الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النابغة والحس الدرامي المأساوي

النابغة والحس الدرامي المأساوي
4 يونيو 2009 00:00
يقول النابغة الذبياني: لا يهنأ الناس ما يرعون من كلأ وما يسوقون من أهل ومن مال لعبد ابن عاتكة الثاوي على أمر أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال سهل الخليقة مشّاء بأقدمة إلى ذوات الذَّرى حمّال أثقال حسب الخليلين نأي الأرض بينهما هذا عليها وهـذا تحتها بالي يؤكد عزالدين إسماعيل أن النابغة هنا استطاع ملاحظة المأساة على نحو مذهل في أقل ألفاظ ممكنة (هذا عليها وهذا تحتها بالي)، وأنه استكشف عنصرا دراميا ممتازا تولّد نتيجة لوقوع الحادث المؤلم، حادث وفاة أخيه، لكن الغريب أن تكون هذه هي الغاية التي ينتهي عندها الشاعر، فهو لم يتحرك خطوة واحدة بعد ملاحظة هذا التناقض، بل لعله لم يقف أمام هذا التناقض على أنه تناقض مطلق، لكنّه اكتفى من الملاحظة بالواقعة الحرفية في ذاتها(هذا عليها وهذا تحتها بالي)، كما خرج من هذه الواقعة بدلالتها الحرفية، وهي فرقة الخليلين. ولعل النـزوع الدرامي في الأبيات السابقة يتجلّى في وجود متكلم خيالي يخاطب مستمعين، وحيث تكشف فيه شخصية النابغة عن طبيعتها، والموقف الدرامي الذي يحوطه، فهو عبارة عن رسم غير مباشر لشخصية ما، أو أثر أدبي مرتكز على حادثة واحدة تقدمه شخصية خيالية، أو حقيقية في حديث من جانب واحد، يوجّه للقارئ أو لشخصيـة أخرى، أو لجماعة من الناس بحيث يصبح المسرح هو وجدان القارىء أو المستمع ومخيلتهما. لقد استطاع النابغة هنا أن يستعين بالحس الدرامي المأساوي، فبدأ أولا بالصراع والصراخ، ثم انتهى أخيرا بالهمس والصمت، صرخ قبل أن يتعرف إلى دراما الحياة، وبدأ يهدأ بعدما دخل قلب المأساة وتعرف إليها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©