الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحزب الحاكم في تركيا··· والبحث عن صياغات مرنة

الحزب الحاكم في تركيا··· والبحث عن صياغات مرنة
26 ابريل 2008 23:51
كان يفترض أن يحتفل الناس بقدوم الربيع، فإذا بهذا اليوم يبدأ بدرجة حرارة بلغت 36 درجة مئوية، وهو ما يعني لأهل البلاد جهنم، ورغم غياب الشمس إلا أن الليل أبى أن يكون مختلفاً عن النهار، فخلا هو الآخر من أية نسمة تلطف من صهد الأرض، وجاء اليوم التالي بحال هو النقيض بعينه، فالسحب غطت السماء ومعها هطلت الأمطار، وانكمش المواطنون يحتمون فيما يرتدونه، وانطلقت المظلات من محابسها وحاملوها يسرعون الخطى، منهم من كان يحدوه أمل في حافلة تنقله سريعاً إلى حيث أتى، والبعض الآخر الذي لم ينه مصالحه بعد، أخذ يبحث عن ركن يقيه من الأمطار التي بدت للحظات كالسيل، هل الشتاء يعود من جديد؟ أم هو مناخ أنقرة المتقلب؟ ويالَها من مصادفة مذهلة، فالعاصمة نفسها تضربها رياح متلاطمة، بيد أن المزاج الإنساني للبسطاء القاطنين تحت فضائها -شأنه شأن بقية بقاع الأناضول- بات معتلاً مشوشاً قلقاً، تعتصره هواجس شتى محورها الاستفهام الكبير: ماذا يحمل له الغد؟ فالأوضاع الاقتصادية تمر بمنحنيات هبوط أكثر منها صعوداً نتيجة لارتفاع الأسعار بصورة مخيفة، باتت تؤثر على شرائح كبيرة من المجتمع، فأصحاب الدخول الثابتة، وهم هنا الموظفون والعاملون بالجهاز الإداري للدولة، بات مالوفاً أن تراهم يقفون في طوابير طويلة للحصول على قدر يسير من الأرز -الذي زاد سعره ثلاثة أضعاف في أقل من أسبوع-أما القطاع الخاص فالركود أصابه في مقتل، ولم يعد خافياً على أحد شبح الإفلاس الذي يهدد قطاعات بالإغلاق، ففي أقل من شهرين أغلق نحو أربعة آلاف نشاط تجاري، الشواهد جميعها إذن تجمع على أن القادم قد يكون صعباً، غير أن المدهش، هو أن قطاعاً مهماً من ''الانتيليحسيا'' يرى أن هذا الغد لن يكون أسوأ مقارنة بما تعيشه تركيا الآن· على صعيد الحياة السياسية، لم يعد هناك موضوع سوى ذلك المتعلق بمصير حزب العدالة والتنمية الحاكم من جانب، ورموزه من جانب آخر، حتى المسؤولون الأوروبيون القادمون إلى أنقرة -آخرهم وزيرة الخارجية النمساوية- لا يمكن أن تمر مباحثاتهم دون الاستفسار عن القرار المحتمل للمحكمة الدستورية بشأن غلق الحزب وحرمان قياداته من العمل السياسي، وبطبيعة الحال لن يتوقف الجدل المثار حتى تضع المحكمة قرارها الذي لا يقبل الطعن، بعد شهور، وربما مع مستهل العام الجديد· الحزب من جانبه، لا يتوقف خبراؤه عن طرح السيناريوهات وفي نفس الوقت البدائل التي يجب اتخاذها على ضوئها، لتجنب نفق الانتخابات المبكرة، فالأخير في حال اتخاذ قرار بإجرائها لن تأتي نتائجها -عكس ما يتصوره البعض خارج الأناضول- مثل تلك التي حصل عليها الحزب قبل أقل من عام، خصوصاً في ظل التطورات الحياتية السيئة التي تمر بها البلاد· لكن يبدو أن الموقف شديد التعقيد، فما طرحته الحكومة من حزمة للتعديلات الدستورية، واجه معضلات -ولازال- ليس فقط من قبل القوى السياسية، بل من قطاعات عريضة مؤثرة لها ثقلها في المجتمع السياسي، وبالتالي كان لابد من بعض التراجع، والسعي من جديد لصياغات مرنة لعلها تلقى قبول القوى السياسية، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فالحركة القومية عادت وجددت معارضتها لأي إجراء لا يحافظ على القومية التركية أو يقلل منها، هذا بجانب رفضها تقليص صلاحيات المدعي العام الجمهوري، أما الشعب الجمهوري فاستمر على رفضه لأي إجراء يتخذه الحزب الحاكم، صحيح أنه مازال في جعبة العدالة مخرج في حال فشله بتمرير تلك التعديلات بالبرلمان، ألا وهو الاستفتاء، إلا أن هذا من شأنه سكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلاً·· فما الحل إذن؟ أمام تلك التطورات، حمل رئيس الوزراء -الذي لم يفقد الأمل بعد في استمراره وبقائه على سدة الحكم- قليلاً من حاجياته، واختفى أياماً أمضى خلالها عطلة قصيرة مع عائلته، على أمل أن يستيعد قدراً من الهدوء قبل المعركة التي تنتظره، لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن المكان الذي قصده رئيس الحكومة في ''ابانت'' بقلب جبال ''بولو'' الشهيرة، هو نفسه الذي سبق أن احتوى خلافاً، لم يكن بأي حال بسيطاً، بيد أن أصدقاء الطرفين ''الطيب رجب أردوغان'' و''عبدالله جول'' سعوا فوراً لرأب الصدع بين الصديقين الحميمين قبل أن يحتدم إلى صراع قد لا ينتهي! لكن يبدو أن السكينة مازالت بعيدة المنال عن رئيس الحكومة، فهناك من يلمح إلى وجود مؤامرة تحاك ضده من داخل البيت الحزبي نفسه، الرئيس ''عبدالله جول'' ليس بعيداً عنها، وهو ما يعني، حال كان ما يتردد ويجد طريقه إلى الإعلام صحيحاً؛ أن جروح الماضي القريب لم تندمل بعدُ فقد راحوا يزرعون في صدر الرجل المزيد من الشكوك في تلك العودة المفاجئة لصانع السياسة المالية، نائب نائبه السابق ''عبد اللطيف شنر'' الذي قبل طواعية الابتعاد عن المسرح السياسي، والحق أن ''أردوغان'' لم يستطع، رغم استبساله في إخفاء مشاعره، أن يخفي انزعاجه من ''شنر'' الذي بدا منافساً قوياً، وهاهي الصحف ومعها بعض من الإعلام المرئي يتنبآن للعائد بدور مركزي في المرحلة القادمة· وتتوالى المنغصات مصرة على محاصرته، وهو في عطلته ينشد الراحة، فقد فوجئ بالصحف تنشر ما وصفته بالفضيحة التي تمثلت في سعي وفد ضم أعضاء من العدالة والتنمية إلى المجلس الأوروبي بالعاصمة البلجيكية ''بروكسل'' بهدف قيام الأخير بمساندة الحزب في صراع البقاء الذي يخوضه الآن، إنه الاستقواء بأوروبا على حد وصف بعض القوميين الذين نددوا بأي محاولة قد تقوم بها مؤسسات أوروبية للتدخل في الشأن القضائي التركي· المثير أن حزب العدالة نفى ما رددته وسائل الإعلام، وعلى الفور جاءت الصدمة الصاعقة من المجلس الأوروبي نفسه الذي أكد طلب الحزب بإصدار بيان يشجب المحاولات الرامية إلى غلقه، وليت المجلس اكتفى بذلك، بل تجنب الخوض في تفاصيل قضية داخلية لم يصدر بشأنها قرار؛ وهكذا يبدو الحزب وحكومته في وضع لا يحسدان عليه، فالعواصف العاتية تحاصرهما من كافة الاتجاهات، ولم يعد هناك مفر سوى الانتظار لقرار المحكمة الدستورية، فما دون ذلك هو العبث بعينه، فقط يمكن لهما الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، فتلك باتت على الأبواب· سيد عبد المجيد- أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©