الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهوية من الدّم إلى الفم

الهوية من الدّم إلى الفم
1 مايو 2008 04:14
يقول الراوي: ''وبناته كلهن سوّن أمثال وقصدن، واعترف بهن انهن بناته، وتم هذيك البنت مشكّك فيها، يسأل خواتها: يوم اتسيرن تحطبن··· واتسير اختكن وياكن، ترمس شي، تسمعنها، تغني؟''· تصوّر لنا الحكاية جميع بنات ابن ظاهر يمتلكن اللغة، ولذلك فإنهن قادرات على الإفصاح عن أنفسهن بواسطة الأمثال والغناء والتعبير، لكنّ هناك بنتا وحيدة لا تتكلم، ولا تستطيع أن تفصح عن نفسها، وهذا ما يجعل الأب ابن ظاهر يتشكك في بنوّته لابنته التي تثير مخاوفه في تفكك الأسرة، والتشكك ليس مصدره القرابة القائمة على الدم، وإنما تؤسس القرابة هنا على اللغة· وهذه الأسرة الصغيرة التي تتكون من الأب والبنات هم في الواقع تشبيه مجازي لوضعيتنا الآن، وبحثنا في مسألة اللغة والهوية· ويمكن أن نعرّف من خلال الحكاية الإليجورية السابقة مفهوما جيدا للعلاقة بين الهوية واللغة، فلا يندمج الفرد في الهوية الجماعية إلا بواسطة اللغة، واللغة بشكل عام تقوم على الهوية، ولا توجد لغة بدون أعراف منبثة من الهوية· ونحدد هويتنا عن طريق الاختلاف عن الآخر لتشييد الذات، ولذلك ترتبط الهوية بذاتية الشخص، الشخص كما يراه الآخرون، وهذا يقوده إلى أن يتعرف على ذاته ويتصورها داخل اللغة، لأنها هي التي تشيّد الذات والمجتمع وتوحده· كان الأب الماجدي بن ظاهر ـ كما يتخيّله الراوي ـ في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، يبحث مع ابنته عن اللغة الموحدة من أجل الوصول إلى الهوية، والفتاة ابنته واقعة في الحبسة الثقافية، ولا تستطيع أن تتكلّم، ومازالت ظاهرة فتاة الحي بنت ابن ظاهر مستمرة في حياتنا حتى بعد مرور ثلاثمائة سنة، تسرد الكاتبة الإماراتية ريا مهنا في قصة بعنوان ''الهوية'' (2007)، حكاية عن ''كلمة'' صحت فزعة نتيجة كابوس رأت نفسها فيه بأنها بلا معنى، لكنها حاولت بنفسها أن تكتشف ذاتها، فهرولت تبحث في المكتبة عن هويتها الضائعة، ثم عرفت أخيرا بأنها لن تعثر على أحد يتذكّرها أو يُذكِّرها بنفسها· لقد أدركت بأن الذات لا يمكن الوصول إليها عن طريق نموذج موجود من قبل وجاهز، لقد حاولت مرارا، حتى رأت في النهاية أن العثور على هويتها لا يمكن أن يتحقق إلا بقراءة أمكنة الآخرين، حتى تشيّد لها مكانا عبر أداءات القراءة، وتفعل ذلك ومن ثم تنجح في أن تتحول من كونها كلمة إلى نجمة في كتاب الضياع·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©