الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معالم ومرتفعات جزائرية تنثر عبير الثورة

معالم ومرتفعات جزائرية تنثر عبير الثورة
8 يونيو 2009 00:58
هو مركَّبٌ ثقافي وتجاري جميل يحتل حيزاً بارزاً في مرتفعات «العناصر» بالجزائر العاصمة، تولت إحدى الشركات الكندية إنجازه، فأنهت بناء «مقام الشهيد» سنة 1982، ثم «رياض الفتح» و»غابة الأقواس» سنة 1986. وفتن «مقام الشهيد» الجزائريين بعلوِّه الشاهق حيث يقف بشموخ على هضبة عالية ويُرى من عشرات الكيلومترات، ويصل ارتفاعه إلى 92 متراً، بينما يرتفع عن سطح البحر بمئات الأمتار، وهو ذو قاعدة ثلاثية خرسانية متينة تمَّ تزيينُها بتماثيل لقادة ثورة التحرير الجزائرية (1 نوفمبر 1954- 5 يوليو 1962) والذين اُستشهدوا جميعاً فتمَّ تخليدُهم قرب هذا النصب التذكاري العملاق. المليون شهيد منذ افتتاحه في 1982 ورؤساءُ الجزائر المتعاقبون يحرصون على زيارة «مقام الشهيد» في الأعياد الوطنية ووضع إكليل من الزهور عليه وقراءة الفاتحة ترحُّماً على أرواح مليون ونصف المليون جزائري سقطوا أثناء الثورة. وفي «جوف» المقام يقع «متحف المجاهد» الذي يعرض للزوار مجموعة من التحف والقطع التاريخية التي يعود تاريخُها إلى فترة ثورة التحرير، ومنها قطع أسلحة خفيفة وثقيلة، استعملها المجاهدون أثناء الثورة، وملابس وأدوية وغيرها من الأغراض التي تؤرخ للثورة. وعلى بعد حوالي 300 متر منه، يقع «متحف الجيش» الذي يعرض بدوره تحفاً أثرية تؤرخ لتاريخ الجزائر منذ فترة ما قبل التاريخ إلى غاية ثورة التحرير. ويحلو للسيَّاح والزوار التقاطُ صور تذكارية أمام «مقام الشهيد» وقد وجد فيه مجموعة من الشباب فرصة للاسترزاق من خلال احتراف التصوير، حيث يعرضون على الزوار تصويرهم مقابل ما يعادل دولاراً ونصف الدولار للصورة، ولا تزال هذه المهنة تقاوم الاندثار بفعل انتشار آلات التصوير الرقمية التي يحبِّذ الزوارُ التعامل بها. لؤلؤة معمارية على بُعد عشرات الأمتار من «مقام الشهيد» يقع «رياض الفتح» وهو لؤلؤة معمارية رائعة الجمال، حيث عمدت الشركة الكندية إلى الحفر عميقاً في هضبة «العناصر» وبناء هذا المجمع بشكل دائري بديع. ويتكون الرياض من أربعة طوابق، تبدأ زيارتها عادة ً من الأعلى، حيث توجد ساحة واسعة، إلى الأسفل، ويمكن للزائر بعدها أن يخرج إلى موقف السيارات ومن ثمة إلى الطريق السريع. وفي بهو الطابق الأسفل يجتمع عددٌ كبير من الأطفال أمام إحدى الألعاب الكبيرة ليلعبوا تحت أعين ذويهم الذين يجلسون في الأطراف. ويتكون المجمَّعُ من عددٍ كبير من المحال التجارية المختلفة وقاعات السينما والمكتبات وقاعات الشاي والمطاعم، كما يحتوي على محلات لبعض الحِرف التقليدية الجزائرية ومنها الحلي الشعبية والملابس التقليدية المنتشرة في مختلف جهات الجزائر. وتحيط بالمقام والرياض غابة ٌ جميلة تُعرف باسم»غابة الأقواس» وهي تحتوي بدورها عدداً من المطاعم والمقاهي حيث يحلو لزائريها تناولُ طعامهم ومشروباتهم في الهواء الطلق، وتجمع هذه الغابة بين الأشجار مختلفة الأشكال والأنواع ومساحات من العشب الأخضر المتناسق. معارك قضائية واحتجاجات «طربية» اكتسب المقام ومركَّب رياض الفتح وغابة الأقواس شهرة كبيرة في الثمانينات، وشهد إقبالاً مكثفاً من الجزائريين الذين اعتبروه من بين مُنجزات فترة الاستقلال. إلا أن الأزمة الأمنية الخطيرة التي دخلت فيها الجزائر منذ يناير 1992 شغلت الناس عن زيارته، والتمتع بمناظره وقضاء سهرات فيه، ولم يعد يجلب مطربين لإقامة سهرات غنائية في محيطه كما كان الأمرُ من قبل. وبعد التحسن الجذري للوضع الأمني في الألفية الجديدة، ودحر الإرهاب وخروج الجزائر من نفق الأزمة، استعاد «رياض الفتح» أيَّام مجده، وعاد يجلب السياح ويقيم السهرات، إلا أن الجزائريين بدأوا يشتكون من تجاوزات أخلاقية تحدث في المطاعم التي تحولت إلى ملاه تقدِّم الخمور وتجلب الراقصات القاصرات لإحياء الليالي «الحمراء»، ما حوَّلها إلى أوكار للفساد وتعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم، فأعلنت وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي الحربَ عليها واتهمت الإدارة بالتواطؤ مع أصحاب هذه المطاعم من خلال منحهم رخصاً غير شرعية للتحول إلى ملاه، بل إن قاعة المسرح الوحيدة للأطفال في الجزائر تحولت بدورها إلى ملهى ليلي، وهو ما حزَّ أكثر في نفس الوزيرة التي سعت دون هوادة إلى إغلاقها باعتبار أن ذلك إساءة لمقام الشهيد؛ أي لرمز شهداء ثورة الجزائر، وخاضت معاركَ قضائية ً وسياسية، كُلِّلت في الأخير بنجاحها؛ حيث تمَّ إغلاقُ 14 ملهى في سبتمبر 2008، ولقيت هذه الخطوة احتجاجاً عارماً من أصحاب الملاهي الذين جندوا المطربين المتعاقدين معهم لتنظيم حركات احتجاجية مستمرة على القرار، لكن السلطات لا تزال تصر على غلقها إلى الآن. وهي الخطوة التي لاقت استحسان المواطنين الذين يأملون أن يبقى «رياض الفتح» مركزاً ثقافياً وسياحياً كما كان حتى تعود إليه العائلات الجزائرية المُحافظة دون أن تصطدم بأي منظر غير أخلاقي.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©