الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جولة أوباما... تجاوز للنخب وتأسيس لشرعية أخلاقية

جولة أوباما... تجاوز للنخب وتأسيس لشرعية أخلاقية
9 يونيو 2009 00:01
خلال ثلاثة أيام من جولته في الشرق الأوسط وأوروبا، بدأ أوباما حملة طموحة تهدف إلى إعادة تشكيل السياسات الدولية وتحسين صورة بلاده في عيون شعوب العالم. والمثير للانتباه أنه توجه بحملته هذه مباشرة إلى الشعوب. وقد استهل الرئيس الأميركي جهوده هذه بتوجيه خطاب فريد، ألقاه في جامعة القاهرة، خصصه لتعزيز التفاهم بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وتحدث في ثناياه عن عملية سلام الشرق الأوسط، لينهيها بإلقاء خطاب أمام تمثال ضخم أقيم في المقبرة الأميركية بشاطئ «أوماها» في النورماندي حمل اسم «روح الشباب الأميركي: الصعود من قاع الأمواج». وتعد هذه الجولة استثنائية بمقاييس قصر مدتها، مقارنة بما أنجزه أوباما خلالها من لقاءات مع قادة كل من السعودية ومصر وألمانيا وفرنسا. وفيها حاول تلمس ما يمكن إحرازه من تقدم على عدة جبهات ونزاعات مزمنة مستعصية، إلى جانب سعيه لتجديد واستعادة دور أميركا في تلك الجهود. وعلى حد وصف بعض الدبلوماسيين والمحللين السياسيين، فقد كانت تلك الجولة بمثابة نداء للعقل والمنطق والتاريخ والقيم والذاكرة وللتطلعات الإنسانية العامة، قلما ظهر مثيل لها في المسرح الدولي اليوم. ومن بين المعلقين هؤلاء يرى «تشارلز كابشان»، من مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، أن أوباما أظهر قدرته على تجاوز النخب، بسعيه المباشر إلى الشعوب ومحاولته تأسيس شرعية أخلاقية له بصفته رئيساً وقائداً لبلاده، وبتحويله للشعبية التي يحظى بها إلى منطلق لسياسات. واستطرد «كابشان» إلى القول: إن ما نراه ليس ممارسة دعائية شكلية، وإنما هو جهد صادق يبذله أوباما من أجل الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم عن طريق مخاطبة عواطفهم وفطرتهم العقلية والوجدانية. ولذلك فإن من الصائب تماماً وصف نهج أوباما وأسلوبه بالثورية. ففي القاهرة سعى أوباما لنزع السموم التي عكرت أجواء علاقات أميركا والعالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة الماضية، وأعلن دعمه لمشروع حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني، إضافة إلى دعوته لإسرائيل لوقف نشاطها التوسعي الاستيطاني في أراضي الفلسطينيين. وفي يوم السبت، وأثناء زيارته إلى معسكر اعتقال «بوخنفالد»، أكد أوباما في حضور كل من إيلي فيزل -الناجي الشهير من جرائم الهولوكست النازية- والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تفهمه للظروف التاريخية الخاصة التي أدت إلى نشوء إسرائيل. وفي اليوم نفسه، وأثناء حديثه إلى مجموعة صغيرة من قدامى المحاربين بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لـD-Day عبر أوباما عن تقديره للتضحيات والدور الذي لعبته قوات الحلفاء في هزيمة النازية والفاشية، وهي الحرب التي ألقت فيها أميركا بكامل ثقلها الحربي في منتصف القرن العشرين. وهناك من الدبلوماسيين من يقول إن التكتيكات الجديدة الخاصة بسياسات أوباما الخارجية، وهي نفسها التكتيكات التي طبقها الرجل في حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2008، تقوم على بناء وإنشاء حركة شعبية قاعدية واسعة داعمة لسياساته. وبالنظر إلى جدتها في مجال العمل الدبلوماسي، فإنها تتجاوز كافة التعريفات التقليدية للعمل الدبلوماسي. وفي حين بدأت إدارة بوش السابقة بداية قوية في توظيف الدبلوماسية العامة، يلاحظ أن سيرة أوباما الذاتية وخبرته كفيلتان وحدهما ببناء جسور التواصل بينه وبين عقول وقلوب ملايين الناس العاديين، بطريقة غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية الأميركية. وقد أظهرت نتائج استطلاع عام للرأي أجرته مؤخراً مؤسسة «هاريسون إنترناشونال» في الولايات المتحدة وعدد من كبريات المدن الغربية، أن أوباما يعتبر القائد الغربي الأكثر شعبية، إذ حظي بنسبة تأييد تراوحت بين 70-80 في المئة في نظر من شملهم الاستطلاع. غير أن استطلاعين مستقلين للرأي العام العربي، أشارا إلى شعبية أقل لأوباما، إلا أن مواقفه حظيت بتأييد يفوق تأييد العرب لكافة السياسات الأميركية السابقة. وفي حين ظلت السرية والخصوصية من أهم سمات العمل الدبلوماسي، هناك من المختصين من يرى أن القنوط الذي أصاب شعوب العالم الإسلامي من سياسات أميركا خلال العقد الماضي قد وصل بعداً عميقاً. وعليه فلا سبيل لتغيير هذا المزاج اليائس سوى بدء نوع جديد من الحوار بين واشنطن والعالمين العربي والإسلامي. وهذا هو التحدي الذي واجهه أوباما في القاهرة بوصفه للقاء الذي حدث بينه وبين شعوب المنطقة بأنه قد تم في أجواء يسودها التوتر بين بلاده والشعوب المسلمة في كافة أنحاء العالم. كما وصف ذلك التوتر بأنه يعود إلى جذور تاريخية ربما تخطت أي حوار رسمي يتم بين هذين الطرفين. ولوعيه بهذه الحقيقة استشهد أوباما بترجمة لبعض معاني القرآن الكريم، خاصة الآيات الداعية إلى قول الحقيقة والجهر بها. وأردف أوباما بعد تلك الآيات بقوله: «وهذا هو ما أحاول أن أفعله اليوم بقدر ما أستطيع.. أي أن أتواضع وأقول الحق خدمة للأهداف التي أنا بصددها. ويقيناً فإن المصالح المشتركة بيننا باعتبارنا جميعاً بشراً، لهي أقوى من أي قوة سلبية تفرق بيننا». وعقب خطاب القاهرة، تعرض البيت الأبيض للانتقادات من قبل إسرائيل، التي رأت أن أميركا استطردت كثيراً في التفاصيل والتوصيفات. أما من جانب المفكرين المسلمين والعرب، فقد أخذ بعضهم عليه عدم ذكره لما يكفي من تفاصيل الحلول والقضايا الخاصة بالعالم العربي والإسلامي. غير أن أوباما نفسه أكد أكثر من مرة خلال جولته المذكورة أن الخطابات وحدها لا تكفي، وحث قيادات العالم والمنطقة الشرق أوسطية على عدم إهدار الوقت والفرص، وعلى التحرك بأسرع ما يمكن للدفع بعملية السلام إلى الأمام. غير أن «عصام دربالة» -وهو أحد قادة الجماعة الإسلامية، سبق اعتقاله من قبل السلطات المصرية أثناء تمرد الجماعة في عقد التسعينيات- يرى أن الرئيس أوباما يستحق أن يُستَمع إليه باهتمام شديد. وبدلا من نبذه، دعا «دربالة» كلا من حركة «طالبان» الأفغانية والباكستانية، وكذلك تنظيم «القاعدة» للنظر إلى الحلول التي يقدمها أوباما، مع اختبار مدى صدق نواياه المتعلقة بتحقيق السلام بين بلاده والعالم الإسلامي. روبرت ماركاند - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©