الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صفعة أبي الأسطورية

صفعة أبي الأسطورية
4 ابريل 2010 21:06
مع احترامي لكل دعاة التربية الحديثة، فإن الضرب هو الذي أدّبني وانتشلني من دوّامة الضياع. بالطبع لم أحصل على الضربة أو العضّة الأولى بعد الخطأ الأول، وإنما جاءت بعد سلسلة من الإجراءات التأديبية التي بدأت بنظرات العتاب مروراً بكلمات التوبيخ وانتهاء بالحرمان من الألعاب. يقولون إن الضرب لا يجدي وأنه غير إنساني وغير حضاري ولا يناسب العصر، وإنما ينبغي أن يفتح الوالدين شباك الحوار مع أبنائهم. وهذا صحيح في المرة الأولى والمرة الثانية والعشرين والألف، لكن بعد الخطأ الألف ليس هناك إلا الكف، مع قليل من الركل والرفس. لا أذكر أول ضربة أسرية، لكنني بالتأكيد أذكر آخر ضربة في يوليو 1987، لأنها كانت ضربة أسطورية محفورة إلى اليوم على صفحة روحي، وكل من شهد الموقف تعجب من قوة الضربة وطريقتها، فقد كنت أقف بعيداً بأمتار عن أبي حين أخبروه بما حصل، فقفز في الهواء ولطمني كفاً بيديه الاثنتين، جعلتني أتقهقر عشرات الأمتار مصدراً صوتاً يشبه صوت الكلاب الضالة حين ينهرها المارة. كان هذا في إجازة المدارس وانتقالي من الصف السابع إلى الثامن، حين ارتكبت خطأ هو أقرب إلى الجريمة الكاملة لولا اعتراف شريكي الذي كنت أنا صديق سوءه، وجاءت الصفعة من أعز إنسان لدي: أبي الذي لم يكن قد ضربني منذ أن أتيت إلى هذه الدنيا. لم يكن هذا الخطأ هو الأول من نوعه، فقد ارتكبت الخطأ نفسه مرات ومرات، ونفّذت بحقي جميع الإجراءات التأديبية. وحين لم أنته، كانت النهاية على يد أبي الذي أتعمد الآن تقبيل يده كلما رأيته، فقد قلبت تلك الضربة حياتي، وصرت من بعدها أفكّر ألف مرة قبل أن أفكّر في ارتكاب الأخطاء الصغيرة قبل الكبيرة، بل إنني أتمنى أن يمنحني الآن ضربات أخرى لعل وعسى تستقيم أموري بشكل أفضل. وأحياناً أقول في نفسي إن الاعتياد على الضرب من قِبل أمي هو الذي جعلني لا أرعوي إلا بالصفعات والركلات، ولم أعد أستوعب لغة الحوار لأنني كبرت عليها، أي ما عادت تجدي معي. لكن هذا غير صحيح، فكما قلت من قبل أن الضرب لم يكن الخيار الأول لأهلي، وأعرف أستاذ جامعة لم يكن يعترف بالضرب ويدعو للتربية الحديثة التي كلّفته آلام القولون العصبي، بسبب شبابيك الحوار التي فتحها مع أولاده لكنهم كسروا زجاجها بحصى العناد والتفلسف والإصرار على قراراتهم الساذجة. وفي يوم من الأيام نسي كل أساليب التربية وأصبح أباً غير حضاري وهمجي ورجعي وضرب ابنه ضرباً مبرحاً لأنه كان يقود دراجته خارج البيت المطل مباشرة على الشارع العام، بعد أن حذره أكثر من مرة وحاوره وأوضح له خطورة تصرفاته. ينبغي التدرج في التأديب، وعدم المسارعة إلى الضرب، خصوصاً إذا كان بدافع الانتقام وليس بهدف التأديب، لكن من الأفضل أن يسكت دعاة التربية الحديثة حين تصبح المسألة مسألة حياة أو موت، أو مسألة دخول السجن، أو مصاحبة أصدقاء السوء والمدمنين وعتاة المجرمين. في هذه الحالات لا شيء أجدى وأصلح من الضرب، وربما يحتاج دعاة التربية الحديثة إلى القليل من الضرب ليكفّوا عن تلويث عقول الآباء وإفساد الأبناء. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©