الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا.. وعودة «فاثوم أدونيا»!

9 مايو 2016 23:54
أعتقد أن تلك الصور المعبرة للسفينة السياحية الأميركية الكرنفالية «فاثوم أدونيا»، التي رست في كوبا الأسبوع الماضي، كأول سفينة سياحية أميركية تصل لتلك الجزيرة منذ ما يزيد على 50 عاماً، قد تدخل التاريخ باعتبارها رمزاً أخيراً لفشل ثورة 1959 الكوبية. وكثير من شباب اليوم قد لا يعرفون شيئاً عن ملابسات تلك الثورة، ولكن ما حدث في تلك السنوات البعيدة هو أن فيدل كاسترو، ورفاقه الحالمين في الحركة الثورية، رفعوا السلاح ضد نظام «فولجينسيو باتيستا» الحاكم في أواخر الخمسينيات، لأسباب عديدة، منها شعورهم بالاستياء الشديد من منظر حشود السياح الأميركيين، التي كانت تأتي بالسفن السياحية إلى جزيرتهم، ومن انتشار الكازينوهات والأندية الليلية، التي كانت تديرها العصابات، والتي كانت تقدم خدماتها لهؤلاء السياح، وهو ما اعتبره الثوار، في مجمله، انعكاساً للفساد المتفشي في ظل حكومة «باتيستا». لعقود طويلة، ظلت وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة الكوبية، تصور نزول السائحين الأميركيين من السفن السياحية إلى الجزيرة، على أنه كان يمثل رمزاً للانحلال الذي ساد في كوبا قبل الثورة. وفي أواخر عام 2005 ألقى كاسترو خطاباً، سخر فيه من صناعة السياحة الكوبية قبل الثورة، والتي كانت تعتمد على خطوط السفن المنتظمة بين السواحل الأميركية والكوبية، وجاء ضمن ما قاله: «مع تلك السفن جاءتنا الفنادق العائمة، والمطاعم العائمة، والمسارح العائمة، والسياح الذين يزورون البلاد ثم يتركون وراءهم قمامتهم، وعلب شرابهم الفارغة، وصحفهم، مقابل بضع سنتات يدفعونها للكوبيين». واليوم، نجد أن الأحوال في كوبا قد تحولت من النقيض إلى النقيض. فالجزيرة باتت تكابد مصاعب اقتصادية، ومستويات المعيشة فيها أصبحت واحدة من أدنى المستويات في أميركا اللاتينية، وباتت، للمرة الأولى منذ عقود، من دون دولة داعمة خارجية -الاتحاد السوفييتي سابقاً، وفي فترة قريبة فنزويلا- قادرة على توفير الدعم الاقتصادي بشكل كبير ومؤثر. ووفقاً لموقع تجاري كوبي متخصص، سيدرُّ تسيير خط سفن سياحية أميركية منتظم بين ميامي والساحل الكوبي على الجزيرة مبلغاً يقدر بـ88 مليون دولار سنوياً، وهو ما سيمثل أبرز تطور اقتصادي تشهده كوبا منذ أن بادر الرئيس باراك أوباما بتغيير سياسة بلاده تجاهها في ديسمبر 2014، وصولاً إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 2015. وعندما رأيت صورة سفينة «فاثوم أدونيا» الفاخرة وهي ترسو في مشهد كرنفالي على سواحل هافانا في الثاني من مايو الجاري، لم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير في المفارقة الساخرة التي ينطوي عليها كل ذلك. فبعد مرور ستة عقود على حظر كاسترو للكازينوهات، وإعلانه انتصار الثورة الاشتراكية الكوبية و«إنسانها الجديد» النهائي، نجد أن الجزيرة تعود في الوقت الراهن لتتحول مرة أخرى إلى وجهة للسياحة الأميركية. وكوبا تعيش الآن في أحوال اقتصادية واجتماعية صعبة بمعنى الكلمة، وهي تعاني أصلاً مصاعب ومتاعب اقتصادية منذ أن توقف الاتحاد السوفييتي السابق عن تمويلها. فمتوسط الرواتب الحالي في الجزيرة لا يزيد على 21 دولاراً شهرياً، وهو واحد من أقل مستويات الدخول في أميركا اللاتينية. كما أن الهجرة واسعة النطاق، وتقلص معدلات المواليد في الجزيرة، أديا إلى انكماش عدد سكانها، المتوقع أن ينخفض من 11 مليون نسمة وهو العدد الحالي، إلى 10 ملايين فقط بحلول عام 2025. وفي حين أن المترشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسية الأميركية بيرني ساندرز، ومعه بعض القادة الأجانب الآخرين، ما زالوا يعتقدون أن كوبا قد حققت تقدماً كبيراً في النظام التعليمي، والخدمات الصحية، إلا أن ذلك ربما يكون قد بات شيئاً من الماضي، بسبب تراجع التعليم الكوبي بصورة ملحوظة في العقود الأخيرة، بعد التحسن الذي كان قد شهده في بداية الثورة بمساعدة من السوفييت، بدليل أن كوبا لم تعد تشارك في نظام PISA للاختبارات الطلابية، الذي يعتبر معياراً أساسياً لقياس المستوى التعليمي في أية دولة. وعلاوة على ذلك، ينبغي ألا ننسى أيضاً أن كوبا كانت دولة متقدمة للغاية قبل ثورتها، حيث كانت تأتي في المرتبة الرابعة في مستويات محو الأمية في أميركا اللاتينية، وفقاً للكتاب الإحصائي السنوي للأمم المتحدة الصادر عام 1957، كما أن معدل وفيات المواليد فيها كان من بين الأقل على مستوى القارة وفقاً للكتاب المذكور نفسه. وبعد مرور ستة عقود على الثورة الكوبية، تبقى كوبا، من وجهة نظر منتقديها، دولة غير ديمقراطية، لا تسمح بالانتخابات الحرة، أو الأحزاب السياسية، أو الصحافة الحرة. ووفقاً لـ«أرشيف كوبا» هناك 3,117 حالة إعدام غير موثقة، و1,162 حادثة قتل على يد النظام منذ عام 1959، مع أن العديد من الدول الأميركية الجنوبية، نجحت في تخفيض مستويات الأمية فيها، وتحسين خدماتها الصحية، من دون اللجوء لمثل هذا النزيف من الدماء. وبالإضافة إلى ذلك يصنف تقرير فريدوم هاوس 2016، الذي نُشر هذا الأسبوع، كوبا باعتبارها واحدة من بين الدول العشر الأكثر قمعية على مستوى لعالم، ويزعم أنها تأتي في مرتبة أسوأ من إيران وسوريا. والاستنتاج الذي أخرج به من كل هذا: أنه في الوقت الذي تعود فيه السفن السياحية الأميركية إلى كوبا، ربما يكون الوقت قد حان لتذكر آلاف الناس الذين ماتوا بسبب مشروع الثورة التوتاليتاري، ولتوجيه سؤال لمن لا يزالون يؤمنون بثوريته -بما في ذلك ساندرز- وهو: هل كان الأمر يستحق كل ذلك؟ وبطبيعة الحال فالوقت الحالي وقت كارنفال في كوبا تماماً مثلما كان الحال قبل ثورة 1959، ولكن الفارق، هو أن البلد قد بات أفقر كثيراً. * كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©