الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عجائب الحس العام

26 فبراير 2011 20:38
مهما اجتهد المعاصرون في تحديده فإن أهم ما في الحس العام (common sense) هو أنه لا يمكن تعريفه بقدر ما يمكن الإحساس، لكن يبقى تعريف أرسطو الأصل والأكثر ملامسة له برأيي؛ فهو باختصار يعرفه كقوة فعلية لشعور ينبع من الداخل قادر على معرفة مسبقة لما ينسجم مع المشترك بين الناس، بخلاف الحواس الخمس التي تعمل بمدخلات من الخارج. هذا التعريف لا يناقض برأيي ما اجتهد به البعض المنهجيين والنفسيين لدى تفسيرهم « آلية « ولادة الحس العام وقولهم إنه ينتج عن خليط مركب من فهم الخارج والحكمة والفطنة والعقل. لكنه يناقض بعض التعريفات التي تحاول حشر هذا الحس في قالب «غائي» إلى حد تشريع استخدامه في غايات شريرة أو مصالح شخصية فئوية على حساب المصلحة العام. والعاملون في الإعلام، وكذا قادة الرأي العام، هم أكثر الناس حاجة لهذا المفهوم على الدوام لكون عملهم على صلة مباشرة بعموم الناس: بهذا المشترك الذي يمكن أن يضرب على وتر وإحساس معظم الناس في حالة ما ولحظة ما وشأن ما. ويحدث في التاريخ أن يتحول هذا المشترك، تحت تأثير ظروف وتراكمات قاهرة وأن يصبح الحس العام مشتتا أو مغيبا أو غير قابل للرصد، ولا سيما عندما ينشغل الأفراد بهموم ذاتية تحت ضغط ظروف المعيشة أو البؤس أو الكوارث الطبيعية أو هيمنة معتقدات غيبية. ويحدث أيضاً - في وقتنا الحالي - أن العولمة والإعلام المتعدد التكنولوجيات والجنسيات والثقافات وطفرة منتجات الاستهلاك نجحا في تشتيت الناس إلى أفراد منعزلين لسنوات حتى عن شوؤنهم العامة المباشرة ولكن في لحظة عامة عاد هؤلاء واكتشفوا أن العالم الافتراضي الذي هاجروا إليه قصرا يتناقض مع واقعهم الفعلي، وعندما تأكد كثيرون منهم أن متطلبات الاستهلاك الذي تعرفوا عليه افتراضيا يتناقض مع إمكاناتهم ووسائلهم الفعلية، وأن الفضاء «السيبيرني» حفزهم على أحلام مستقبلية ورغبات وردية لا تمت بصلة إلى ثقافة بيئتهم، عاد الحس العام إلى الظهور بقوة كاسراً كل حدود قيود المكان والوقت الفعلي بما في ذلك مقتضى الخروج من سحر عالم الافتراض إلى ألم وتضحيات الواقع ليكتشفوا أن بمقدرتهم صنع المعجزات في ساحات الميدان حتى لو كانوا دون قيادة ودون مرشدين. إن دراسة مجريات الأسابيع الماضية كفيلة بأن نستنتج معها بأنه بالإمكان تغييب الحس العام لفترة ولكن من المستحيل الحجر على يقظته التي قد تكون فجائية التوقيت والمفعول ومباغتاً لكل مراكز الدراسات، «التفكير» والأبحاث والمستشارون الذين أمعن الكثيرون منهم الوسائل في تغييب هذا الحس إلى أن وقعت الصدمات التي قابلها فاقدو الحس العام بخطابات مجنونة للغاية تفتقر لأي فطنة أو حكمة أو تفكير. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©