الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النيجر··· ثروة في القاع وغضب على السطح

النيجر··· ثروة في القاع وغضب على السطح
29 ابريل 2008 00:19
باتت الثروة الطبيعية التي تزخر بها النيجر تتسبب في معاناة كبيرة هنا، في مدينة ''أجاديز'' المغبرة الواقعة على أبواب الصحراء في شمال النيجر، كان ''محمد عبدو'' يبيع في الماضي حلي الزينة التي يصنعها الصائغون الطوارق، وكان متجره المصنوع من الطين، الواقع غير بعيد عن مسجد يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر، يوظف في يوم من الأيام 18 صائغ حلي، وكان يدر عليه ما يكفي من المال -ما يكفي لإعالة زوجته وطفله وأمه وإخوانه التسعة الأصغر سنا وعمه وعمتيه وستة أبناء عمومة- حياة ممتازة في رابع أفقر بلد في العالم، ولكن الأمر كان كذلك قبل أن يشل الصراعُ حول كميات اليورانيوم التي تمتلكها النيجر ''أجاديز'' ويُحوِّل المناطق الصحراوية المحيطة إلى منطقة حرب· فاليوم، تهدد العملياتُ المنجمية في النيجر وجودَ شعب الطوارق، الذي يسكن صحراء النيجر الشمالية الغنية باليورانيوم منذ القرن العاشر، والذي يكافح اليوم من أجل الحفاظ على نمط حياته الترحالي واقتسام الثروة الجديدة، غير أن المعركة اندلعت في حي خطير، فإلى الشمال، توجد ليبيا والجزائر اللتان مازالتا تعتبران بمثابة أرضية خصبة للقاعدة ومنظمات متطرفة أخرى، وإلى الشرق، يدمر العنف الإثني تشاد والسودان، ويقول مسؤولو الجيش الأميركي إن إرساء الاستقرار في البلدان الإسلامية الفقيرة مثل ''النيجر'' هو الطريقة المثلى للحيلولة دون تحولها إلى ملاذ للإرهابيين، فإذا كان ثمة درس يمكن استخلاصه من التجربة الحديثة في أفغانستان، فهو أن الحرب والفقر يخلقان فرصا لظهور الإرهاب وازدهاره· والواقع أن النيجر -التي تشكل الصحراء ثلثي مساحتها ويعد 99 في المائة من سكانها مسلمين- لطالما عانت من تأثيرات الفقر المدقع والتوتر الإثني والتنافس الإقليمي، ولكن ارتفاع الطلب على اليورانيوم أشعل برميل البارود، ولاسيما بعد أن قفز سعر اليورانيوم، الذي يُستعمل كوقود بالنسبة لمحطات الطاقة النووية، من 9 دولارات إلى 75 دولارا للباوند الواحد خلال العقد المنصرم، بل ووصل خلال يونيو المنصرم إلى 135 دولارا، وتعتزم النيجر مضاعفة إنتاجها أو أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة، في وقت تتهافت فيه الشركات من أستراليا وكندا والصين والهند وفرنسا على احتياطيات هذا البلد، التي تعد من بين أكبر الاحتياطيات في العالم· وعلى غرار الذهب والماس والمطاط والنفط في أماكن أخرى من أفريقيا، أثار اليورانيوم الاضطراب والعنف، حيث لجأ شبان الطوارق إلى السلاح وشكلوا ''حركة النيجر من أجل العدالة'' في فبراير 2007 للمطالبة ببعض التحكم في عمليات استخراج اليورانيوم ونصيبهم من العائدات التي تدرها، كما يطعنون في موقف الحكومة القائل بأنه لا حق قانونيا للرحل في الأراضي التي احتلوها منذ قرون، كما يطالبون بالرعاية الطبية والتعليم والفرص الاقتصادية التي وعدت بها حكومةُ النيجر في اتفاق الســلام الموقع في 1995 والذي أنهى تمردا سابقـــا للطوارق· الصيف الماضي، أرسلت حكومة النيجر 4 آلاف جندي لإخماد أحدث انتفاضة للطوارق في شمال البلاد الواسع، ومنذ ذلك الوقت، اختفى أي مظهر على الرخاء هناك، إذ يقول ''عبدو'' -في رسالة إلكترونية بعث بها من أجاديز- التي كانت تمثل قبل عام من اليوم مركزا تجاريا للرحل الذين يبيعون الإبل من أجل الحبوب، ووجهة للسياح الذين يأتون إليها من أوروبا من أجل رحلات في الصحراء: ''متجري مغلق اليوم، ولا أستطيع أن أبيع ولو خاتما واحدا، ونتيجة لذلك، فإنني أعيش أوضاعا اقتصادية صعبة''، مضيفا: ''كل شيء مغلق، فالجيش لا يسمح لنا بمغادرة منازلنا بعد الساعة السابعة، ونتيجة لذلك، لم تعد هناك سيارات أو دراجات، ولم يعد الأطفال يذهبون إلى مدارسهم من شدة خوفهم''· ويعد الطوارق، الذين يُعرفون بـ''رجال الصحراء الزرق'' نظرا للون ملابسهم، شعبا منعزلا في الصحراء، يمارسون شكلا معتدلا من الإسلام، ويتحدثون لغة خاصة بهم تقوم على أبجدية ليبية قديمة، وعلى مدى قرون، ازدهرت أعمال هؤلاء الرحل بفضل تجارة القوافل عبر الصحراء، أما اليوم، فمعظمهم يكافح من أجل الصمود والبقاء على قيد الحياة، حيث يتنقلون بقطعان ماشيتهم وإبلهم وخيامهم بوتيرة مـــرة واحـــدة كـــل أسبوع، أحيانا بحثا عن الكلأ الذي أضحى نــــادرا بسبب الجفـــاف والتصحر· وينتشــر الطوارق عبر خمسة بلدان من شمال أفريقيا، ويبلغ عددهم نحو 1,6 مليون نسمة في النيجر، أو 11 في المائة من سكان البلاد، وبعد أمطار الصيف، يسافر مئات الآلاف من الطوارق ويرحل آخرون إلى حقول الملح في النيجر لتسمين قطعانهــــم، غير أن هـــذه الأراضي أصبحت تنتشر فيها اليوم أعلامٌ حمراء إشارة إلى وجود اليورانيوم المعتزم استخراجه، وهو ما يعلق عليه ''يوسف آغ ماحا'' -المتحدث باسم ''حركة النيجر من أجل العدالة''- بالقول: إن آلاف الأعلام نٌصبت ''بدون التشاور مع أي شخص من شعب شمال النيجر أو حتى إخباره''· في هذه الأثناء، تتواصل معاناة ''عبدو'' الذي تمكن في فبراير المنصرم من القيام برحلة إلى العاصمة التي تبعد أكثر من 500 ميل قصد بيع حليه، ولكن الألغام الأرضية جعلت الرحلة أمرا في منتهى الخطورة، وكتب عبدو في رسالته يقول: ''رجاء انقلوا معاناتنا إلى العالم·· رجاء ساعدونا على الخروج من هذا البؤس!''· كلير شبيجل-النيجر ناشطة في مجال العمل الإنساني ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©