الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين.. والانفتاح على الدين!

31 مارس 2017 22:25
في عام 1982، وصل رجلان إلى مدينة «زنجدنج» الصينية، التي يعلوها الغبار من كل مكان، أحدهما هو «شي يومينج»، الراهب البوذي الذي تولى منصباً في أطلال أحد معابد «زنجدنج» الأسطورية. وأما الآخر فهو «شي جينبينج»، وكان يبلغ آنذاك 29 عاماً وهو نجل أحد كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي، وقد أوكلت إليه مهمة إجبارية في أحد الأقاليم كموظف حكومي، قبل أن يتولى في نهاية المطاف مهمة أكبر هي قيادة جمهورية الصين الشعبية. وشكّل الرجلان تحالفاً غير معتاد تتردد أصداؤه في الوقت الراهن. وبدعم من «شي»، أعاد «يومينج»، الذي يفضل تسميته باسم واحد فقط مثل معظم الرهبان البوذيين، بناء معبد «لينجي» في المدينة، التي تعتبر مهد إحدى أشهر المدارس البوذية. وعلى رغم أن «شي» انتقل من المدينة، إلا أنه دأب على زيارة «يومينج» في «زنجدنج»، بل وأرسل مسؤولين إلى هناك لدراسة الشراكة بين الحزب والدين. ويُسلط الاطلاع المبكر لـ«شي» على الحياة الدينية الضوء على ماهية الرجل الذي أدار الصين بقبضة أقوى من أي زعيم آخر منذ «ماو تسي تونج». وعلى رغم اشتهاره في الخارج بجهوده الرامية إلى توسيع وجود بلاده في بحر الصين الجنوبي، وحملته القوية ضد الفساد، إلا أن الرئيس يقود في الداخل أيضاً تغييراً كاملاً ومفاجئاً في الحزب الشيوعي، في محاولة لإحياء الحياة الروحانية في الصين الشيوعية من خلال الانفتاح على بعض التعاليم الدينية. وعلى رغم محاولة الحزب الشيوعي في الماضي قمع التدين، فقد بات في ظل قيادة «شي»، يدعمه بطرق شتى تحاكي طريقة قادة آخرين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويرغب كثير من المواطنين الصينيين عادة في الاعتقاد بأن قادتهم لديهم بعض المعتقدات الروحانية. ويرى «شي» أيضاً، بجعله الصين حارسة لديانة مثل البوذية، الدين كوسيلة لتعزيز وضع بلاده في عالم لا تزال تهيمن عليه الولايات المتحدة، التي يخطط لزيارتها من أجل لقاء الرئيس دونالد ترامب في بداية الشهر المقبل. ومن مقولات «شي» الشهيرة أنه «إذا كان لدى الناس إيمان، فللأمة أمل، وللدولة قوة». والحقيقة أن الشيوعيين في الصين لم يكونوا دائماً ضد الدين. فقبل حسم الحرب الأهلية عام 1949، وجد الحزب ملاذاً في شمال غرب البلاد. ومع تقلص أعداده بسبب الأمراض والهجمات، احتاج الحزب الشيوعي إلى حلفاء محليين، مثل البوذيين التيبت، والمسلمين الويغور، والمزارعين الصينيين المتدينين. ولذا، انتهج الحزب سياسة براجماتية، تاركاً الدين وشأنه طالما أنه لا يهدد حكم الحزب. ولكن تغيّر الأمر في خمسينيات القرن الماضي، عندما دخل «ماو» مرحلة الـ20 عاماً الأخيرة في حياته؛ إذ عكف على تدمير عشرات الآلاف من دور العبادة، إلا أن آخرين في حزبه كانوا أكثراً حذراً، وتولوا السلطة في نهاية المطاف. وكان «شي زهونجزون» والد «شي جينبينج» عضواً بارزاً في ذلك الفصيل الباراجماتي. وفي عام 1980، ترأس «شي زهونجزون» العمل الديني في الحزب، وبعد عامين أصدرت اللجنة المركزية في الحزب أهم أوراقها بشأن السياسة الدينية، التي عرفت باسم «الوثيقة 19». وحذر التقرير الذي وقع في 11 ألف كلمة أعضاء الحزب من حظر الأنشطة الدينية، قائلاً إن ذلك من شأنه تنفير كثير من الناس. وطالب أيضاً باستعادة المعابد والمساجد والكنائس، «وإعادة تأهيل» رجال الدين. وموقف «شي» الابن تجاه «يومينج» والمعابد في المدينة القديمة ربما تقف وراءه عوامل كثيرة؛ فـ«زنجدنج» منطقة معزولة وفقيرة، ولكن ثروتها التراثية يمكن استثمارها في الترويج السياحي. وقد استغل «شي» علاقاته الأسرية في جذب صناعة الدراما التاريخية المزدهرة إلى المدينة، وربما رأى الدين جزءاً من استراتيجية التنمية الاقتصادية. ومثل والده، قد يرى «شي» الدين أيضاً كأداة لتنمية وحكم جزء من البلاد فيه جذور دينية قوية. بيد أنني أثناء الزيارات المتكررة إلى «زنجدنج» خلال السنوات الخمس الماضية، اكتشفت صورة أكثر عمقاً للزعيم الصيني، فعلى رغم أن «شي» براجماتي، «لكن الدلائل تشي بأنه مدفوع باحترام حقيقي للعقائد الصينية التقليدية»، ومثل «البوذية» و«الطاوية» والديانة الشعبية. وقد أصبح «شي» زائراً معتاداً إلى معبد «لينجي»، وساعد على تفكيك العقبات البيروقراطية، بينما جمع «يومينج» المال من أجل إعادة بناء المعبد. وفي عام 1983، بحسب السجلات المحلية، اعتمد «شي» إعادة فتح المعبد أمام الجمهور، على رغم أنه كان لا يزال أطلالاً، وفي نهاية المطاف، تم تنصيب «يومينج» رئيساً له. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©