الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس... ما بعد استقالة «الجبالي»

24 فبراير 2013 23:01
ترودي روبن محللة سياسية أميركية لقد فعلتها تونس مجدداً، فالبلد الذي أشعل شرارة «الربيع العربي» أطلق أيضاً شيئاً غير مسبوق على مدى السنتين الماضيتين من الاضطرابات تمثل في ظهور سياسي يُحمل نفسه المسؤولية ويتنحى. فقد تقدم حمادي الجبالي باستقالته من منصبه كرئيس للحكومة التونسية احتجاجاً على فشل القادة السياسيين، بمن فيهم حزبه، «النهضة»، في الوصول إلى تسوية، فهو كان يسعى إلى إعادة الهدوء إلى البلد وتبديد المخاوف بعد اغتيال أحد قادة المعارضة ما أدى إلى خروج عشرات الآلاف من التونسيين إلى الشوارع احتجاجاً على إخفاق «النهضة» في محاسبة المتشددين الإسلاميين الذين تحملهم المعارضة مسؤولية القتل، بالإضافة إلى أعمال عنف أخرى. ولمنع مزيد من الانزلاق، دعا الجبالي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط يساهم فيها جميع الأحزاب من خلال اقتراح الأسماء المناسبة، وذلك بهدف تجاوز المماحكات الحزبية التي شلت واحداً من أكثر بلدان «الربيع العربي» الذي علق عليه المراقبون آمالاً عريضة. لكن عندما رفض «النهضة» عرض الجبالي، وتمسك بمطلب الحكومة السياسية استقال هذا الأخير، مفضلاً مواجهة حزبه بالحقيقة الشاخصة قائلاً: «إن شعبنا يبحث عن المصداقية»، هذه الحركة التي أقدم عليها الجبالي بتغليبه مصالح البلد على الاعتبارات الأيديولوجية والبحث عن السلطة تظل حدثاً فريداً من نوعه في الديمقراطية العربية (بل حتى في الكونجرس الأميركي الذي تمزقه الصرعات الأيديولوجية) إلى درجة أنه يتعين تسميتها «طريقة الجبالي»، ذلك أنه ما لم يحذُ عدد أكبر من السياسيين العرب حذو الجبالي سيظل الفشل يطارد انتفاضات «الربيع العربي». ولعل ما يجعل خطوة الجبالي أكثر أهمية وأولى بالتقدير أنه اعتُبر لفترة طويلة مجرد واجهة لزعيم حزب «النهضة»، راشد الغنوشي، وهو المفكر الإسلامي المعروف والمعتدل الذي أقنعت مواقفه المعتدلة العالم أن تونس قادرة على إثبات إمكانية الجمع بين حزب إسلامي في السلطة والديمقراطية، هذا الأمر انطوى على أهمية خاصة بالنسبة لبلد مثل تونس بواجهته المتوسطية ومعدلات تعليمه المرتفعة، بالإضافة إلى وجود نسبة مهمة من النساء الناشطات. لكن الغنوشي وحزب «النهضة» خيبا آمال العديد من التونسيين بفشلهم في اعتقال، أو محاكمة السلفيين الذين قاموا بأعمال عنف، مثل حرق المسارح ومهاجمة الطلبة وتهديد النشطاء العلمانيين، بل هجموا في 11 سبتمبر الماضي على السفارة الأميركية في تونس. هذا التساهل مع الحركات العنيفة، أثار شكوك قطاع واسع من التونسيين بشأن النوايا الحقيقية لحزب «النهضة» على المدى البعيد وما إذا كان الحزب الإسلامي أكثر ولاء لجذوره الإخوانية من ولائه للبلد، والنتيجة أن انقساماً نشأ داخل حزب «النهضة» نفسه بين البراجماتيين والحرس القديم. وبالنسبة للعديد من التونسيين كانت حادثة إطلاق النار على المعارض اليساري، شكري بلعيد، وإردائه قتيلاً، القشة التي قصمت ظهر البعير لتتفاقم بذلك مشاعر الخيبة التي تصاعدت في عموم المنطقة من تونس إلى مصر، فمن جهة هناك الإسلاميون الذين صعدوا حديثاً إلى السلطة، والذين يصارعون لاكتساب المزيد منها والحفاظ عليها. ومن جهة أخرى تبقى أحزاب المعارضة التي لا يوحدها سوى مناوئة الإسلاميين عاجزة عن تقديم رؤية بديلة، ناهيك عن الاختلافات التي تنخرها، وفي مقابل كل ذلك هناك الشعب الذي يريد من السياسيين الانكباب على بناء الاقتصادات الضعيفة وخلق فرص العمل. لذا لقيت محاولة «الجبالي» ترميم صدع تونس ثم تقديمه لاستقالته عندما فشل، ليترك صدى طيباً لدى التونسيين، وهو ما عبر عنه «أحمد حمزة»، الناشط في المجتمع المدني الذي أخبرني عبر الهاتف من تونس أنه «فوجئ» بخطوة الجبالي وبأنه «أثبت أنه رجل الوعود»، وعندما سألت حمزة عن تفسيره لاستقالة الجبالي اعترف بأنه ما زال هناك شك من احتمال أن تكون الخطوة «مناورة» الهدف منها شراء المزيد من الوقت لحزب «النهضة»، لكنه فضل الاعتقاد بأن ما حرك الجبالي «هو ضميره الحي». ولدى تفحصي للدوافع الحقيقية لخطوة الجبالي أعود إلى لقائي به في تونس خلال شهر أكتوبر من العام 2011 قبل وقت قصير من فوز «النهضة» في الانتخابات البرلمانية التعددية التي شهدتها تونس وصعودها إلى السلطة، حينها تحدث الجبالي بلحيته البيضاء الخفيفة وحاجبيه الكثتين والعلامة الداكنة على جبينه التي تميز المسلمين، عن سنواته التي قضاها في السجن والتي تراوحت 16 سنة ونصف السنة، أمضى عشراً منها في الزنزانة الانفرادية، لأنه كان عضواً في حركة إسلامية محظورة وقتها، حيث قال لي «المهم بالنسبة لتونس اليوم هو إنجاح الديمقراطية، إنه مهم للمنطقة والعالم أن تعطي تونس المثال، وأن نظهر بأن التغيير غير العنيف ممكن». ومع أنني لست متأكدة مما إذا كانت تطلعات «الجبالي»، التي تحدث عنها ستعرف طريقها إلى أرض الواقع، إلا أني أستطيع القول بأن مستقبل «الربيع العربي» سيتحدد بمدى قدرة قادته على التعالي عن مطلب السلطة الذي طغى على العامين الماضيين، فالإسلاميون الذين وصلوا إلى الحكم يسعون إلى تعزيز سلطتهم خوفاً من الانتكاس فيما يبدو العلمانيون الذين يعوزهم التنظيم غير مستعدين لرص صفوفهم وتوسيع قواعدهم. والحال أنه من دون تحلي الطرفين بالبراجماتية فإنهم يزرعون موجة ثانية من الانتفاضات الشعبية ليبقى الحل الوحيد إذا ما أرادوا استقرار بلدانهم وبناء اقتصاداتهم أن يسلكوا «طريقة الجبالي». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©