الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتذار الكرواتي... شرط الانضمام للاتحاد الأوروبي

6 ابريل 2010 22:09
تقترب كرواتيا من الخط النهائي لسباقها من أجل الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، وقد دعمتها في هذا السباق حليفتها التقليدية ألمانيا، وكذلك الولايات المتحدة التي شجعت توسع الاتحاد الأوروبي جنوباً ليشمل جميع دول البلقان، بل حتى تركيا. وقد التزمت كرواتيا بجميع متطلبات الالتحاق بعضوية الاتحاد، ويتوقع لها أن تنضم فعلياً في عام 2012. لكن هناك مطلباً أخلاقياً يتعين على كرواتيا الإيفاء به لنفسها قبل غيرها حتى تصبح دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي. فعليها أن تعترف اعترافاً كاملاً وعلنياً بدورها خلال الحرب العالمية الثانية، بوصفها حليفاً للنازية، وبمشاركتها النشطة في جرائم التطهير العرقي، التي ارتكبت بحق الصرب واليهود والغجر. ولن يغني عن هذا الاعتراف ما ظلت تردده كرواتيا من إنكارات ضمنية مبعثرة ومبهمة غالباً ما تتخذ شكل الاعتذار المغلف عن ذلك الدور خلال السنوات الأخيرة الماضية بهدف تحسين صورتها وتعزيز فرصها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. وعلى كرواتيا أن تواجه دورها هذا بنفس القدر من الوضوح الذي واجهت به ألمانيا ماضيها النازي. نذكر بهذه المناسبة أن البرلمان الصربي قد اعتذر للتو في الأسبوع الماضي عن دور بلاده في جرائم مذابح سربرينتشيا التي أزهقت أرواح نحو 7 آلاف من مسلمي البوسنة الأبرياء في عام 1995. وحتى وقت قريب جداً لم يكن في مقدور الكثيرين مجرد تصور لإمكانية تقديم صربيا اعتذاراً كهذا. بيد أن الضغوط المتصلة بطموحات ذلك البلد للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، أرغمت البرلمان على الاعتذار الرسمي والعلني عن تلك الجرائم الوحشية. وقد حان الوقت الآن كي تفعل كرواتيا الشيء نفسه. ولكرواتيا نفسها أكثر من سبب يدعوها للاعتذار عما ارتكبته من جرائم خلال حرب البلقان نفسها التي جرت في عقد تسعينيات القرن الماضي. ولكن عليها أن تبدأ ذلك بالاعتذار أولاً عن جرائم التطهير العرقي الواسع التي ارتكبتها إبان الحرب العالمية الثانية. ففي تلك الفترة الدموية، أزهق الفاشيون الكروات أرواح ما يقدر بين 300 ألف إلى 700 ألف من الضحايا. فحين غزت قوات هتلر يوغوسلافيا في ربيع عام 1941، سيطر اليمينيون الكروات، بقيادة زعيمهم "أنتي بافليتش" وحركته الفاشية المسماة "أوستاشي" سيطرة تامة على كرواتيا. وسرعان ما انحاز "بافليتش" وحركته الفاشية اليمينية إلى صف النازية، فلم يتردد في شن حملة تطهير عرقي شعواء على الأقلية الصربية في وطنه. وكانت السياسة الرسمية المعلنة حينها في كرواتيا: اقتلوا ثلث الصرب، واجبروا ثلثاً آخر منهم على اعتناق الكاثوليكية الرومانية، ثم انفوا الثلث الثالث من الأراضي الكرواتية. من جانبها تصر الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على شجبها لتلك الفظائع، غير أن السجل الموثق حتى الآن يظهر خليطاً مبهماً من الاستجابات الرسمية التي تراوحت بين الشجب والتأييد الضمني للفظائع هذه. فبينما كانت تجري حملة التطهير العرقي للصرب على قدم وساق حينها، أعلن كبير أساقفة كرواتيا "ألويسياس ستيبانيتش" مباركته للنظام الحاكم الجديد، بل تثبت الحقائق مشاركة عدد من الرهبان في تلك الجرائم. وعقب نهاية الحرب، ساعدت الفاتيكان مجرمي حركة "أوستاشي" في الهرب من الاعتقال والسفر إلى أميركا الجنوبية. وخلال سنوات الحرب أحرقت الكنائس الصربية الأرثوذكسية، بينما طهرت مجتمعات صربية بكاملها، وزج بالكثير من الصرب واليهود والغجر إلى معسكرات الموت والتعذيب، التي ذبح فيها الآلاف كما تذبح الخراف! وقد كانت طبيعة تلك الحملة من الوحشية إلى درجة طالب فيها بعض كبار الضباط الألمان النازيين في كرواتيا من أمثال "آرثر فليبس" بإيقافها، وأبدوا مخاوفهم من أن تدفع تلك الوحشية المزيد من الصرب والجماعات المعارضة لحركة "أوستاشي" إلى صفوف المقاومة. وعلى رغم حث هؤلاء لبرلين بالتدخل لوقفها، فقد استمرت المجازر وحملات التطهير العرقي كما أراد لها مخططوها. ليس ذلك فحسب بل أبدى بعض الضباط الفاشيين الإيطاليين في كرواتيا مخاوفهم مما يحدث، وكثيراً ما وفروا الحماية للضحايا الفارين من الحملة. وعندما انتهت الحرب وأمسك الشيوعيون بقيادة "تيتو" بزمام الأمور في جمهورية يوغوسلافيا السابقة، لم يبد منهم عزم يذكر على شجب تلك الفظائع. فقد كان الشعار السياسي المرفوع حينها هو "الأخوة والوحدة". وعليه فقد بذلت كل الجهود الممكنة لدفن ذلك الماضي الدموي ونسيانه. وبسبب عدم انضمام يوغوسلافيا إلى منظومة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً، فلم تكن للديمقراطيات الغربية مصلحة في الكشف عن فظائع الماضي الكرواتي والمطالبة بمحاكمة مرتكبيها. وخلافاً للألمان الذين أدركوا مسؤوليتهم الأخلاقية وتجرأوا على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها النظام النازي، لم يشعر مواطنو يوغسلافيا الزعيم تيتو ولا كراوتيا بأي مسؤولية كهذه. وبالنتيجة لا يزال ضحايا تلك المجازر وأقرباؤهم الناجون منها في انتظار العدالة إلى اليوم. وحتى هذه اللحظة لا يزال الكثير من الكرواتيين ينظرون إلى السفاح "بافليتش" على أنه بطل وطني. كما تشمل النظرة نفسها عدداً من أشد قتلة حركة أوستاشي اليمينية العنصرية. يُذكر أن الرئيس الكرواتي "ستيبيان ميسزيتش"، كان قد اعتذر لليهود عن تلك المذابح عبر خطاب تلاه أمام الكنيست الإسرائيلي في عام 2001. وفي عام 2003 انضم "ميسيزيتش" إلى نظيره الصربي في اعتذار مشترك عن كل "الآثام" التي ارتكبها شعبا البلدين بحق بعضهما البعض. لكن مثل هذه الاعتذارات المبهمة الغامضة لا تغني عن إدانة رسمية باسم الشعب الكرواتي لتلك الجرائم. وهذا ما يتعين على القيادة الكرواتية القيام به ضمن استكمال متطلبات انضمام بلادها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. جيمس بيزت سفير كندا سابقاً لدى يوغوسلافيا 1990-1992 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©