السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء
1 مايو 2008 04:14
صلاة الاستسقاء، وما تقتضيه من خشوع روحي وتوسل وتضرع إلى جلال الخالق، طلباً لإنزال الغيث على الأرض الجفاف، الأرض اليباب· الأهالي في حيرة من أمرهم أمام زحف ذلك المحل الساحق الذي سيهلك الحرث والنسل جرّاء استفحاله وهيمنته التي لا حل لها، حيث تنعدم الوسائل والأدوات وتنحل الإرادات جميعها أمام سطوته، ولا يبقى للمنكوبين إلا اللجوء إلى الملاذ الأعلى، لاستدرار عطف الإرادة الإلهية وألطافها··· وهكذا في جميع المناسبات الكارثية، البشرية كالحروب، والطبيعية كالمحل والزلازل والفيضانات التي أصبحت إحدى سمات عصرنا، لا يبقى أمامهم إلا التوجه نحو الجلال السماوي وكرمه الذي لا ينضب· حين كنا صغارا في تلك القرى النائية التي يضربها صاعق الجفاف بين الفينة والأخرى، يهرع السكان عن بكرة أبيهم نحو (مصلى) الوادي لأداء هذه الصلاة التوسلية ونحر القرابين والذبائح كجزء من الطقس الروحي المتوارث عبر الأجيال· رغم الدافع الحزين لهذه المناسبة، التي يستشرف من خلالها الأهالي أملاً جديداً في الحياة، وبسببه، كان الجو أقرب إلى فرح الحياة ومرحها· خاصة الأطفال، إذ أن هذه المناسبة لا تختلف لديهم عن مناسبات وطقوس الأعياد الكبيرة والصغيرة· الطفولة تخلق من المناسبات الحزينة، عيداً، تدمج النقائض في سلة واحدة، سلة المرح والشقاوة البريئة وكذلك يفعل الكبار، يجدون أنفسهم في الطقس نفسه، متطلعين، بِنِيّة صادقة على الأرجح، إلى الأجمل والأفضل· هكذا كانوا قبل أن تصعقهم ''القيم الجديدة'' الأكثر فتكاً من الجفاف، والتي حولت الكثير من الشعوب إلى مسوخ، وقذفت بهم إلى منطقة الغراب المتخبط في مذبحة بلاهته السلوكية والقيمية، وفق المثل الشعري المعروف· بعض المرويات الشعبية تروي، أن أحد الثيران التي تجر الماء من باطن الآبار والتي كنا نسميها في عُمان (الزيجرة) وقع عليه ظلم فادح··· كان المحل يضرب المكان وكان على الثور أن يضاعف عمله عشرات المرات كي يستطيع الأهالي الاستمرار في حياتهم··· ذات يوم حطّم الثور الخيّة والربقة، وهرب نحو الجبال والمفازات··· دأب أصحابه في البحث حتى وجدوه تحت جبل عال واقفاً في ذلة وخشوع، ورأسه نحو السماء· كانت دموعه تملأ سفح المكان، كان يصلي صلاة استسقاء، متوسلاً للعلي القدير أن يرفع فداحة المصيبة والعذاب· هذه البلاغة المدهشة للحكايات الشعبية، تعفينا عن أي تعليق، لولا أن الظرف الموضوعي حان لاقتراح صلوات استسقاء في أرجاء البلاد والمعمورة، لإعادة الانسان إلى إنسانيته التي أوشك على فقدانها بالكامل، حيث الجفاف الأخلاقي والروحي، وطبعا الحضاري الخلاق في منطقتنا العربية، أوشك أن يسحق بصواعقه الجشعة أي فضيلة وأثر إيجابي لمكتسبات البشر في تاريخهم القِيمي· في مثل هذا المستنقع المتموّج بكل ما هو دنيء وقذر، لا يسع إلا أن نصلي صلاة استسقاء لإعادة بشريتنا إلى ما أوشكت أن تقطع معه حتى شعرة (معاوية) وتدخل عصور الظلام بكل طاقتها وعنفوان انحدارها الكبير·· صلاة استسقاء شاملة ندعو فيها ثيران الحكايات وحيواناتها للمشاركة الفعالة في هذا الطقس المهيب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©