الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التراث والتعليم.. العلاقة المحلوم بها

التراث والتعليم.. العلاقة المحلوم بها
7 ابريل 2010 21:50
أثار الملتقى الدولي الرابع للتراث الذي نظمته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في العاصمة أبوظبي على مدى أربعة أيام (من 29 مارس ولغاية 1 ابريل) الكثير من القضايا الشائكة والإشكالية، وشهد مناقشات وجدالات معمقة حول قضايا تخص العنوان المعلن للملتقى وهو: “التراث والتعليم: رؤية مستقبلية”، وذلك بحثاً عن العلاقة التكاملية التي يرمي إليها الملتقى كما جاء في كلمة سعادة محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، الذي رآى أن العلاقة بين التراث والتعليم علاقة مبنية على التكامل والأهداف المشتركة، وأن من مصلحة المهتمين بالتراث والساعين لصونه، أن تبقى هذه العلاقة في أكمل صورها. كما وضع الملتقى يده على بعض المعالجات الضرورية الكفيلة بالإجابة على عدد من الأسئلة التي نلقي عليها الضوء في هذه القراءة لمتون البحوث التي القيت في الملتقى. في سعيهم وراء هذه العلاقة/ المحلوم بها، ناقش المجتمعون أو المشاركون في المؤتمر وهم نخبة من المفكرين والمثقفين المعنيين إما بالتراث أو بالتعليم أو بكليهما العديد من القضايا التي بدت محل إجماع حيناً واتفاق حيناً آخر، وكان مصطلح التراث نفسه أكثر هذه المفاهيم مدعاة للخلاف، حيث تعاطى بعض الباحثين مع التراث العربي الإسلامي فكراً ونصوصاً باعتبارها تندرج ضمن المفهوم، فخرجوا بذلك الى مفاهيم مثل النص المقدس والفروقات بينه وبين التراث، والنظرة النقدية الى التراث وما ينبغي استخدامه وما لا يتناسب مع معطيات العصر، وما تثيره العلاقة مع التراث من أزمات ترتبط بالعولمة وتجلياتها والهوية وشروخاتها وغير ذلك مما يدخل في صلب الإجابة على السؤال الكبير: أي تراث نريد؟ أي تعليم نريد؟ فيما جاءت معظم البحوث في إطار فهم التراث باعتباره التراث الشعبي أو الفولكلور في جانبه غير المادي (الحكايات، الأغاني والأهازيج، الأساطير، الخراريف، والأدب الشعبي والمعتقدات والعادات والتقاليد وغيرها مما ينطوي تحت مصطلح التراث الشعبي)، ومن أهم القضايا التي حظيت بالبحث والنقاش: كيفية تعزيز التراث في المناهج الدراسية، دور المتاحف والفضاءات الثقافية في تعليم التراث، دور المنظمات الدولية في تعليم التراث، وسائل الإعلام وتعليم التراث، المؤسسات الأهلية لتعليم التراث، دور التعليم العالي والمؤسسات المجتمعية في تعليم التراث، والاستراتيجيات الحديثة في تعليم التراث، التجارب العربية والعالمية الرائدة في تعليم التراث، بالإضافة الى تجربة الإمارات التي حظيت باهتمام خاص. التراث والتعليم.. أي علاقة؟ هذا واحد من الأسئلة التي شغلت الباحثين وتقصوا تجلياتها في بحوثهم، ومنهم فرانسيسكو خافيير لوبيز موراليس (من اليونسكو) الذي اهتم بالتعليم بوصفه “أداة لصون التراث الثقافي”، ليؤكد أن نقطة الانطلاق والهدف الأساسي لأي جهد يتم بذله لصون التراث أو تعزيزه أو نشره أو إنقاذه هي المجتمعات، لأنها تعد القوى الحقيقية التي تحمي تراثنا. وبناء عليه فإن ضمان انتقال التراث الثقافي غير المادي إلى الأجيال الأصغر سنا يعد أمرا ضروريا من أجل تعزيز الصلة التي تربطنا بالتاريخ وبهويتنا؛ وإنه لأمر ضروري أن نبتكر الأساس لثقافة حقيقية لصون التراث الثقافي في كافة مصادره. ووفقا لذلك، فإن التعليم الذي يركز على مرحلة الطفولة والشباب يعد أداة قيمة لحد كبير”. ولأن البحث عن ثقافة السلام واستثمار علاقات السلام القائمة بين الدول عن طريق تعزيز الحوار الثقافي البيني القائم على احترام الاختلاف أحد أهم المبادئ الأساسية الخاصة باليونسكو، فإن موراليس يرى أن دراسة التراث ستساعد الطلاب على فهم مواقع التراث العالمي على أنها أدلة على السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية وأهمية عدم التمييز العنصري والتسامح واحترام كافة الشعوب والثقافات. ومن هنا، انطلق موراليس إلى أن “توعية الشباب بأهمية صون التراث بكافة أشكاله أمراً حتمياً، ففي المستقبل سيضع هؤلاء الشباب السياسات الوطنية والدولية اللازمة وسيتحملون مسئولية اتخاذ القرارات. ولقد كانت اليونسكو دائماً هي الجهة التي تعقد الاتفاقيات الدولية التي توحد الأمم المختلفة، وذلك بحثاً عن عالم تسود فيه الشرعية والالتزام بالاتفاقيات والتفاهمات والسلام وتطوير الحوار بين الثقافات، إلا أنه يجب أن تلتزم كل دولة باتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من أن كافة الأعمال التي تنظمها السيناريوهات الدولية أصبحت حقيقة على المستوى الوطني”. أما الدكتور علي محمد برهانة (من ليبيا) فذهب في بحثه الموسوم بـ “ السرديات التراثية وتعليم التراث” إلى أفق آخر، طرح فيه السؤال التالي: لماذا الحاجة لتعليم التراث وإدخاله في المنظومة التعليمية؟ وفي إجابته على السؤال قال إن الإنسان هو الكائن الذى يعيش التاريخ دون بقية الكائنات، لأنه يحمل تجاربه التاريخية منذ أن وجد إلى يومه، وهذه التجارب هي التي تحدد استجاباته للمواقف المختلفة التي يتعرض لها، كما أن هذه التجارب تجعل منه كائناً اجتماعياً، بمعنى أنه يعيش فى وسط ثقافي تتجاذبه جدلية الثابت والمتحول فهو دائماً يراكم خبرات جديدة، ويعيد النظر في خبرات سابقة، ويختزن ويحذف ويعدل، ويستجيب، ويقاوم ، إنه ببساطة فى كل هذه العمليات محكوم بالتراث هذا التراث الذى يجمع بين صفتي الاتساع والضيق ، فمنه ما هو شامل يربطه بالنوع البشري كله ومنه ما هو محدود، وهذا الأخير منه ما هو ضيق جداً يربطه بالمحيط البشري الغريب منه، ومنه ما هو أكثر اتساعاً يربطه بمحيطه الوطني وهناك ما هو اشمل من ذلك ، فيربطه بمحيطه القومي. على أنه فى جميع الأحوال يبدو التراث من الأهمية بدرجة لا يمكن للإنسان أن يخرج من أسره، ولابد له من أن يكون سلوكه متعلقاً به بكيفية من الكيفيات. فالإنسان بالضرورة كائن تراثي يحمل على كاهله تجارب القرون ولا يستطيع منها فكاكاً. ومن هنا خطورة التراث، ومن ثم فإن الأمر يقتضى التعامل معه بوعي، فلا ينبغي إهماله والتنكر له لأنه مكون أساس من مكونات الهوية ، ولا يجب الانصياع له حتى تصبح الكائنات الإنسانية كائنات تراثية”. وفي بحثه الغني والشيق عرج برهانة على السرديات، التي عرفها بأنها المادة الحكائية في التراث العربي، أي التي تتخذ من القصص وسيلتها لإيصال محمولها المعرفي، ومنها القصص الشعبي المطبوع والشفهي الذى يشمل السير الشعبية والأساطير، والخرافات ، والحكايات الشعبية ، وهذه مادة وفيرة وجيدة وغنية تمثل فيها الوحدة والشمول ، والتعدد ، وتمثل تراثاً يمتح من مكونات مجتمعاتنا العرقية والثقافية ، ولهذا فهي محملة بتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا وحكمتنا ، وعلاقاتنا مع جوارنا الثقافي من المجتمعات الإنسانية ، وهى لذلك كله تمثل أرضية رحبة للحوار والتعدد والغنى ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ألف ليلة وليلة، سيرة عنترة،سيرة الأميرة ذات الهمة، سيرة بنى هلال. فإذا اعترض معترض على إدخال الأدب الشعبي الذي تنتمي إليه هذه السرديات فى النشاط التعليمي، فإن الإجابة حاضرة أوجزها برهانة في قوله: “هذه نظرة أصبحت باليه على مستوى الإنسانية منذ أن انبثقت المناهج الحديثة فى دراسة النص الأدبي من هذا الأدب الشعبي. وتشكل هذه السرديات مادة أدبية رفيعة يمكنها أن تساهم بشكل كبير وفعال فى النشاط المدرسي ، وتساهم من ثم فى ربط الناشئة بتراث أمتهم ، وببعضهم البعض، وتمثل أرضية مشتركة للمعرفة، وتعين على تدشين تبادلاً للخبرات وتكاملاً فى مجال التعليم”. ولم ينس الباحث أن يؤصل لمفهوم النشاط المدرسي ومراميه وغاياته، ليصل إلى الكيفية التي يمكن بها توظيف التراث في النشاط المدرسي، مما يجعل من المدرسة فضاء جاذباً ، ومستقطباً لعقول ونفوس الناشئ ، الأمر الذى يساهم فى فعاليتها ويجعل منها مؤسسة ناجحة فى أداء رسالتها . فالنشاط يمكن أن يقدم مادة ثقافية تخدم المناهج الدراسية بطريقة غير مباشرة عبر استعمال هذه السرديات، وتوظيفها فى خدمة الأهداف العامة ، والأهداف الخاصة التي تخص النشاط المدرسي بالذات وذلك من خلال الاستخدام المباشر (باتخاذها مادة للدراسة وتطبيق المنهجية الحديثة عليها )، والاستخدام غير المباشر (اتخاذ السرديات الشعبية مادة للفنون التشكيلية أو نحت تماثيل لأبطال هذه السرديات، و تلحين ما فيها من مادة شعرية وتأديتها من قبل الطلبة، وتحويل هذه النصوص السردية إلى أعمال مسرحية وتمثل من قبل الطلبة ويخرجها المدرسون أو المهتمون بالمسرح، وإجراء مسابقات عامة فى نهاية العام الدراسي تجمع مدارس المنطقة ، وتعطى جوائز للفائزين والمبرزين من المعالجين لهذه النصوص من المعلمين والمشرفين على هذه العملية مما يكرس الاهتمام بها ويلفت إليها النظر ، ويعطى الأمر جدية تبعث على مواصلة الجهد. والتفت برهانة إلى أهمية تطبيق ما أوضحه من مفاهيم وهو ما فعله في ما تبقى من بحثه الطويل الذي لا يتسع المجال لسرد ما جاء فيه في هذه العجالة، خصوصاً أنه يزخر بالتفاصيل التطبيقية والتحليلات المضمونية والجوانب الفنية. المتاحف والتراث أي دور يمكن أن يلعبه المتحف والفضاءات الثقافية في تعليم التراث؟ في الإجابة على هذا السؤال قدم الأستاذ الدكتور هاني الهياجنة (من الأردن) بحثاً قيماً عن “دور المتاحف في صون التراث الثقافي غير المادي وأهميتها في التعليم غير الرسمي” ناقش فيه الكثير من المفاهيم المتصلة بموضوعة المتحف، والتراث غير المادي، والفضاءات التي ينبغي توفيرها لعرض مثل هذا التراث بحيث يكون حياً ولا يتحول الى تراث متحفي متحجر، داعياً خبراء المتاحف إلى توسيع دائرة تعريف المتحف ليشمل الدلالات والقيم والمشاعر الكامنة لدى الناس، وخاصة فيما يتصل بتعابير التراث الثقافي غير المادي. منوهاً إلى أن “المفهوم التقليدي للمتحف قد لا يساعدنا في نواح كثيرة للحفاظ على أنماط معينة ومختلفة من التراث الثقافي غير المادي، لذا فقد نظر البعض إلى المتحف البيئي كجزء من حل مشكلة صون التراث الحي، والذي يمكن أن يزودنا بوسائط ليكون أكثر فعالية، ويعمل ضد قوى العولمة المُذيبَةِ للتراث. ورآى هياجنة أن المتاحف وخاصة المحلية منها، يمكن أن تعمل كوسيط بين المجتمعات المحلية والثقافات الشعبية العامة، وبناء على ذلك فإنها تأخذ بعين الاعتبار صون الاهتمامات المحلية للناس بالتراث الحي. لكن لا ينبغي أن يفهم من عملية صون التراث غير المادي في المتاحف تثبيتها وتجميدها، وتحويلها إلى مادة لا حراك فيها، أو تحجيرها. بمعنى أنه لا ينبغي للمتحف في هذه الحالة أن يكون المثوى الأخير للتراث غير المادي. ويقترح هياجنة المتحف البيئي كبديل للمتحف التقليدي لأنه يقوم على المبدأ الشمولي والتكاملي الذي تٌدْمَجُ فيه عناصر مادية وغير مادية وأناس وطبيعة وأدوات وغيرها، والذي يمكن أن تُتَّبَعَ أسسه ومعاييره لصون التراث الثقافي غير المادي وتعزيزه والترويج له، مما سيسهم أيضا في الحماية العامة للتنوع الثقافي، والتعابير الثقافية وأهميتها وقيمها ودلالتها. ويعتقد هياجنة أن المتاحف تقدم إمكانيات لم تستغل من قَبْل للتواصل الاجتماعي، وانتهال المعلومات الثقافية والعلمية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة وتطوير السلوكيات والمهارات المعرفية، فالتعليم هو عملية طوعية تدار من الذات وتوجه في سياقات غير رسمية كهذه، وعادة ما تكون مدفوعة بالفضول والاكتشاف وتشارك الخبرات مع الأصحاب، والتعليم في المتاحف في معناه الواسع هو نتاج آخر للتفاعل بين متعة الزوار بالمتحف ومحيطه، وقد جرى في السنوات الأخيرة تقدم ملموس في بعض المتاحف نحو تصميم نشاطات في البيئة الشعبية، والتي تمكن من تسهيل عمل المتطوعين فيما يتصل بطيف واسع من المهارات المعرفية مثل التحليل البناء والنقدي، وفهم أفضل للماضي وتركيبة العالم الطبيعية، وعلاوة على ذلك أصبحت البيئات العامة والشعبية كالمتاحف والحدائق وقاعات العرض ومراكز العلوم تقدم فرصا فريدة ليس فيما يخص كيفية إمتاع الناس في أوقات الفراغ، بل لتقديم بدائل لعملية التعليم الرسمي. ولعله يمكننا الوصول إلى نتيجة فعالة بين الشبيبة، وهم الفئة المستهدفة في حمل راية التراث، عند بدئنا بتصميم مناهج مدرسية تشتمل على أطياف مختلفة من التراث الوطني، وتكون في نفس الوقت رابطا بين النشاطات المدرسية والحصة الصفية من جهة والمتحف من جهة أخرى، سواء كان تقليديا أم بيئيا، بحيث يمكن للمتحف أيضا المشاركة في تصميم ذلك المنهج المدرسي، فلعل ذلك سيسهم في بث الوعي بالتراث وأهميته، وتجعل المستهدفين قادرين على حمله للأجيال القادمة بكل فعالية واقتدار. أما الباحثة ميري رحمة فتتحدث عن أنواع من المتاحف وليس متحفاً واحدا، فهناك على سبيل المثال متاحف التاريخ، ومتاحف الأركيولوجي، ومتاحف التاريخ الطبيعي، ومتاحف الفن، والمتاحف القومية، والمتاحف الإثنوغرافية وغيرها. وهي ترى أن المتحف من أهم المؤسسات الثقافية والعلمية التي من شأنها أن تلعب دورا إيجابيا كبيرا في التربية والتعليم، فهي صلة وصل بين التراث المادي والتراث اللامادي. و يمكن أن يكون المتحف واجهة لتقديم الكثير من العناصر التراث المعنوي مثل المعتقدات والطقوس والممارسات الاجتماعية والحكايات والموسيقى والمهارات التقليدية. ونظراً لأن المؤسسة المتحفية من بين المؤسسات الثقافية التي تتوفر على المؤهلات والوسائل التي تجعل منها حلقة وصل بامتياز بين التراث المادي والتراث اللامادي. وبالتالي تلعب دورا استراتيجيا في الحفاظ على عناصره الهشة والمعرضة لخطر الاندثار وإبراز قيمته ونقله للأجيال. و من بين القضايا التي تثيرها الباحثة مسألة تحديد العلاقة بين المؤسستين التي تأتي في صيغة أسئلة من نوع: ما السبيل للتعاون بين المدرسة والمتحف من أجل تحقيق دورهما التربوي؟ كيف يصبح المتحف شريكا تربويا للمدرسة؟ كيف نجعل من التلميذ زائرا محتملا للمتحف في كبره؟ كيف يمكن توعية الطفل بأهمية تراثه المحلي والتراث الجهوي؟ وهي تستعين في الإجابة على هذه الأسئلة برأي التربوي سيليي الذي يلخص هذه العلاقة بقوله: “المتحف يوجد على الطريق التي تؤدي إلى المدرسة غير أن المتحف ليس من الضروري أن يتحول إلي مدرسة”. وفي بحثها تقيم ميري رحمة مقارنة بين المتحف والمدرسة لتصل في النهاية الى عدد من العناصر الأساسية التي يمكن أن تساعد على جعل المتحف امتداداً للمدرسة، والتي تجعل من الاستعمال التعليمي للمتحف استعمالا ملائما لأهدافه التربوية، وأسس واساليب تعليم التراث بالمتحف. وتخلص الباحثة إلى أن العولمة وما صاحبها من ضياع للهويات المحلية ونوع من الغموض في المرجعيات الثقافية، وكذا التحولات والتغييرات السريعة التي تعرفها المجتمعات في الوقت الراهن وما لها من تأثيرات سلبية على الموروث الثقافي من تغيير واندثار، تجعل من تفعيل الدور التربوي والتعليمي للمؤسسات الثقافية في إبراز قيمة التراث والتوعية بأهميته مسألة ضرورية وملحة أكثر من أي وقت مضى. في هذا الإطار ينبغي أن تسعى كل من المؤسسة التعليمية والمتحفية إلى شراكة تعزز الحوار والتعاون بين رجال التعليم والمتحفيين والمتخصصين في التراث من أجل العمل على تمكين الطفل من امتلاك الأدوات اللازمة للاهتمام بالتراث والتعرف عليه والبحت فيه وفهمه مما يسهاهم بشكل كبير في بقاءه والمحا فظة عليه. خافيير سيبالوس يرى أنها توقظ في الإنسان إنسانيته وتبرز معدنه النبيل الصقارة.. فن الاتحاد الحرّ مع الصديق المجنح “الصقارة ليست فقط طريقة مختلفة من طرق الصيد، لكنها فن أخذ الإنسان إلى أعمق اتحاد حرّ مع الحيوان. لذلك إخواني الصقارين، عندما يكون الصقر على قبضتكم وأنتم على هبة الاستعداد في الفجر لصيد الطرائد وكأنكم تفعلون ذلك لأول مرة، وهي ليست الأولى، عليكم بالتفكير في أن الإثارة والترقب التي لا يمكنكم احتوائهما، فإنكم تشكلون رابطاً في سلسلة طويلة من الأسلاف تمتد إلى ما قبل التاريخ”. بهذه الكلمات المؤثرة ختم الباحث الدكتور خافيير سيبالوس بحثه الموسوم بـ “تعزيز التراث الثقافي غير المادي للصقارة من خلال التعليم”، ليعكس فهماً إنسانياً لهذه العلاقة النبيلة التي تربط بين الإنسان والطير. تنتمي الصقارة إلى التراث الثقافي غير المادي، وهي في طريقها للإدراج ضمن التراث العالمي في منظمة اليونسكو. لكن قد يتطلب الأمر في بعض الأحيان للحفاظ على قيمها وصون ممارستها نوعاً خاصاً من التعليم، وينبغي أن يوجه هذا التعليم إلى كل من الصقارين وإلى الجماهير التي تجد في هذه الممارسة جزءاً من ثقافتها. وفي بحثه الممتع قدم الدكتور سيبالوس متابعة دقيقة وشبه وافية لكل ما يتعلق بهذه الرياضة التراثية، موضحاً تعريفها، والخصائص الفريدة للصقارة كتراث ثقافي غير مادي، والأسباب التي تجعل الإنسان مخاطر الحل القاسي والخاص، التهديدات الموجهة للصقارة، التعليم كمورد للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للصقارة والترويج له. ويرجع تاريخ الصقارة إلى أكثر من خمسة آلاف سنة. وتعتبر من الأنشطة البشرية القليلة التي استمرت دون انقطاع لهذه المدة الطويلة من الزمان وعلى مدار تعاقب العديد من الثقافات. واليوم تشترك أكثر من 68 دولة في جميع أنحاء العالم في هذا النشاط. وتمتلك الصقارة كتراث ثقافي الكثير من عناصر التفرد، فهي ممارسة عالمية من الناحية الجغرافية و تتم ممارستها على نطاق واسع من العالم على عكس الكثير من الأنشطة المعترف بها كتراث ثقافي غير مادي. وهي لا ترتبط بالوقت؛ فالشخص الذي يمارس الصقارة ينخرط في ممارستها 24 ساعة على مدار اليوم، وعلى مدار 365 يوماً في السنة، نظراً لأن الصقارة أسلوب حياة يحوي كماً هائلاً من التعاليم. كما تشيع الصقارة وسط الكثير من الشعوب التي تنتمي إلى ثقافات تختلف عن بعضها البعض أشد الاختلاف. فلا يهم في الصقارين أعمارهم أو ثرواتهم أو دينهم؛ فهي العامل المحفز على توحيد البشر. وقد اعتبرت الصقارة قديماً أفضل مدرسة لتربية الفرسان؛ فكانت كلمة الرجل النبيل تستخدم للإشارة إلى الشخص الذي يمكنه تدريب صقر نبيل، الذي يعرف الآن بصقر الشاهين. ولا تزال هذه الكلمة بعد مرور العديد من القرون تشير إلى الشخص الذي تميز بفضائل نبيلة، بغض النظر عن كونه صقاراً أم لا. ومن خلال هذه العلاقة، يتمكن الانسان من تطوير قدرات منها على سبيل المثال: الثقة والصبر والاستبصار والمثابرة وقوة الملاحظة والحساسية والإدراك العام للبيئة والقدرة على الارتجال والتواضع والتخطيط الاستراتيجي ونكران الذات... فالصقارة توقظ في الإنسان إنسانيته وتبرز معدنه النبيل. فالصقارة تتعدى مجرد كونها نشاطاً يومياً في حياة الصقار، لتصبح في ذاتها رابطاً للسلسلة البشرية منذ 5000 سنة مضت هي عمر العلاقة مع حليفه المجنح. ومن الأمور بالغة الأهمية بناء الشعور بالانتماء لدى الصقارين لمجتمع الصقارة ككل. وبهذه الطريقة نكون قد ربطنا بين الصقارين والثقافة التي تنطوي عليها هذه الممارسة. وإذا علم الصقارون الأسباب التي تجعلهم ينقلون هذا التراث الثقافي غير المادي، فإنهم سيشعرون بالحماسة التي تحثهم على الوصول إلى التميز في ممارستهم للصقارة. ومن الاستراتيجيات الجيدة لدعم الصقارة التعرف إلى شخصيات المعلمين في مجتمعات الصقارة، ومن خلال معرفة هؤلاء المعلمين، يتعرف الصقارون على القيم الثقافية التي ارتبطوا بها، وهو ما يسهل عملية انتقال الممارسات الجيدة ويجعلها يسيرة وفعالة. وإذا أردنا الحفاظ على عناصر الثقافة في المجتمع، علينا إشراك الجماهير في هذه العملية وأن يصبحوا جزءاً منها. ويتعين عند اتخاذ الخطوات الاستراتيجية لنشر المعايير التي تعمل على إبراز قيمة العنصر الثقافي. وبمجرد تعرف الناس على الصقارة وتبني ثقافتها، تصبح ممارسة الصقارة أفضل الموارد لحمايتها، ويقل حجم التهديدات التي تكتنفها. ولصيانة الصقارة يتعين علينا أن نحدد ونضع بعض القواعد،مثل: التحديد والتوثيق والبحث والحفظ والحماية والترويج وإظهار القيمة والنقل (بشكل أساسي من خلال التعليم النظامي وغير النظامي) وأن نقوم بإحياء جوانب ذلك التراث.كما يجب إدخال تعليم هذه القواعد إلى المدارس، إضافة إلى مشاركة الشباب في أندية الصقارة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©