الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

راشد أبو غازيين.. عندما ينأى الشعر في خورفكان

راشد أبو غازيين.. عندما ينأى الشعر في خورفكان
7 ابريل 2010 22:08
يكتب راشد أبو غازيين قصيدته كما لو أنه يشاهد حلما ما. هذا الشاعر، الذي صدر ديوانه الأول “أخرج متنكرا بإغماءة” عن مشروع (قلم) التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث مؤخرا، في حلمه قَدْرٌ من التأمل الشفاف في العالم والوجود وفي حياته الشخصية وتجربته الإنسانية التي حوّلها إلى مادة شعرية. أيضا في شعره الكثير من الإحساس بالوحدة، أو العزلة أو حتى الصمت، ومن هنا تحتاج قصيدته إلى قارئ متأمل وليس إلى قارئ عجول يروم المعنى مباشرة ودون عناء. ربما لأن راشد أبو غازيين يكتب بنوع من المكابدة أو الألم في حين هو لا يصبو إلى شيء مما يود قوله، كما لو أن شيئا ما يؤرقه هو حِمْل أو ثِقَل وعليه أن يخلص منه الآن وللتو: “لا أنساك ولا أتذكرك لا أمقتك.. لكن أمقت هذا الهلام الذي خلّفته لا أستطيع أن أقول إنني عاشق أنا هبة عشق رمادية من منفاك الكريم”. ما يلي حوار معه: - نبدأ من هذا الكتاب، فما الذي يعنيه بالنسبة إليك، وأنت الأكثر انكفاء إلى العزلة من سواه؟ - إنه يعلي من إحساسي بالمسؤولية تجاه ما سأكتب لاحقا. ثم إن الكتاب الأول للمرء يعزز لديه الشعور بأنه قد أصبح شاعرا “رسميا” بمعنى ما ومقروء من قبل أقرانه في الوسط الثقافي وينظرون متطلعين إلى المزيد. وهو دافع لكتاب آخر أفضل وأعلى سوية فنية مختلفة ليس كالسابق، أي هذا الكتاب، ولا كما هو سائد أيضا. لا أستطيع الحكم على تجربتي، لكن أستطيع القول أنني أشعر بأن هذا الكتاب هو كتاب تأسيسي للآتي، وأتمنى أن يكون الآتي أكثر. يبدو الشخص السارد في قصيدتك، كي لا أقول أنت متواريا وبعيدا ونائيا، هل هناك عزلة من نوع ما. بطبعي الشخصي أميل إلى العزلة نوعا ما، اما بالنسبة إلى ما هو في كتابتي فأسعى إلى أن أخاطب المطلق. - قصدت القول: هل هذا النوع من الخطاب الشعري بحاجة إلى العزلة؟ - لا أدري، وكل ما أعرفه أنني في هذا الكتاب كنت أحاول أن أخترق الزمن سواء في حلته الشعرية أو المادية المعهودة لدى الناس، ولم أقصد أن يكون الخطاب الشعري خطاب عزلة. - في هذا السياق، ما الذي يعنيه “أن تكتب” بالنسبة لك؟ - باختصار، هو فعل احتجاج على العالم. أريد أن أقول: “أنا موجود”. ثم إن الكتابة هربٌ من الرتابة، وفعل انعتاق من السائد بلا مبالغة أو شطط. هذا هو معنى الكتابة بالنسبة لي. بحث عن الحرية - إذن انت حالم بالحرية؟ - بالتأكيد، والشعر جناحيّ اللذين أرّف بهما خارج هذا الواقع وما هو سائد فيه. - تحدثنا عن الكتابة في حدّ ذاتها، إنما ما الذي يحفزك على الكتابة والاستمرار في الكتابة؟ - هذا السؤال ينبغي أن يكون مسبوقا بسؤال قبله: مَن أنت؟ وما الذي تقدمه في هذه الحياة. إن ما بوسعي هو القول عن طريق الشعر فأقول مَنْ أنا أو أشير إلى ماهيتي، وهذا هو دوري في حياة لم أخترها. أيضا ربما رغما عني أخذت دور الشاعر في هذه الحياة. أحيانا الحاجة إلى الكتابة تقود المرء إلى الكتابة، فتصبح هذه الكتابة نوع من التعيّن في الوجود، إذا جاز التعبير فهل هذه هي حاجتك إلى الكتابة، أي أن تتعين في الوجود؟ الحاجة إلى الكتابة. عندما أكتب أشعر بي، أشعر أنني أنا، وأن أنا هو أنا، وأعيش القصيدة محلقا في أجواء المطلق، يشبه الأمر قطف ورود من حديقة بعيدة أو سرّية، أو إن القصيدة نفَس وروح تنأى في ذلك المطلق والبعيد. أشعر أن أناي متصالحة معي في لحظات كتابة القصيدة. - كما لو أن كتابة الشعر لديك هي لحظة غياب؟ - لا أعرف، ولا أستطيع ربط القصيدة بممارسة هذا الفعل. - لننتقل إلى موضوع آخر، لماذا هذه الندرة في الكتابة، ولماذا هذه الندرة في النشر؟ - في جانب من هذا الموضوع دعني أقول شيئا، فنحن هنا في خورفكان بعيدين عن المراكز كالشارقة ودبي وأبوظبي، فتشعر أحيانا أنك إذ لا تأبه بالشعر فإن أحدا لا يأبه بك إن كتبت الشعر أو لم تكتب. ثم أن تلتقي بشعراء في حياتك اليومية فهذا يشكل حافزا، لكن الإقامة في مدينة نائية عن هذه المراكز تعيش مع أصدقاء لا علاقة لهم بالثقافة إجمالا فما بالك بعلاقتهم بالشعر، وهذا سبب رئيسي ينأى بك عن الكتابة أحيانا، لكن لا ينأى بك على نحو كامل. - هل تلجأ إلى القراءة عندما يحدث ذلك؟ - بالطبع، ولا أخفي أنني مولع بالرواية، بل بما هو مترجم منها إلى العربية، وكذلك أقرأ في حقل الأنثربولوجي والأسطورة. إنها حقول تحفز المخيلة على ممارسة صنيعها. عبر الرواية أكتشف تجربة شخص جديد بالنسبة لي في مجتمع جديد أيضا لم أعهده من قبل خاصة أن الرواية قريبة إلى الشعر، فأجد نفسي عندما أقرأها أو ربما أعتاض بها عن الكتابة بمعنى ما. إنني أقرأ الرواية أكثر من الشعر، وما تمنحني إياه من أحاسيس ومشاعر تشكل حافزا إذ تقربك من العودة إلى الإبداع. - بعد صدور هذا الكتاب، هل تكتب الآن؟ - حاليا لا أكتب، لكنني أشعر، حقيقة، أني في حالة “مخاض”. المشهد الإماراتي - هل تتابع المشهد الشعري الإماراتي؟ - أتابع لكن اهتماماتي منصبّة باتجاه أسماء بعينها مثل أحمد راشد ثاني وعبدالعزيز جاسم وابراهيم الملا ونجوم الغانم، وهذه تجارب سعيي إليها محدد بأني أريد أن أستفيد منها، والاستفادة ليس تخييليا فحسب بل تقنيا وفلسفيا أيضا، فقد سبقوني وأنجزوا تجارب باتت ملحوظة الآن، وأنظر إلى هذه الفائدة بوصفها أمرا صحيا وليس مجرد تقليد، إذ عليك أن ترى ما أنجز الآخرون أيضا في الحقل نفسه لا أن تكتب كما لو أنك أنت المنتهى. - وماذا عن هذا المشهد خليجيا وعربيا؟ - باختصار، أحب أن أقرأ باستمرار لمحمد الماغوط وشوقي أبي شقرا وأنسي الحاج ومحمود درويش وسواهم. لكنني باستمرار أقرأ كل ما يتسنى لي قراءته. - قد يشعر قارىء قصيدتك أنك أقرب إلى قصيدة النثر اللبنانية. - ما أعرفه هو أنني قد تأثرت بأحمد راشد ثاني، لكن هذا لا يمنع أنني قد تأثرت بتجارب أخرى عربية اطلعت على منجزها. وأنظر للتأثر بالشعراء الآخرين على نحو إيجابي فأنت لن تكتب تجربتك الخاصة وتصل بها إلى صفاء صوتك بمعزل عن منجز الآخرين. أيضا أعرف أنني أحب في الشعر تجارب بعينها لكني أعرف أنني قلدت شاعرا. - تحدثت عن صفاء الصوت، كيف يكتب الشاعر برأيك إذن؟ - بالنسبة لي ما أعرفه أن الشعر صناعة، وبرأيي أن الشاعر فنان بالمقام الأول وليس كائنا لغويا فقط، فالشعر يعتمد على الصورة التي يرسمها الشاعر بالكلمات ويجعلها صورة أشبه بحلم. - بالفعل، تبدو قصيدتك أحيانا شبيهة بحلم. - واقعيا، أنا في الحياة واقعي وغير واقعي معا، فما بالك بكتابة الشعر! إنني غير واقعي تماما، ويبدو هذا الأمر على ما أكتب، فأنا أكتب كما أعيش وأتخيل. ودعني اقول أن هذا الأمر قد يبدو نوعا من التهرب من واقع أنا لا أحبه، أحبّ أنْ أتخفف منه وأن أنعتق من كل ما يربطني به، أريد أن أكون حرّا ما أمكنني ذلك. - يقال إن الفنون جميعا قد هزمت الموت، الأمر الذي يرد تقريبا في قصيدة محمود درويش: الجدارية، هل هذا الأمر مقبول بالنسبة إليك؟ - أومن بأن مَنْ استطاع أن يهزم الموت هو الشعر، بالتالي فإن لحظة كتابة الشعر هي من جهة خوض صراع مباشر مع فكرة الموت واقتراب من فكرة الخلود الإنساني، هكذا يصبح الإنسان ندّا عنيدا لموته ولقاهره الأزلي. الشعر مقاتل شرس. - هل يخوض الإبداع الإماراتي، وتحديدا في الشعر، جدلا مع اللحظة الشعرية العربية الراهنة؟ - بالتأكيد وما يتم إنجازه هنا لا يقل أبدا عن ما يتم إنجازه الآن في أي بلد عربي آخر، لكن مسألة أن يكون المنجز معروفا أم غير معروف فهذا أمر آخر يتصل بالممارسة النقدية محليا وعربيا كما يتصل بالمتابعة الإعلامية. وللأسف هذان العاملان غائبان ولا فاعلية ملحوظة لهما. لكن ثمة أصوات شعرية إماراتية قد وصلت إلى العالم العربي أو المهتمين بالشعر، وأسماء من قبيل ميسون صقر القاسمي وأحمد راشد ثاني وعبد العزيز جاسم وحبيب الصايغ وابراهيم الملا أعرف ما أنجزت قبل أن أكون هنا. لاحظ أن تواجدهم يأتي من أنهم جيل سابق علينا، وما حدث لاحقا من ظهور أسماء أخرى إماراتية على مستوى عربي جاء مع اختلاف في الظروف والمعطيات على كل الصعد. أظن أن المسألة إعلامية إلى حدّ بعيد ولا علاقة لها بالإبداع ومستواه. - شهدت الثمانينات حراكا شعريا بدا لافتا عربيا في الإمارات، لماذا لم يستمر هذا الحراك في التسعينيات وهذا العقد أيضا برأيك؟ - سأصدقك القول، لدي إجابة لكني لست متأكدا منها. لقد شهد عقد الثمانينيات في نصفه الأول نشاطا إيديولوجيا متنوعا أيضا، والأرجح أنه قد ألهب حماسة الشعراء وأثار جدلا بينهم على المستويات الثقافية كلها. وهذا باختصار. وأظن الآن أن الجيل الذي ظهر من بعد جيل الثمانينيات، قد ابتعدوا عن الإيديولجيات وما بينها من صراعات أو جدل أو ما شئت، إنهم شعراء بلا حماسة وأنا واحد منهم. - هل أنتم جيل فصل بين السياسي والشعري؟ - أعتقد أن الظروف بكل ما فيها من هزائم متتالية وإحباطات قد نأت بالمواطن العربي عن تبني وجهة نظر ما وأجبرته على الانكفاء. إننا جيل قد أعاد تشكيل ذاته وبقي في لحظة انتظار، انتظار الأفضل ربما، فليس أمامنا خيارات أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©