الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من عفا ساد

25 فبراير 2011 19:08
أمر عادي أن نقابل من يسيء إلينا بالإساءة، أو الاستنكار، أو الابتعاد عنه في أحسن الأحوال، ولكن الأمر غير العادي والأروع هو أن نقابل الإساءة بالإحسان. من أعلى درجات رقي النفس أن نقابل الإساءة بالإحسان، وحين تبلغ النفس هذه الدرجة يصبح العالم كله واحة خير وتسامح وتكاتف وتآلف. تعارف الناس على أن الإحسان هو في الطاعة فقط، بينما هو في حقيقته أشمل وأوسع مما عرفناه، فالإحسان لغةً مصدر، تقول أحسن يحسن إحساناً، ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع، والإحسان ضدُّ الإساءة. والإحسان أيضاً الإخلاص. وأريد بالإحسان: الإشارة إلى المراقبة وحُسن الطاعة، وهو يُحسِن الشيء إحساناً، أي: يَعلَمه ويُتقِنه. والحُسن: ضدُّ القبح، وحَسَّن الشيء تحسيناً زيَّنه. وقال القرطبي: إنه تعالى يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض، حتى إن الطائر في سجنك والسنور في دارك لا ينبغي أن تقصر تعهده بإحسانك. وقال الطبري: معنى الإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانيته. والإحسان في حديث جبريل عليه السلام: قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ومن المعاني الشاملة للإحسان ما قاله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته. نعم، لقد بلغ العرب من سمو الأخلاق، درجة من الإنسانية الحقة تجاه كل حيّ، حتى أصبح الإحسان إلى الحيوان في دينهم مما يغفر الذنوب، وتعظم به الأجور. كان لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أرض وكان له فيها عبيد يعملون فيها، وإلى جانبها أرض لمعاوية وفيها أيضاً عبيد يعملون فيها، فدخل عبيد معاوية في أرض عبد الله بن الزبير، فكتب عبد الله كتاباً إلى معاوية يقول له فيه: أما بعد، يا معاوية، إن عبيدك قد دخلوا في أرضي، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن، والسلام. فلمّا وقف معاوية على كتابه، وقرأه دفعه إلى ولده يزيد، فلما قرأه قال له معاوية: يا بني ما ترى؟ قال: أرى أن تبعث إليه جيشاً يكون أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: بل غير ذلك خير منه يا بني، ثم أخذ ورقة، وكتب فيها جواب كتاب عبد الله بن الزبير، يقول فيه: أما بعد، فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساءني ما ساءه، والدنيا بأسرها هينة عندي في جنب رضاه، نزلت عن أرضي لك فأضفها إلى أرضك بما فيها من العبيد والأموال والسلام. فلما وقف عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على كتاب معاوية رضي الله عنه، كتب إليه: قد وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، ولا أعدمه الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام. فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله بن الزبير, وقرأه رمى به إلى ابنه يزيد، فلما قرأه تهلل وجهه، وأسفر، فقال له أبوه: يا بني مَن عفا ساد، ومَن حلم عظم، ومَن تجاوز استمال إليه القلوب، فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء، فداوه بمثل هذا الدواء. إسماعيل ديب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©