الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وروسيا... فجوة متنامية

أميركا وروسيا... فجوة متنامية
24 فبراير 2013 23:00
فريد واير موسكو بالنسبة للكثيرين في الغرب، مازالت روسيا هي اللغز الغامض والمحير الذي تحدث عنه تشرشل، فرغم أنها لم تعد هي الاتحاد السوفييتي، فإنها مازالت تبدو مثل مكان خيالي ومذهل من عالم «أليس في بلاد العجائب» بالنسبة لمعظم الأجانب. وفي الشؤون الدولية، تبدو مصممة مثل سلفها على التصدي للقوة الأميركية، حيث ترفع اللاءات في مجلس الأمن الدولي ولا تتوانى عن انتقاد الغرب عموماً. فسواء تعلق الأمر بالحظر الصارم الأخير لموسكو على تبني المواطنين الأميركيين لليتامى الروس، مرفوقاً ببعض من أشد الخطابات المناوئة للأميركيين منذ الحرب الباردة، أو الاعتراضات المتكررة للكريملن على قرارات أممية مدعومة من الغرب تدعو لتحرك جماعي بخصوص الأزمة السورية، أو حتى عدم قدرة وزير الخارجية الأميركي الجديد على التحدث إلى نظيره الروسي على الهاتف لستة أيام خلال الأسبوع الماضي من أجل مناقشة موضوعي كوريا الشمالية وسوريا، فإن الأميركيين يستسلمون أحياناً بكل بساطة ويخلصون إلى أنه من المستحيل فهم روسيا. بيد أنه خلافاً للأزمنة السوفييتية، عندما كانت المواقف الروسية تحددها قناعات إيديولوجية صارمة، فإن الكثير من الروس اليوم يبدون حيارى في الغرب ومستاؤون منه، إذ يشدد عدد من الخبراء في موسكو على أن روسيا بشكل عام تعرف منظورها الجيوسياسي وتتصرف وفقاً لذلك، في حين أن الغرب يبدو، بالنسبة لهم، مفتقراً لاستراتيجية أو قيم منسجمة. فالخطاب الغربي يرى روسيا تكافح لتطبق إصلاحات ديمقراطية، وتحاول أن تكون لاعباً ضمن فريق مع الغرب بعد أن خرجت من أنقاض الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات، ولكنها أخذت تدريجياً ترتد عن ذلك الطريق. وحسب هذا الرأي، فإن روسيا انكبت على عملية إعادة إحياء واسعة النطاق لخطابات الاتحاد السوفييتي وطرقه بعد وصول بوتين إلى السلطة في عام 2000. أما الروس، فيقولون إنه عندما أخذت الحرب الباردة تشارف على نهايتها، وأخذ الاتحاد السوفييتي ينهار قبل عقدين، تلقوا تطمينات من الزعماء الأميركيين بأن التكتلات العسكرية، ستلغى وبأن «نظاماً عالمياً جديداً» سيتشكل -على غرار الطريقة التي شجعت بها نهاية الحرب العالمية الثانية زعماء العالم على تخيل هندسة جديدة كاملة للأمن العالمي، ومن ذلك إنشاء الأمم المتحدة ومؤسسات عالمية مهمة أخرى. ولكن بدلاً من ذلك، قرأ الزعماء الغربيون نهاية الحرب باعتبارها انتصاراً لهم، وأخذوا يعملون على عزل روسيا ودفع مؤسساتهم، وخاصة «الناتو»، إلى المجال السوفييتي السابق. وفي هذا السياق، يقول «سيرجي كاراجانوف»، الرئيس الشرفي لمجلس السياسات الخارجية والدفاعية، الذي يعتبر واحداً من أعرق مراكز البحوث والدراسات السياسية الروسية: «الله يشهد أننا حاولنا» وضع يدنا في يد العالم الغربي، مضيفاً «للأسف، معظم نخبتنا اليوم يُجمعون على أن روسيا تعرضت للخداع والخيانة والتهميش. واليوم، نحن لا نعتبر الغرب عدواً لنا، ولكنه فقد جاذبيته وهالته السابقة في أعيننا. صحيح أننا نستطيع العمل معه حول مواضيع مختلفة، ولكننا لم نعد نثق فيه مثلما كنا نفعل خلال الأيام الأولى التي أعقبت الفترة السوفييتية... إن لدى كل واحد منا مصالح مختلفة جداً. فمن الناحية الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية، روسيا تقع في مكان آخر. والأكيد أننا أخذنا نفهم على نحو أفضل من نحن». روسيا، وهي بلد ذو تاريخ ثوري يعتبره معظم الروس اليوم لعنة، تميل إلى النظر بتحفظ إلى الحماس الثوري، حيثما قد يظهر. ويرى العديد من الخبراء الروس أن بوتين بنى نسخة من الدولة الروسية الكلاسيكية -مركزية، وعسكرية، وسلطوية على نحو متزايد، ولكنها تفتقر إلى الجذور الاجتماعية والشرعية الانتخابية- الأمر الذي قد يجعلها هشة ومعرضة للمصير نفسه الذي عرفته روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي خلال القرن الماضي. وكانت موسكو صدمت كثيراً عندما اندلعت ثورات ديمقراطية ومؤيدة للغرب في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق خلال العقد الماضي وتقدمت اثنتان منها -أوكرانيا وجورجيا- بطلب الانضمام إلى حلف «الناتو»؛ وكذلك عندما شنت جورجيا هجوماً عسكرياً لاسترجاع منطقة انفصالية مدعومة من موسكو، ما أدى إلى حرب قصيرة مع روسيا في عام 2008. ويرى الزعماء الروس أن هذه الأحداث شُجعت من الخارج، وقد تكون مُولت من الخارج أيضاً. فعندما خرج المحتجون إلى شوارع موسكو للاحتجاج على نتائج انتخابات الدوما التي شابتها خروقات وانتهاكات في ديسمبر عام 2011، ألقى «بوتين» اللوم فوراً على هيلاري كلينتون لقيامها بـ«إعطاء الإشارة». وفي هذا الإطار، يقول «دميتري ترينن»، مدير مركز كارنيجي في موسكو: «نظراً لمسألة تتعلق بالمبادئ، فإن روسيا لا تريد أن تقوم الولايات المتحدة بالتدخل عبر العالم وقتما شاءت، وتعارض عمليات تغيير الأنظمة المدعومة من الخارج». عندما اندلعت انتفاضات «الربيع العربي»، نظر الكريملن إلى آفاقها بتحفظ. وبعد أن أقنع «ميدفيديف» الرئيس الروسي وقتها، بالامتناع عن التصويت حول قرار لمجلس الأمن الدولي يجيز للناتو التدخل في ليبيا «من أجل حماية أرواح المدنيين»، عارض رئيس وزرائه حينها، بوتين، القرار علانية. واليوم، يقول الروس إنهم «تعرضوا للخداع مرة أخرى»، لأن الناتو عمد على الفور إلى توظيف القرار باعتباره تفويضاً بمنح الثوار الليبيين دعماً جوياً كاملا في جهودهم التي كللت بالنجاح في الأخير لإسقاط الديكتاتور القذافي. وبالمقابل، ينظر الناس في الغرب أحياناً إلى رفض موسكو العنيد لقبول أي عمل دولي موحد من أجل تنحية الرجل القوي في سوريا بشار الأسد، حتى بعد عامين من الثورة التي قُتل فيها أكثر من 60 ألف شخص، باعتباره نموذجاً لاختيار بوتين الانحياز إلى صف ديكتاتور مثله، أو ربما دفاعاً فقط عن 5 مليارات دولار من عقود الأسلحة التي تبرمها روسيا مع سوريا ومصالح مادية أخرى. غير أن الخبراء الروس يجادلون بأن الكريملن قلق أكثر بكثير بشأن منطقته الهائجة في شمال القوقاز، حيث تغلي حركة تمرد إسلامي منذ سنوات وتقوم بتوجيه ضربات إرهابية دموية إلى وسط موسكو نفسها. ويقول ترينن في هذا الصدد: «الربيع العربي يُنظر إليه كعملية أسلمة من قبل الزعماء الروس، وعندما يصبح عنيفاً، فإن العناصر الأكثر تشدداً وتطرفاً هي التي من المحتمل أن تصبح مهيمنة». ويضيف قائلا: «إنهم ينظرون إلى سوريا باعتبارها مولِّداً عنيفاً للجهادية التي يمكن أن تنفجر وتنشر الفوضى والاضطرابات عبر المنطقة– والتي قد تصل حتى إلى منطقتنا شمال القوقاز. وإذا ما فاز الثوار، فإنهم يرون أن سوريا تتحول إلى أفغانستان على البحر المتوسط؛ وهذا أمر يثير قلقهم كثيراً». وزير الخارجية الروسي المحنك صاغ مشاعر التشكك هذه وحولها إلى أسلوب يسجل نقاطاً للدبلوماسية الروسية على نحو متزايد. ذلك أنه بارع في كشف ما يعتبرها «معايير مزدوجة» للغرب -مثل اتهام روسيا بالقيام بأشياء تقوم بها الولايات المتحدة نفسها- وانتقاد تحمس ساذج لتصدير الثورات الديمقراطية إلى أماكن حيث يأتي ذلك بنتائج عكسية حتمية. فخلال العام الماضي، انتقد لافروف الولايات المتحدة لدعمها الطويل لحكام في الشرق الأوسط، كما في مصر، قبل أن تنقلب فجأة وتتبنى الجماهير الثائرة التي خرجت إلى الشوارع. كما انتقد دعم الغرب للثوار الذين أطاحوا بالقذافي معتبراً أن ذلك لم يؤد سوى إلى مقاتلين إسلاميين أكثر قوة وأفضل تسليحاً، مقاتلين أخذوا اليوم يزعزعون استقرار المنطقة برمتها، ومحذراً من أن تسليح المقاتلين المعارضين للنظام في سوريا قد يؤدي إلى رد فعل أسوأ بكثير. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©