الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وكيفية احتواء التحدي الأصولي

7 ابريل 2010 21:47
بعد التفجيرات التي استهدفت مترو موسكو الأسبوع الماضي، أشارت هيلاري كلينتون إلى أننا "نواجه العدو نفسه"؛ ولا أحد -سواء في موسكو أو لندن أو مدريد أو نيويورك- يمكن أن يكون آمناً تماماً من الأعمال الإرهابية. غير أنه يمكن القول إن مشكلة الإرهاب في روسيا أكثر صعوبة من نظيرتها في أوروبا أو الولايات المتحدة، لأن الإسلام الراديكالي موجود داخل حدودها، في شمال القوقاز، ولا فكاك منه: فالناس الذين يعيشون في هذه المنطقة مواطنون روس؛ وأقاليمها تموَّل من الميزانية الفيدرالية الروسية. فالأمر إذن هو كما لو كانت أفغانستان، بمتمرديها، ولاية أميركية تقع داخل حدود الولايات المتحدة. غير أنه إذا كان تحدي الإرهاب يحتاج إلى استراتيجية ملائمة ومتسقة، فإن طبيعة نظام روسيا وأسلوب الحكم فيها غير الخاضع للمحاسبة مما يعيق التفكير الاستراتيجي. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات، ردت حكومة بوريس يلتسين على الانفصاليين المسلحين في الشيشان بحرب واسعة النطاق؛ ولكن القوات المسلحة الروسية حينها كانت تفتقر إلى التدريب والتجهيز الكافيين؛ وأعقبت ذلك فظاعات على الجانبين. ثم جاء اتفاق السلام في 1996 الذي كان دليلا على ضعف روسيا المذل: قوة عظمى سابقة تفشل في إخضاع منطقة صغيرة من مناطقها. وعلاوة على ذلك، فإن "السلام" في الشيشان انطوى على عمليات خطف متكررة للحصول على فديات، واحتجاز للرهائن، وهجمات إرهابية. ففي 1999 مثلا، غزت قوة شيشانية إقليم داغستان المجاور، في الوقت نفسه تقريباً الذي حصدت فيه تفجيرات مبان سكنية في ثلاث مدن روسية أرواح قرابة 300 شخص. وعندما أصبح بوتين رئيسا في 2000، تمثل الحل الذي أتى به في حرب جديدة، رافقها مزيد من الفظاعات والأعمال الوحشية، إلى جانب موجة معاداة للأجانب في روسيا عامة ضد "أولئك القادمين من القوقاز". وهذه المرة، هزمت القوات الفيدرالية المقاتلين الشيشان، ولكن الهجمات الإرهابية استمرت إلى 2004، وكان أفظعها الاستيلاء على مدرسة بيسلان حيث قُتل أكثر من 330 رهينة في سبتمبر من تلك السنة، شكل الأطفال أكثر من نصفهم. ومع حلول منتصف عام 2000، لم يعد الانفصال هو المشكلة في الشيشان، وإنما بدأت تظهر مشكلة جديدة هي تصاعد الإسلام الراديكالي في كل منطقة شمال القوقاز. ففي أوائل التسعينيات، كان الإسلام الراديكالي ما يزال ضعيفاً في هذه المنطقة المسلمة تقليديّاً، وكان السكان الأكبر سناً قد تلقوا تعليماً سوفييتيّاً علمانيّاً، وكانت جاذبية الثقافة الروسية ما تزال قوية. ولكن الجيل الجديد الذي نشأ في الشيشان التي دمرها الجيش الروسي، وفي الأقاليم المجاورة مثل داغستان وإنغوشيا، كان يتأثر تدريجياً بالثقافة الراديكالية، حيث كانت المنظمات المتطرفة السرية تدعو إلى "الجهاد" في الأراضي الروسية؛ واليوم، يقال إن مراكز لتدريب الانتحاريين تنشط في شمال القوقاز. وقبل بضع سنوات، غيَّر الكريملن تكتيكاته، حيث نصب زعماء موالين لموسكو في هذه الأقاليم الإسلامية وقلص مهمة الحكومة الفيدرالية في توفير التمويل والقيام بعمليات محاربة الإرهاب بين الحين والآخر؛ في حين غض الطرف عن الهجمات التخريبية والتفجيرات واغتيالات أفراد الشرطة والمسؤولين المحليين، التي باتت أمراً متكرراً في إنغوشيا وداغستان. كما تجاهل الممارسات الوحشية التي كان يستعملها الزعماء المحليون ضد المتشددين الأصوليين ومنظمات إجرامية أو متطرفة أخرى. وكان التفكير السائد هو أنه طالما يتم احتواء العنف داخل شمال القوقاز، فإن الجزء الأعظم من روسيا سيظل آمناً نسبيّاً. ولكن هجمات الأسبوع الماضي أبرزت مدى قصور وتهافت هذه السياسة. واليوم، بات صعود الإسلام الراديكالي في شمالي القوقاز أمراً منذراً بالمخاطر، وبخاصة في ظل نشاط مثل هذه القوى في عدة مناطق من العالم. ولذلك، فإن خيار روسيا الاستراتيجي الوحيد هو التزام حكومي طويل المدى ومتعدد الجوانب تجاه هذه المشكلة. إذ من الأهمية بمكان أن تعامل الحكومةُ الروسية، والروس عموماً، سكانَ شمال القوقاز باعتبارهم مواطنين -وهي مهمة ليست سهلة إذ يُنظر إليهم اليوم كثقافة مشتبه فيها أو دخلاء غير مرغوب فيهم. كما يتعين تحسين الوضع الأمني في روسيا بصفة عامة وزيادة فعالية جهود محاربة الإرهاب. غير أن هذه المهام تكاد تكون مستحيلة في بلد يعتبر السلوك العنيف لضباط الشرطة فيه تهديداً جدياً للناس، بدلا من أن يكونوا قوة يستمد منها المواطنون الحماية. بيد أن الخطاب الرسمي يكرر لغةَ 1999. فبعد تفجيرات المباني السكنية في موسكو، تعهد بوتين بالقضاء على الإرهابيين. واليوم ها هو يتعهد بـ"سحبهم من المجاري إلى الضوء". والحال أن استعمال القوة على نطاق واسع ليس خياراً لأنه، مثلما حدث في التسعينيات، سيبدأ دائرةً مفرغة أخرى من الإجراءات العقابية وجهود المتطرفين للانتقام. والحقيقة أن دعوات معقولة سُمعت أيضاً؛ حيث تحدث الرئيس ميدفيديف الأسبوع الماضي عن الحاجة إلى خلق "النوع الصحيح من البيئة الحديثة للتعليم، وإنجاز المشاريع، والتغلب على المحسوبية... ومواجهة الفساد بالطبع" في شمال القوقاز، غير أن الفساد لا يضرب شمال القوقاز فحسب، ذلك أنه يدخل في صميم تركيبة نظام الحكم الروسي الذي يقوم على الاحتكار السياسي وانعدام المحاسبة. وبالتالي، فما لم تقم روسيا بإصلاح شامل لنظامها، فإن النوايا الحسنة لن تُترجم إلى سياسات أكثر قوة. ماشا ليبمان رئيسة تحرير دورية «برو إي كونترا» التي تصدر عن معهد كارنيجي في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©