إذ اجتمع رؤساء القبائل وأخبروه بقرارهم في موضوع توليه الحكم. كما أيد وبارك هذا القرار حاكم دبي في ذلك الوقت سعيد بن بطي، وهو أول من اعترف بحكمه. ويذكر أنه بعد أن أتى زايد الكبير الى مدينة أبوظبي لتسلم الحكم كان برفقته أخوه ذياب ووالدته، فتلقته الرعية والقبائل بالفرحة وفتحوا له أبواب قلعة الحصن، وأطلقت المدافع نيرانها بقدوم «زايد» ابتهاجا بالحكم الجديد. وبذلك تكون قبيلة بني ياس قد اختارت «زايد بن خليفة» لحكم الإمارة عام 1855 م، وقدر لهذا الحاكم الجديد أن يدير شؤون الإمارة لفترة حكم امتدت لثلاثة وعشرين عاما قام خلالها بدور كبير ومؤثر في تاريخ أبوظبي والإمارات العربية كلها». الشاب الشجاع وحول كيفية تولي زايد بن خليفة الحكم فقد وردت في كتب التاريخ روايتان أخريان حول هذا الموضوع. الرواية الأولى وهي بحسب ما ورد في الرسالة التي بعث بها هينكل الوكيل البريطاني في مسقط الى المقيم البريطاني في الخليج الكابتن كمبل في 14 يوليو من العام 1855. وتقول الرواية، إن سعيد بن طحنون عزل من المشيخة بعد أن أقدم على تنفيذ حكم الإعدام في أحد وجهاء القبيلة اتهم بجريمة قتل، ويبدو أن تنفيذ الحكم أثار موجة عداء عارمة ضده مما كان سببا في عزله عن المشيخة. ومن ثم تم نفيه الى جزيرة قيس على الساحل الشرقي من الخليج. أما الرواية الثانية فتذكر أن الشيخ سعيد بن طحنون أصيب بمرض اضطر بسببه للذهاب الى جزيرة قيس للعلاج. وقد بقي فترة طويلة في الجزيرة، فقرر أعيان القبيلة عزله وتولية زايد بن خليفة الحكم بدلا عنه. وبحسب عبد الله صالح المطوع في «عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان» فإن زايد كان وقتها مقيما عند أخواله في بلدة اللية في الشارقة، وكان خاله الشيخ عبد الله السويدي زعيم قبيلة السودان في الشارقة فجاءوا به من الشارقة واختاروه حاكما لهم، كما اختاروا أخاه ذياب بن خليفة ليكون مساعدا له، وقد تم الأمر بمباركة وإجماع قبيلة بني ياس، وكان زايد عند توليه الحكم فتى في العشرين من عمره. وقد كشفت العديد من الدراسات والوثائق أن «زايد الكبير» رغم حداثة سنه حينما تولى مقاليد الحكم، كان يمتلك شجاعة نادرة، بالإضافة الى الرأي الصائب وحسن التصرف والميل الى الطرق السلمية واللجوء الى الحكمة والشورى في حل النزاعات بين القبائل أو الأفراد. ولعل ذلك ما أهله لتسلم مهام الحكم الجسيمة بكل عزيمة واقتدار. ويقول الكاتب البريطاني كلود موريس في هذا الشأن: «إنه في عام 1855 م، برز فجأة رجل كتب له أن يصبح شخصية أسطورية، حيث اعتبر فارس وبطل الإمارات العربية في أيامه. لقد شق طريقه بنجاح، فقد عرف عنه الحكمة ورجاحة العقل، والميل الى الحلول السلمية، وعدم اللجوء الى تفجير الحروب أو تأجيج الصراع بين القبائل». وقال أيضا في كتابه «صقر الصحراء»: «لقد ازدهر بنو ياس واتسع نفوذهم وبعد ما توالى على زعامتهم عدد من الشيوخ الثانويين، حالفهم الحظ عام 1855 م، فبرز بينهم فجأة رجل كتب له أن يصبح شخصية أسطورية، حيث اعتبر بطل الساحل المتصالح في أيامه، هو الشيخ زايد بن خليفة، المعروف بزايد الكبير الذي تولى الحكم من عام 1855 م الى عام 1909. وقد كان محظوظا خلال فترة حكمه بشكل ملحوظ، فعلى الرغم من مواجهته كل العوامل المثبطة التي تواجه عادة الزعماء في هذه البرية المجدبة الحارقة، شق زايد الكبير طريقه الى النجاح بعدما أصر على أن يكون حاكما، وحالفه الحظ في ذلك دوما». وبهذه المعطيات ظل زايد الكبير أبرز حاكم في شرق الجزيرة العربية، وامتد نفوذه في كل الاتجاهات، في واحة العين وواحة ليوا وأبوظبي نفسها، وكلما ازدادت معرفة الانجليز به ازدادت محبتهم لحكمه العادل غير المساوم. وانعكست محبة الانجليز هذه في الدعم الذي قدموه له، فقاموا في مناسبتين بالتدخل الى جانبه في وجه قوى مجاورة حاولت الاستيلاء على بعض الأرض منه. وفي سنة 1875 م قام العقيد اس. بي. مايلز الممثل السياسي البريطاني في مسقط بزيارة الى واحة البريمي ليضيف دليلا جديدا الى الدلائل الكبيرة القائمة على مدى قوة زايد الكبير. وعام 1891 م، كسب زايد الكبير دعم حليف قوي أيضا، هو شيخ دبي، فامتد نفوذه في الواحة الى حد انه في العام 1899 م عندما نزل تاجر ألماني الى الساحل على مسافة أبوظبي لشراء اللؤلؤ والصدف، رفض السكان السماح له بالنزول على الشاطئ بدون إذن شيخ أبوظبي الذي كان محل ثقة وتقدير الجميع. ويقول بيرسي كوكس الذي عاصر الجد الأكبر وكان معتمدا سياسيا في مسقط في عام 1902 م، ثم زار أبوظبي مرتين أثناء إقامته في منطقة الخليج وقد التقى زايد في المرتين: «نعتقد أن «زايد» يقوم بعمله بإرادة الله وأن الإيمان وحده هو مصدر قوته، لقد بنى الرجل نفوذ بني ياس في هذه الواحة، مع أن هناك قبائل أخرى كانت أكبر عددا، لكنها كانت تدفع الجزية راضية بحكم زايد عليها». الحاكم الثامن يقول سليمان البلوشي: «يعتبر زايد بن خليفة ثامن حاكم لإمارة أبوظبي إذا اعتبرنا عيسى بن نهيان أول حاكم لها، ومن بعد عيسى جاء ابنه ذياب، ولم تدون المصادر التاريخية فترة حكم الإمارة في عام 1793 م. وقام بنقل مقر حكمه من ليوا في الداخل الى جزيرة أبوظبي، وبنى في الجزيرة حصنا أطلق عليه قصر الحصن، واستخدم هذا الحصن كمقر للحاكم ومركزا للحكم. وكان لذلك اثر كبير في تطوير المنطقة الساحلية، وإضافة جديدة في حياة بني ياس الذين وجدوا منفذا لهم على سواحل البحر وأدى ذلك الى إنعاش حياتهم الاقتصادية عن طريق اشتغالهم بالبحر وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والاتجار به، ومكنهم هذا كذلك من تأسيس قوة بحرية لهم بعد أن كانوا يعتمدون في السابق على القوة البرية التي اشتهروا بها، وقد شهد شخبوط بن ذياب حدثين سياسيين هامين لعبا دورا بارزا في تاريخ المنطقة». أشارت العديد من الكتب والدراسات والوثائق الى هذين الحدثين المهمين. حيث تمثل الأول في انبثاق الدعوة الوهابية. والحدث الثاني وبحسب ما ورد في كتاب الدكتورة فاطمة الصايغ «الإمارات من القبيلة الى الدولة» فقد تمثل بوصول البريطانيين الى منطقة الخليج وسيطرتهم على مجريات الأمور فيها بعد أن وقعوا مع المشيخات الموجودة سلسلة من المعاهدات، نص معظمها على قصر تعامل شيوخ هذه المناطق مع الحكومة البريطانية دون سواها. ويذكر انه في عام 1816 م، تنحى الشيخ شخبوط بن ذياب عن زعامة القبيلة متنازلا عن الحكم لابنه محمد، واستقر في واحة العين، وبنى لنفسه قلعة «مريجب» ويبدو أن الأوضاع المضطربة في منطقة البريمي قد دفعت الشيخ شخبوط الى الاستقرار في العين ليكون بذلك قريبا من مركز الأحداث وحتى يتمكن من الحفاظ على مصالح بني ياس فيها. وقد تحقق له ما أراد حينما نجح من تثبيت دعائم سلطة بني ياس في منطقة العين عن طريق ضم قبيلة «الظواهر» الى حلف بني ياس، وقد شكل الظواهر فيما بعد إحدى الركائز الأساسية لسلطة آل نهيان في الواحة وأصبحوا حلفاء مقربين لهم. نحو الاستقرار مناخات فترة حكم زايد بن خليفة اتسمت بانتشار العديد من الظواهر، وخاصة ظاهرة القرصنة. وتشير الدراسات أن قبيلة بني ياس لم تكن تميل الى هذا النوع من التكسب، لذا وجدت في مهنة صيد اللؤلؤ وبناء السفن وبعض أعمال الزراعة، كما لجأت الى الاشتغال بالصيد والتوسع فيه بدلا مما كان شائعا وسط قبائل شبه الجزيرة العربية من أعمال الإغارة على السفن البريطانية وغيرها والتي كانت تستخدم مياه الخليج كمعبر رئيسي لمرور سفن المؤونة والشحن لجيشها ورعاياها. لقد شهدت إمارة أبوظبي في عهده تطورا ملحوظا في شتى المجالات. ففي الجانب الاقتصادي شكلت التجارة بين مدن وموانئ الإمارات ومجموعة من الدول المجاورة انتعاشا مهما للحركة الاقتصادية. وقد لعب بحنكته وخبرته التي اكتسبها عبر السنوات دورا مهما في تطوير إمارة أبوظبي والساحل المهادن، وأصبح بالفعل رجل الساحل القوي حتى لقبه الجميع بزايد الكبير تقديرا لمكانته وإجلالا لما قام به من أعمال وتطوير لمختلف مناحي الحياة والاهتمام بشؤون الناس وتحقيق مطالبهم. في عهده وصلت إمارة أبوظبي الى أقصى درجات اتساعها ونفوذها بفضل حكمة هذا الرجل الاستثنائي وحنكته السياسية، فقد استطاع أن يجعل منها القوة الأولى في الساحل المهادن، وان يجعل منها إمارة القوة الأولى المهابة الجانب. ويعود ذلك الى نجاحه في تحقيق الاستقرار السياسي الذي نعمت به أبوظبي من خلال النمو الاقتصادي الذي حققته بوقت قياسي حيث تفرغ السكان لممارسة الغوص على اللؤلؤ والاتجار به. وفي جانب آخر فقد حاول ضمن استراتيجية متميزة أن يوحد خلال فترة حكمه جميع قبائل الساحل تحت لوائه وكاد أن ينجح في ذلك لولا تدخل البريطانيين متذرعين بالحفاظ على موازين القوى في منطقة الساحل. ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن شيوخ الساحل كانوا ينظرون إليه نظرة تقدير واحترام وسعى الجميع الى تكوين علاقات ودية معه، ذلك أن قوة شخصيته ونزاهته وحبه للجميع قد جعل منه محل تقدير واحترام كبيرين. وفي مقدمة كتاب أبوظبي في عهد زايد الأول أيضا جاء: «تعتبر الفترة التي تولى فيها الشيخ زايد بن خليفة مهام حكم أبوظبي من المراحل التاريخية الهامة التي تمخضت عنها أحداث عديدة أسهمت في رسم الخارطة السياسية للمنطقة عامة وأبوظبي بضفة خاصة وفي عهده وتحديدا في عام 1892 م، حينما وقع الشيخ زايد مع الحكومة البريطانية المعاهدة المانعة، وهي إحدى أهم المعاهدات التي وقعت في تاريخ أبوظبي، وبموجبها أصبحت محمية بريطانية، وظلت المعاهدة سارية المفعول حتى قرر حزب العمال سحب القوات البريطانية من منطقة الخليج العربي في ديسمبر عام 1971 م». وفي الجانب التراثي لا نغفل جهود المؤسس الكبير واهتمامه بالبناء والعمران، لا سيما العمران على الطراز العسكري من بناء للقلاع والحصون وغيرها من المرافق العامة وقيامه بتجديد وإصلاح الافلاج حينما جعل منها شبكة ري للمزارع والبساتين. وقد شيد «قلعة الجاهلي الكبرى» والتي استغرق بناؤها عدة أعوام، وقد افتتحها رسميا وسجل على مدخلها تاريخ البناء عام 1316 هـ. نفوذ متزايد لقد بنى زايد الكبير تراثا من النفوذ لا يساويه نفوذ في الخليج. وكما أن لكل بداية نهاية. فقد حلت نهاية حكمه في العام 1909 بعد أن وافته المنية في ذلك التاريخ. وقد اجتمع مجلس البوفلاح ومعهم شيوخ وأعيان بني ياس لانتخاب الحاكم الجديد. وتم تعيين ابنه الشيخ خليفة بن زايد الذي لم يكن راغبا في الحكم والسيادة، وقرر المجتمعون أن يتولى المشيخة ابنه الثاني طحنون الذي حكم لمدة ثلاث سنوات (1909 ـ 1912). وبعد وفاته عرض حكم الإمارة على الشيخ خليفة بن زايد للمرة الثانية لكنه رفض ذلك، فتولى أخوه حمدان شؤون الحكم في الفترة ما بين (1912ـ 1922). وبعدها تولى الشيخ سلطان بن زايد في الفترة ما بين 1922 ـ 1926، وهو والد الشيخ زايد «طيب الله ثراه». وبعد وفاة الشيخ سلطان بن زايد بن خليفة، تولى أخوه صقر بن زايد الحكم لمدة عامين. ثم تلاه في الحكم الشيخ شخبوط بن سلطان بن زايد أكبر أبناء الشيخ سلطان بن زايد سنا. وقد حكم ثمانية وثلاثين عاما (1928 ـ 1966). ثم توالت الاحداث لتبدأ بعدها صفحة جديدة من تاريخ الإمارات بتولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكم في السادس من أغسطس عام 1966، حاكما لإمارة أبوظبي ورئيسا للإمارات العربية المتحدة، لتبدأ حقبة جديدة.. ومعجزة حكم جديدة.. ما زالت آثارها باقية حتى بعد رحيله، وهو الرجل الذي يشهد له العالم بأنه واحد من أعظم الرجال والقادة وأكثرهم إنسانية. فهو باني الاتحاد ومؤسس الامارات الحديثة والتي استطاعت بفكره الناهض وجهده الصادق أن تؤكد حضورها على كافة المستويات وان تحتل في خريطة العالم موقعا مهما. عبدالقادر السعدي يتمثل مرحلة تاريخية كاملة لأبوظبي بصورة رجل واحد فصاحة اللوحة: شموخ وأنفة وقوة وكبرياء وتأمل في مرسمه الشخصي وفي بيته بأبوظبي كان الفنان التشكيلي عبدالقادر صالح السعدي يتحدث بإعجاب عن شخصية الشيخ زايد الكبير (1836 ـ 1909) حاكم أبوظبي (1855 ـ 1909) في صفاته التي ذاع صيتها بين القبائل وفي قوة شخصيته وحلمه وشجاعته. هنا وجدنا أن الصورة تحكي، والزمن ينطق عبر اللون والملامح والتشكل، تلك هي براعة عبدالقادر السعدي الذي أعاد التاريخ جميعه، واستطاع أن يرسم الشيخ زايد بن خليفة «زايد الكبير» بلحظة استعادية جميلة، ضمن مئوية الشيخ زايد الأول 1909 ـ 2009. سلمان كاصد صروح كبيرة أساسية حاول السعدي أن يدخل بواباتها، الشيخ زايد الكبير بمكانته وشموخه، وقلعة الجاهلي التي ضارعت الزمن بأنفتها وهيبة جدرانها وتوجه مدافعها في كل الاتجاهات. الشيخ زايد الكبير.. الحاكم الذي تجلت رؤيته الثاقبة في سعيه إلى جمع واتحاد أبناء البلاد ضمن تطلعاته إلى الاتحاد الذي حالت الظروف دون أن يتحقق في ذاك الزمان، فوفى بهذه الأمانة حفيده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» عام 1971 فأقام دولة الإمارات العربية المتحدة. أسئلة كثيرة وحوار طويل مع التشكيلي عبدالقادر السعدي، تدور حول اللون وأرضية الصورة وقوة اليد الممدودة والنظرة الثاقبة المليئة بالقوة والكبرياء العربي وحركة العين المتأملة بشموخ، كلها كانت ضمن حوار حول تلك اللوحة المؤثرة، هذا بالإضافة إلى أهم منجزات السعدي في عالم الرسم والتشخيص لدقة الملامح وقوة التعبير وفصاحة اللوحة ودهشتها. شخصية كبيرة ومن هذا المنطلق بدأنا مع التشكيلي عبدالقادر السعدي للتعرف على لوحته المدهشة في رسم شخصية الشيخ زايد الكبير، وكيف كان يتعامل مع تكوين ملامح شخصية كبيرة، شكلّت حالة استثنائية في صناعة تاريخ أبوظبي، فقال: قبل أن أقدم على هكذا مشروع فني متميز، من المهم جداً البحث في المصادر التاريخية خاصة ما تركه لنا الرحالة في ذلك الوقت من وصف بسيط عن شخصية الشيخ زايد الكبير «زايد الأول»، إضافة إلى وصف الحياة العامة بمجموعة من الالتقاطات البسيطة، هذا ناهيك عن صور أخذت في ذلك الزمان بكاميرات بدائية مع تقادم الصورة التي بدت فيها الملامح غير واضحة تماماً ولكن يبقى إحساس الفنان التشكيلي من خلال فهمه للشخصية وأبعادها كونها شخصية شكلّت عنصراً أسطورياً بحكم أفعالها الكبرى مما يجعل رسم هذه الشخصية ضمن حالة من الكبرياء والشخصية القيادية تعكس كل هذه السمات على بناء الشخصية في اللوحة. التصور المعقول وأضاف: على الفنان قبل كل شيء أن يظهر الشخصية وخاصة إذا كانت كبيرة مثل شخصية زايد الأول ضمن حالة من التصور المعقول والمدروس للمرحلة وظروفها، ومنها إظهار قوة هذه الشخصية مما يكسب المتلقي احتراماً خاصا له مثلما كان المعايش للشيخ زايد الكبير يحس برهبة الشخصية في الواقع، لأنه كان صاحب سمات خاصة منها قوة الشخصية والتواضع الجم واحترام الآخر حتى أبسط الناس المحيطين به، هذا بالإضافة إلى حبه لأرضه ووطنه وأبناء القبائل، لذا وجد فيه الناس الشخصية القيادية القادرة على أن يقدم لهم الأمان والحياة الكريمة، وهي ذات السمات التي ورثها عنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله». وقد حظي الشيخ زايد الأول بمجموعة من الألقاب لعلو مكانته بين القبائل منها «زايد الكبير» و»ذو المقام العالي والكرامة» و»حامي البوابة الشرقية لعُمان».. وغيرها. وأود أن أضيف أن الشيخ زايد الأول اشتهر بسيفه المسمى «الغمامة» وقوة ضربته التي لا تثنى، وقد وصلت إمارة أبوظبي في عهده إلى أقصى درجات اتساعها وتمثلت باستقرار سياسي واقتصادي مميز. تشكيل الصورة وأكمل الفنان عبدالقادر السعدي موضوعته حول تكون شخصية الشيخ زايد الكبير قبل إقدامه على رسم لوحته التي استجمعت كل هذه الخصائص فقال: بدأت أشكل الصورة في ذهني أولاً بعد أن اطلعت وقرأت كافة المعلومات عن الشيخ زايد الكبير والتي وفرتها لي هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. وأضاف: لابد لي أن اسجل شكري للقيادة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على الاهتمام الاستثنائي والرائع والمهم في هذا الوقت لتوثيق تاريخ الإمارات حكاماً وشعباً وثقافة وعادات وموروثات لابد أن يبقى الإنسان في حالة التصاق بها أو إحيائها. وفي هذا الإطار فاتحتني هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على إناطة رسم صورة الشيخ زايد الكبير بي من ضمن فريق من الفنانين التشكيليين وأحمد الله على أنني اقتربت كثيراً من رسم صورة الشيخ زايد الكبير وتمثلها بنسب كبيرة، وهنا أود أيضاً أن أشكر معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على دعمه لعملي وتشجيعه لما قدمته في هذه الذكرى. وبالطبع أن اهتمام محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ومتابعته لتفاصيل العمل منذ بداية المشروع إضافة إلى توجيهاته السديدة والقيمة في توخي تفاصيل الأشياء ودقة المتابعة المعلوماتية، واستغربت حقاً من كثير من الأمور التي صححها لي المزروعي والتي كنت أجهلها أو لأقل بصراحة لم أعرفها من قبل كونها تاريخية أولاً ولها خصوصية المكان، والتي خبرها محمد خلف المزروعي بكل اتقان ووضوح. البيئة الصحراوية وأضاف: لقد أنجزت اللوحة بمدة زمنية استمرت شهراً كاملاً حاولت فيها أن أتعرف على طبيعة ما يرتديه الشيخ زايد الكبير، عباءته وعقاله، وحتى التطريز في العباءة والغترة، هذا بالإضافة إلى تشكل الألوان وانسجامها بين كل هذه الملابس التي رسمتها بأبعاد دقيقة. وعن توظيف البعد اللوني في خدمة الصورة الشخصية الآتية من عمق التاريخ قال السعدي: استخدمت الألوان الحارة والغامقة وخاصة اللون البني بتدرجاته، كون البيئة صحراوية فالقلاع بلون الرمال والملابس مأخوذة من ألوان البيئة نفسها والملامح بدوية السمات والخصائص، والنظرة الشخصية المميزة للشيخ زايد الكبير تمتلك قدراً كبيراً من الشدة واللين والفراسة والذكاء والتأمل العميق للأشياء، أي باختصار أنها نظرة القائد. وأكمل السعدي: أنني وبصراحة عندما كنت ارسم اللوحة أتذكر في كثير من الأحيان ملامح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي أكمل إرساء صرح الدولة، وكأنني في تلك اللحظات أعيش بين شخصيتين قويتين تتحاوران في زمنين مختلفين، زايد الأول أسس وزايد بن سلطان بنى وأعلى. وأشار عبدالقادر السعدي إلى جذور إبداعه الأولى في ميدان الفن التشكيلي فقال: بدأت الرسم منذ أن تعرفت على معنى الحياة، حيث اللون الممزوج بالطباشير، إضافة إلى انتمائي إلى أسرة لها اهتمامها وولعها بالفنون الشعبية وخاصة والدتي التي كانت ذات اهتمام بتصميم زخرفة الملابس التقليدية إضافة إلى استخدامها للأصباغ البودرة الممزوجة بالبيض، كل ذلك فتح ذهني إلى قيمة اللون والتشكيل الشعبي البسيط ذات النكهة التي لا تغادر الذاكرة. من هذا الجو المفعم بروح الحياة ابتدأت حيث تشكلّت عناصر الفن في أعماقي، وابتدأت فعلياً في دولة الكويت عام 1972 لأنني تعرفت لأول مرة على الألوان الحديثة التي لم تتوافر لي من قبل كالألوان الزيتية والمائية والغواش. وأضاف السعدي: انتجت في تلك الفترة أعمالي الزيتية، رغم بساطتها إلا أنها حازت إعجاب الجميع، وشاركت آنذاك بالعديد من المعارض ثم التحقت عام 1982 في المعهد العالي للفنون المسرحية بقسم التصميم والديكور، وتخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف. الخبرة الإبداعية أما عن أعمالي الأولى فقد أقمت معرضاً في الكويت، وشاركت في عدد كبير من المعارض في الكويت والإمارات وماليزيا وأقمت معرضاً مصغراً في باريس، وحزت على 3 جوائز كانت الأولى جميعها في معرض الصيد والفروسية للأعوام الثلاثة الأخيرة. وعن أهم ما يشتغل عليه عبدالقادر السعدي قال: اهتم بتفاصيل الحياة في منطقة الخليج، من حيث الطرز المعمارية، والأزياء كونها أحد تخصصاتي عندما درست مادة الأزياء المسرحية في المعهد وهي التي وجهت اهتمامي على التقاط شؤون وملامح الحياة للإنسان الخليجي. وعن كيفية توظيف هذه الخبرة الإبداعية قال السعدي: يمكن لي أن أشتغل على توثيق الحياة والموروث عبر اللوحة والتصميم، واقتراح ما يشكل قيمة كبيرة لإحياء التراث المادي الذي يعتبر مهماً بل وفي مصاف التراث المعنوي. وعن أهم ما يشغله الآن كمشروع فني وإبداعي قال السعدي: أجد أن هذا العام قد كرس لإحياء مشروع كبير ومهم هو مشروع مئوية الشيخ زايد الكبير وفي هذا الإطار أطمح إلى تحقيق المزيد من الرؤية لتلك الحقبة التي عاش فيها وأسسها الشيخ زايد الكبير ومن هذا المنطلق أطمح إلى إعادة تلك الفترة بكل مفاصلها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©