الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

التوسط في الإنفاق.. أمر إلهي

31 مارس 2017 00:35
القاهرة (الاتحاد) جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إن أمي تسألك كذا وكذا، فقال: «ما عندنا اليوم شيء»، قال الغلام، فتقول لك اكسني قميصك، فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسراً، فأنزل الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)، «سورة الإسراء: الآية 29». قال القرطبي، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك هذا مجاز عبر به عن البخيل الذي لا يقدر من قلبه على إخراج شيء من ماله، فضرب له مثل الغل الذي يمنع من التصرف باليد، وضرب بسط اليد مثلاً لذهاب المال، فإن قبض الكف يحبس ما فيها، وبسطها يذهب ما فيها، وهذا كله خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وكثيراً ما جاء في القرآن، فإن النبي لما كان سيدهم وواسطتهم إلى ربهم، عبر به عنهم على عادة العرب في ذلك. وأيضاً، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يدخر شيئاً لغد، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع، وكان كثير من الصحابة ينفقون في سبيل الله جميع أموالهم، فلم يعنفهم النبي ولم ينكر عليهم لصحة يقينهم وشدة بصائرهم، وإنما نهى الله سبحانه وتعالى عن الإفراط في الإنفاق، وإخراج ما حوته يده من المال من خيف عليه الحسرة على ما خرج من يده، فأما من وثق بموعود الله عز وجل وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مراد بالآية، وقيل إن هذا الخطاب للنبي في خاصة نفسه، علمه فيه كيفية الإنفاق، وأمره بالاقتصاد. وقال الطبري، هذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء، وإنما معنى الكلام، ولا تمسك يا محمد يدك بخلاً عن النفقة في حقوق الله، فلا تنفق فيها شيئاً إمساك المغلولة يده إلى عنقه، الذي لا يستطيع بسطها، ولا تبسطها كل البسط بالعطية، فتبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئاً تعطيه سائلك فتقعد ملوماً محسوراً، يلومك سائلوك إذا لم تعطهم، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه، محسوراً معيباً، قد انقطع بك، لا شيء عندك تنفقه، ومن ذهب ماله كله فهو محسور. وعن ابن عباس، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، يعني بذلك البخل، ولا تمسكها عن طاعة الله، ولا عن حقه، لا تمسك عن النفقة، ولا تبسطها كل البسط، أي لا تبذر تبذيراً، فتقعد نادماً على ما فرط منك. وقال الطاهر بن عاشور، قد أتت هذه الآية تعليماً بمعرفة حقيقة من الحقائق الدقيقة فكانت من الحكمة، وجاء نظمها على سبيل التمثيل فصيغت الحكمة في قالب البلاغة. فأما الحكمة، فإذا بينت أن المحمود في العطاء هو الوسط الواقع بين طرفي الإفراط والتفريط، والوسط هو العدل، فالإنفاق والبذل حقيقة، أحد طرفيها الشح وهو مفسدة للمحاويج، ولصاحب المال إذ يجر إليه كراهية الناس إياه وكراهيته إياهم، والطرف الآخر التبذير والإسراف، وفيه مفاسد لذي المال وعشيرته، لأنه يصرف ماله عن مستحقه إلى مصارف غير جديرة بالصرف، والوسط هو وضع المال في مواضعه، وهو الحد الذي عبر عنه في الآية. وأما البلاغة فبتمثيل الشح والإمساك بغل اليد إلى العنق، وهو تمثيل مبني على تخيل اليد مصدراً للبذل والعطاء، وتخيل بسطها وغلها شحاً، وهو تخيل معروف لدى البلغاء والشعراء، فجاء التمثيل في الآية مبنياً على التصرف في ذلك المعنى بتمثيل الذي يشح بالمال بالذي غلت يده إلى عنقه، أي شدت بالغل، وهو القيد يشد به الأسير، فإذا غلت اليد إلى العنق تعذر التصرف بها فتعطل الانتفاع بها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©