الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقنية.. غياب الاختلاف

التقنية.. غياب الاختلاف
12 مايو 2016 13:59
عبد السلام بنعبد العالي ليست التقنية هي العلم المطبَّق. ولا يمكننا الوقوف على ماهيتها إن انطلقنا من المقابلة بين النّظر والتّطبيق. التقنية لا تقابل العلم مثلما يقابل النَّظر العمل. *** ليست الفيزياء الحديثة فيزياء تجريبية لأنها تطبق على الطبيعة آلات من أجل فحصها. العكس هو الصحيح، فلأن الفيزياء، مسبقاً وكنظرية، تجبر الطبيعة كي تظهر مركباً من القوى قابلا للحساب الرياضي، أمكن للتجريب أن يمحّصها. *** التقنوعلم لا يطبّق على طبيعة محايدة ما ارتآه، إنه منذ البداية يكون أمام موضوع من صنع التقنية. *** نكون «في» التقنية من غير أن نكون بالضرورة أمام آلات. *** ماهية الآلية ليست تحويلا للأداة إلى آلة، بقدر ما هي قائمة في الآلة ذاتها. الآلة آلة «باطنياً» وانطلاقاً من الجدة النوعية للمعرفة المستخدمة، وليس «خارجياً» وكتطبيق لمعرفة. الآلة «تنطوي» على نظرية، ولا تكتفي بتجسيدها. الآلة ليست كذلك إلا بقدر ما «فيها» من رياضيات. *** التقنية شكل من أشكال الحقيقة، وكيفية من كيفيات الوجود، وهي الكيفية التي يختفي فيها الوجود ليظهر كمستودع. *** الذين يذهبون إلى أن التقنية أمر محايد وأنها لا لون لها، وأنها مجرد أداة ووسيلة، وأنها ليست خيراً ولا شراً في ذاتها، اعتباراً بأن الوسائل لا تستمد معناها إلا من الغايات التي تستهدفها، يؤكدون، بالاعتقاد ذاته، أن التقنية لا تحوّل مفهومنا عن المكان ولا الزمان، وأنها لا تغيّر أنماط عيشنا وأسلوب تفكيرنا، ولا تؤثّر على فنوننا وآدابنا، ولا تغيّر أذواقنا وأهواءنا، ولا تنظّم إداراتنا ودواليبنا. *** التقنية تكتسحنا: فلسنا نحن الذين نختار ما إذا كنا نريد أن «نستورد» التقنية أو أن نستغني عنها. *** الانكشاف الذي يحكم التقنية الحديثة هو عبارة عن تحريض تعامل فيه الطبيعة على أنها مستودع لطاقة يمكن أن تُستخرج وتتراكم، وينظر إلى سائر الموجودات، بما فيها الإنسان، على أنها مُركب من القوى قابل للحساب الرياضي. يمتد هوس التخطيط والبرمجة لينطبق على الإنسان في كل فعالياته. لا نعني بذلك فحسب التنظيم البيروقراطي، وإنما أيضاً تصنيع النشاط الفني والثقافي والسياحي، وتسخير الرأي العام وصناعته وتطويعه عن طريق الدعاية والإعلام. *** حتى المعرفة العلمية ذاتها، هي أيضاً طاقة ورصيد معلومات تحت الإمرة. *** ينتهي إنسان عصر التقنية بأن يعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الحلّ الممكن للقضايا البشرية جميعها هو دوماً حل «تقني». *** رغم وهم التحكم في الطبيعة وفي الإنسان، الذي ما تنفك التقنية تنشره، ورغم وهم الضبط والعقلنة والتنظيم الذي ما تفتأ ترسخه، فإنها سرعان ما تدفع الإنسان نحو تشكيل مدخرات هائلة من الطاقة تنفلت من كل عقلنة، ونحو نهم الاستهلاك الذي لا تحدّه حدود، ولا تضبطه ضوابط. *** يشهد عصر التقنية اجتثاثاً للمكان والزمان، وإضفاء طابع الحياد عليهما، وفقدان الشعور بالقرب والبعد (الراجع لتقدم وسائل النقل والإعلام). *** ما يطبع عصر التقنية هو فقدان الحساسية إزاء مختلف الأهوال حيث غدت الحروب والكوارث مشاهد مكرورة ومألوفة banalisés. *** الانكشاف الحديث فعالية وتأثير. إرادة المعرفة العلمية هي إرادة قوة وتمكّن. *** إرادة السيطرة ليس لها من غاية سوى ذاتها. إنها إرادة تريد ذاتها، إرادة إرادة. *** رغم أن مبدأ الإنتاجية يظهر أنه يؤدي إلى نظام تراتبي، إلا أنه يقوم أساساً على غياب كل تراتب. الموجودات جميعها تخضع لوحدة الحسابات التي تنقلها التصاميم والمخططات، فيمتد الوجود في غياب الاختلاف. *** ليس توحيد أنماط العيش والتفكير إلا مظهراً من أبرز مظاهر غياب الاختلاف الذي يطبع عصر التقنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©